رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

سلطان المثقفين

يبدو للوهلة الأولي أن عبارة "المنتصر هو من يكتب التاريخ" عبارة صحيحة وصادقة، وربما تكون صادمة في نفس الوقت، فخلال الفترات الماضية، من ينتصر في معركة أو حرب هو من يدون في الكتب والمقررات الدراسية ما يريد ذكره من أحداث وبيانات ومعلومات، في حين يغفل عمدا معلومات أخرى ذات أهمية وقيمة في اكتمال الصورة بشأن الحدث.

إن قراءة تاريخ الأمم، تؤكد بما لا يدع مجالا للشك، أن هناك من امتهنوا تزوير التاريخ وتزييفه، طمعا في منصب أو مكسب مادي، لكن هؤلاء المزورين للتاريخ، وما أكثرهم، يتجاهلون أن التاريخ لهم بالمرصاد، ولن يرحمهم، كما أن الكثير من المعنيين والمهتمين بدراسة وقراءة التاريخ، يدركون ويعلمون بالأدوار التي يمارسونها من تزييف للحقائق، وعرض مبالغ فيه للأمور، وتحسينها بدلا من العرض الموضوعي الدقيق، الذي يكشف الإيجابي والسلبي على حد سواء، وذلك خدمة للمصلحة العامة، التي يفترض أن يشترك الجميع في تحقيقها، بدلا من التضليل واللعب بالكلمات والصور. أعتقد أنه من حق الأجيال الحالية والقادمة أن تقراء التاريخ بصورته الصحيحة، فهل نشهد كتب تاريخ مختلفة تدرس لأبنائنا؟!

هو سلطان غاز فى سبيل الله, مجاهد فى إعلاء كلمتة, كان رحمه الله مؤيدا فى حروبه ومغازيه، أين سلك ملك, وصلت سراياه مشارق الأرض ومغاربها, فافتتح البلاد الشاسعة والأقطار, وأقام السنة وأحيى الملة, ورفع شعائر الشريعة وأعلى منارها, واحيى ما اندرس من آثارها, فكان من المجددين لهذه الأمة دينها فى القرن العاشر، لكثرة علمه وعمله وأدبه وفضله وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر.

هو سليمان الأول الأبن الوحيد للسلطان سليم الأول، ابن السلطان بايزيد الثاني، كان واحدا من أعظم سلاطين الإمبراطورية العثمانية، وعاشر ملوك آل عثمان، يعد واحدا من شخصيات التاريخ العالمي، اعترف الجميع بعظمته، حيث قال عنه المؤرخ الألماني هالمر، "كان هذا السلطان أشد خطرا علينا من صلاح الدين نفسه"، وقال عنه أيضا المؤرخ الانجليزي هارولد، "إن يوم موته كان من أيام أعياد أوربا ". اشتهر بالقانوني نظرا للقوانين العديدة التي وضعها، مثل قوانين تنظيم الجيش، والشرطة، والإقطاع الحربي، وملكية الأرض وغيرها من القوانين، ولقبه الغرب بسليمان الأكبر أو سليمان العظيم.

كان يستفتح رسائله بقوله تعالى "إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم"، تيمنا بنبى الله سليمان عليه السلام، حتى قال عنه المؤرخون إنه "سليمان زمانه"، لكثرة جنده ولعظيم هيبته ولنفاذ أمره فى ملـوك الأرض. عندما جلس السلطان سليمان القانونى على كرسى الخلافة, كان أول ما فعله هو إرسال رسالة إلى ملوك أوروبا يعلمهم بتوليه الخلافة، ويأمرهم بدفع الجزية المقررة عليهم، كما كانوا يفعلون فى عهد أبيه السلطان سليم الأول. فما كان من ملك المجر، إلا أن قتل رسول السلطان سليمان، فاستشاط السلطان غضبا وانفعل قائلا: أيقتل سفير دولة الإسلام أيهددنى ملك المجر، فما أصبح الصباح، إلا وقد أعد سليمان، جيشا جرار مدعوما بالسفن الحربية، وكان بنفسه على رأس هذا الجيش، وكان قاصدا مدينة بلجراد المنيعة والتى تعد بوابة أوروبا الوسطى.

يروي ﻋنه، أن ﻣﻮظفي ﺍﻟﻘﺼﺮ، أخبروه عن استيلاء ﺍﻟﻨﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺟﺬﻭﻉ ﺍﻷﺷﺠﺎﺭ ﻓﻲ ﻗﺼﺮ" ﻃﻮﺏ ﻗﺎﺑﻲ"، ﻭﺑﻌﺪ ﺍﺳﺘﺸﺎﺭﺓ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺨﺒﺮﺓ، ﺧﻠﺺ ﺍﻷﻣﺮ ﺇﻟﻰ ضرورة ﺩﻫﻦ جذوع الأشجار ﺑﺎﻟﺠﻴﺮ، ﻭﻟﻜﻦ سليمان، كان من عادته حين ﻳﻘﺪﻡ ﻋﻠﻰ ﺃﻣﺮ، أن يأخذ رأي مفتي الدولة الذي كان لقبه الرسمي شيخ ﺍﻹﺳﻼﻡ، ﻓﺬﻫﺐ ﺇﻟﻰ ﺃﺑﻲ ﺍﻟﺴﻌﻮﺩ ﺃﻓﻨﺪﻱ ﺑﻨﻔﺴﻪ ﻳﻄﻠﺐ ﻣﻨﻪ ﺍﻟﻔﺘﻮى، ﻓﻠﻢ ﻳﺠﺪﻩ ﻓﻲ ﻣكانه ﻓﻜﺘﺐ ﻟﻪ ﺭﺳﺎﻟﺔ ببيت شعر ﻳﻘﻮﻝ ﻓيها: ﺇﺫﺍ ﺩﺏَّ نملٌ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺸﺠﺮ .. ﻓﻬﻞ ﻓﻲ ﻗﺘﻠﻪ من ﺿﺮﺭ؟ ولما قرأ الشيخ أبوالسعود الرسالة أجابه بقوله: ﺇﺫﺍ ﻧُﺼﺐَ ﻣﻴﺰﺍﻥ ﺍﻟﻌﺪﻝ .. أخذ ﺍﻟﻨﻤﻞ ﺣﻘﻪ ﺑﻼ وجل.

وﻫﻜﺬﺍ ﻛﺎﻥ ﺩﺃﺏ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﺳﻠﻴﻤﺎﻥ، فقد كان لا ينفذ ﺃﻣﺮﺍ ﺇﻻ ﺑﻔﺘﻮﻯ ﻣﻦ علماء الإسلام . ولما توفي سليمان ﺃﺛﻨﺎﺀ ﺳﻔﺮﻩ إﻟﻰ ﻓﻴﻨﺎ قبل ﻣﻌﺮﻛﺔ ﺯﻳﻜﺘﻮﺭ، عاﺩﻭﺍ ﺑﺠﺜﻤﺎﻧﻪ إﻟﻰ اﺳﻄﻨﺒﻮﻝ، ﻭﺃﺛﻨﺎﺀ ﺍﻟﺘﺸﻴﻴﻊ ﻭﺟﺪﻭﺍ ﺃﻧﻪ ﻗﺪ ﺃﻭﺻﻰ ﺑﻮﺿﻊ ﺻﻨﺪﻭﻕ ﻣﻌﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺒﺮ، ﻓﺘﺤﻴﺮ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ ﻭ ﻇﻨﻮﺍ ﺃﻧﻪ ﻣﻠﻲﺀ ﺑﺎﻟﻤﺎﻝ، ﻓﻠﻢ ﻳﺠﻴﺰﻭﺍ ﺇﺗﻼﻓﻪ ﺗﺤﺖ ﺍﻟﺘﺮﺍﺏ، ﻭﻗﺮﺭﻭﺍ ﻓﺘﺤﻪ، فأﺧﺬﺗﻬﻢ ﺍﻟﺪﻫﺸﺔ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺭﺃﻭﺍ ﺃن ﺍﻟﺼﻨﺪﻭﻕ ﻣﻤﺘﻠﺊ بفتواهم حتى يدافع بها عن نفسه يوم الحساب. ﻓبكي ﺍﻟﺸﻴﺦ ﺃﺑﻮ ﺍﻟﺴﻌﻮﺩ مفتي الدولة العثمانية ﻗﺎﺋﻼ، ﻟﻘﺪ ﺃﻧﻘﺬﺕ ﻧﻔﺴﻚ ﻳﺎ ﺳﻠﻴﻤﺎﻥ، ﻓﺄﻱ ﺳﻤﺎء ﺗﻈﻠﻨﺎ، ﻭﺃﻱ ﺃﺭﺽ ﺗُﻘﻠّﻨﺎ ﺇﻥ ﻛﻨﺎ ﻣﺨﻄﺌﻴﻦ ﻓﻲ ﻓﺘﺎﻭﻳﻨﺎ؟

كما روي عنه، قوله "عندما أموت أخرجوا يدي من التابوت، لكي يرى كل الناس أنه حتى السلطان خرج من هذه الدنيا بيد فارغة". هذه سيرة السلطان سليمان، وليست سيرة "حريم السلطان"، ذلك المسلسل، الذي شوه صورة ذلك البطل المجاهد، الذي بلغت مساحة دولته 24 مليون كم2 موزعة اليوم على أكثر من 40 دولة، كان شاعرا وخطاطا مجيدا، خط القرآن الكريم بيده 8 مرات. وكان ملما بعدة لغات من بينها اللغة العربية، وكان يلقب بسلطان المثقفين ومثقف السلاطين . وقد دام حكمه 47 عاما قضى منها 10 سنوات على ظهر فرسه غازيا في سبيل الله، وقاد خلالها 13 حملة عسكرية بنفسه. وفي عهده فتحت صربيا والمجر وجنوب أوكرانيا ورومانيا وبلاد القوقاز، ووصلت قواته إلى النمسا في قلب أوروبا. وحررت في عهده الجزائر وليبيا من الاحتلال الأسباني، والعراق من الاحتلال الصفوي، وحررت البحرين واليمن، وتم تطهير سواحل الخليج العربي وخليج عدن من الأساطيل البرتغالية. وكان يتدخل في شئون فرنسا الداخلية، ويعتبرها ولاية تابعة لدولته. وفي عهده تنازلت فرنسا، عن ميناء طولون، فأصبح قاعدة حربية إسلامية هامة في غرب أوروبا.

ولما توفي السلطان سليمان القانوني، ﺃﺛﻨﺎﺀ ﺳﻔﺮﻩ إﻟﻰ ﻓﻴﻴﻨﺎ قبل ﻣﻌﺮﻛﺔ "ﺯﻳﻜﺘﻮﺭ"، دقت أجراس الكنائس في كل أوروبا، فرحا بموته وجعلوا يوم وفاته عيدا من أعيادهم.


لمزيد من مقالات ابراهيم النجار;

رابط دائم: