رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

مازن فقهاء.. اغتيال في عاصمة المقاومة

تعد عملية اغتيال الأسير المحرر والقيادي "القسامي"، مازن فقهاء، تطورا ميدانيا خطيرا من حيث آليات الاستهداف الإسرائيلي داخل قطاع غزة، وهي من ثمار التعامل مع القطاع كمجال حيوي لجهاز الاستخبارات "أمان"، والتعاون المشترك مع جهاز "الشاباك"، بتكثيف الجهد الاستخباري في القطاع.

كما أن إسرائيل تسعي وبقوة لفرض معادلة على أسرى الضفة الغربية في قطاع غزة، بالفصل في قواعد الاشتباك بين المقاومة في القطاع وقيادة المقاومة في الضفة الغربية، فهى رسالة بأن أي شخص يعمل في الضفة ويحتمي في غزة مستهدف. كما تاتي هذه العملية أيضا في إطار، رد اعتبار من قبل الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، "الشاباك وأمان"، على نجاحات المقاومة في صراع الأدغمة بعد الضربات التي تلقتها في عمقها. كان مازن فقهاء، أحد أهم المطلوبين من قبل سلطات الاحتلال، لنشاطه في تشكيل خلايا عسكرية في الضفة الغربية، وقد نجا من محاولة اغتيال في عرض البحر الصيف الماضي، مما يدفع إسرائيل للتخلص من خطره بكل السبل دون اغتيال فج كالقصف أو زرع عبوة ناسفة.
حركة "حماس وكتائب القسام"، أعلنا أن فقهاء، اغتيل بالرصاص أمام منزله في حي تل الهوى غربي مدينة غزة، وأن المهاجمين استخدموا أسلحة نارية مزودة بكاتم للصوت. وفقهاء، من طوباس في الضفة الغربية، وأحد محرري صفقة وفاء الأحرار والمبعدين إلى قطاع غزة. وأصدرت محكمة إسرائيلية ضده حكما بتسعة مؤبدات بعد إدانته بالتخطيط وإرسال منفذ عملية تفجيرية في حافلة ركاب في مفرق ريمون قرب صفد عام ٢٠٠٢، ردا على اغتيال القيادي في حماس، صلاح شحادة، والتي قتل فيها تسعة إسرائيليين وأصيب أكثر من أربعين.
يأتي اغتيال فقهاء، بعد نحو عشرة أيام من إعلان جهاز الأمن العام الإسرائيلي "شاباك"، اعتقال خلايا عسكرية تابعة لـ "حماس"، في مناطق مختلفة بالضفة الغربية المحتلة، حيث تم اعتقال عدة أشخاص تنسب لهم شبهات تنفيذ عمليات ضد الجيش والمستوطنين والتخطيط للقيام بعمليات ضد أهداف إسرائيلية. عملية الاغتيال تمت بإطلاق النار عليه من مسدس كاتم صوت قرب بيته في غزة، السبت الماضي، ووجهت "حماس"، إصبع الاتهام إلى إسرائيل وتوعدت بالرد.
تحاول إسرائيل مؤخرا، نشر روايات لا تبدو واقعية حول اغتيال قيادات في المقاومتين الفلسطينية واللبنانية، فقد زعم رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، جادي آيزنكوت، أن القيادي في "حزب الله"، مصطفى بدرالدين، الذي قتل في العام الماضي في سورية، قد تم اغتياله من قبل معارضيه في صفوف الحزب. غير أن صحيفة "يديعوت أحرونوت" ذكرت، أن اغتيال فقهاء، جاء في أعقاب تحذيرات أجهزة الأمن الإسرائيلية، من أن "حماس"، تخطط لتنفيذ عملية تفجيرية خلال عيد الفصح اليهودي. وادعى رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية السابق، والرئيس الحالي لـ"معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، عاموس يدلين، أن "إسرائيل لا تسدد الحساب مع من خرج إلى التقاعد"، لكنه قال لإذاعة الجيش الإسرائيلي، إن "إسرائيل تعمل من أجل إحباط الإرهاب". "حماس"، من جهتها تحمل سلطات الاحتلال وعملاءه المسئولية الكاملة عن هذه الجريمة النكراء.
اغتيال فقهاء، بعملية تتسم بـ "الجرأة والنوعية"، وعلى أرض غزة وليس من الجو، تحمل الكثير من الرسائل، وتكشف ربما ملامح الوجهة الإسرائيلية تجاه القطاع في الفترة القريبة المقبلة. فعلي الرغم من حديث الكثير من القادة الأمنيين والسياسيين، عن تقديراتهم بأن لا إسرائيل ولا "حماس"، يسعيان للحرب، وأن لكلا الطرفين مصلحة في استمرار المحافظة على الهدوء، وكان آخر الذين يتبنون هذا التقدير رئيس "الشاباك" نداف أرجمان، في استعراضه للوضع الأمني أمام لجنة الخارجية والأمن، التابعة للكنيست الأسبوع المنصرم، بيد أنه لوحظ في الأسابيع الأخيرة على الأقل، ميلا إسرائيليا للتصعيد، ومحاولات "ليبرمانية"، لفرض نوع من معادلة ردع جديدة. وفي الإعلام، ركزوا على الأجواء التصعيدية على الجبهة الجنوبية، ويصر الوزير جالانت - وهو جنرال وقائد المنطقة الجنوبية سابقا - أن الحرب على الأبواب، وسبق أن حدد الربيع موعدا محتملا للانفجار، ثم عدله للصيف. أما من الناحية الإحصائية فكان مارس الجاري، الشهر الأكثر تصعيدا منذ حرب 2014، والرسم البياني للتصعيد (إطلاق الصواريخ المتفرقة والقصف الإسرائيلي وسعة رقعته)، يشير إلى ازدياد التصعيد في الأشهر الأخيرة.
هذه المعطيات وغيرها، تكشف بشكل أوبآخر، أن فترة التهدئة دخلت حالة من الاستنزاف، وربما شارفت على استنفاد طاقتها، وينعكس ذلك في حالة التوتر والاحتقان لدى كل من المقاومة وجيش الاحتلال، وزيادة وتائر الاستعدادات والتدريبات والتجهيز، وكأننا نقترب من لحظة الصفر، في ظل حالة من الشكوك الكبيرة، من قبل كل طرف في نوايا الطرف الآخر، وبات من السهل الوقوف على حالة التصعيد على الأقل في الخطاب الإعلامي. إن اغتيال فقهاء، يعكس تقديرا وموقفا لدى دولة الاحتلال، يتراوح ما بين التقدير بأن "حماس"، غير جاهزة للحرب وتخشاها، وستحتوي أي استفزازات أو محاولات لاستدراجها، لظروف تتعلق بجاهزيتها وبالوضع المعيشي للسكان وبالحالة الإقليمية، وبين أن تكون دولة الاحتلال، قد حسمت أمرها برفع مستوى ردعها، حتى بثمن الحرب، التي تقدر أن جيشها بات جاهزا لها. عملية اغتيال فقهاء، بالطريقة التي تمت بها تعتبر مكلفة ميدانيا وعملياتيا، وتنطوي على الكثير من الجرأة والمغامرة معا، وكان من الأسهل اغتياله بصاروخ من طائرة بدون طيار، وهنا لابد من وقفة وسؤال، هل كان التخلص من فقهاء، هدفا مهما وحيويا للأمن الإسرائيلي، يستحق هذا القدر الكبير من الجهد والمخاطرة؟ أم أن الرسائل كانت أيضا لا تقل قيمة عن قيمة اغتياله؟
يبدو أن من قرر المصادقة على العملية وعلى طريقة الاغتيال، أراد من خلالها، عدم تحمل مسئولية مباشرة عن العملية، وعن أي تصعيد يرتبط بتداعياتها، إرباك المقاومة وزعزعة ثقة الجبهة الداخلية، وإيصال رسالة صادمة وخطيرة لكوادر المقاومة، مفادها أن يد الاحتلال قادرة على الوصول إليكم في كل مكان، وأنه لا التهدئة ولا القطاع يمنحانكم حصانة من الاغتيال. ليس الهدف الأول للعملية هو الردع فحسب، فالإحتلال يعرف أن أمثال هؤلاء لا يمكن ردعهم عن أهدافهم وعن مواصلة نهجهم وجهادهم، فالتشويش والانتقام وتدفيع الثمن للحركة ولكوادرها له المعيار الأكبر، والانتقام وتدفيع الثمن يعتبر أبرز سياسات إسرائيل الأمنية تجاه من تصفهم بأن على "أيديهم دماء يهودية". من الواضح أن لوزير الحرب ليبرمان، بصمة واضحة في الدفع بإتجاه هذا النوع من العمليات، فهو دائم التحريض للجيش، على التجرؤ والإقدام أكثر، في ما يسميه بمطاردة "الأعداء"، ومن المهم التذكير بأن الأذرع الأمنية الإسرائيلية، كانت بحاجة لهذا النجاح، بعد أن باتت غزة عصية على عملياتها الخاصة، فقد حاولت هذه الأذرع في السابق وأكثر من مرة، القيام بعمليات اختراق وإنزال على سواحل غزة، لكنها فشلت بحكم انكشافها وتصدي المقاومة لها، فهذا النجاح يمنحهم نوعا من استعادة الثقة بقدراتهم، وهذا طبعا على فرض أن العملية تمت بواسطة قوات خاصة اخترقت الساحل الفلسطيني في غزة. هذا النوع من العمليات، يستلزم مصادقة رئيس الحكومة، بعد توصية الأذرع الأمنية، ونتانياهو، شخصيا كان يعاني من "فوبيا" الفشل في مثل هذه العمليات، وأشهر العمليات الفاشلة التي ارتبطت به، محاولة اغتيال خالد مشعل، وعملية اغتيال محمود المبحوح وانكشاف أمر ضباط "الموساد" في سويسرا، لكن اغتيال المهندس محمد الزواري، في تونس، واغتيالات سابقة في طهران، يبدو أنها جعلته أكثر تجرؤا، ولا بد أنه عندما صادق على العملية، كان لديه تقدير بأن "حماس"، ستحتوي الأمر، أو أنه فعلا قرر استدراجها للتصعيد. سواء كان لدولة الإحتلال، نية مبيتة للتصعيد أو رغبة في الاستفادة قدر الإمكان من تمسك "حماس" بالتهدئة، فإن التصعيد الإسرائيلي لن يتوقف، وقدرة "حماس"، على الضبط الداخلي لردود الفعل، سوف تتآكل تدريجيا، مما يجعل الاحتمالات مفتوحة على مصراعيها للتصعيد.


لمزيد من مقالات ابراهيم النجار;

رابط دائم: