رئيس مجلس الادارة
أحمد السيد النجار
رئيس التحرير
محمد عبد الهادي علام
يبدو أن مهمة العثماني ستكون شاقة، لكنها ستكون أقل صعوبة من بنكيران، نظرا لكون المخزن (النخبة الحاكمة في المغرب المقربة من الملك نفسه )، والأحزاب الأخرى لن ترفع "الفيتو"، ضد العثماني مثلما فعلوا مع بنكيران، الذي باتت تخشاه عدة أحزاب خصوصا "المخزن"، نظرا لكونه بات رقما صعبا في المعادلة السياسية المغربية، وصار يتمتع بشعبية واسعة لدى عامة الناس، بسبب خطابه السياسي الشعبوي الذي يحبه المغاربة. اختيار العثماني قد يكون ايجابيا، لكنه لن يشكل ازعاجا أوتخوفا أكبر "للسلطة" الذي يعتقد أنه قادرعلى التحكم أكثر في شخصية العثماني، الذي يفتقد إلى كاريزما وقدرة في التأثير في الناس، مقارنة بـ بنكيران. يري بعض المراقبين والمعنيين بالشأن المغاربي، أن الأزمة التي مرت بها البلاد، في عدم تشكيل الحكومة، يعود بالأساس إلى عدم رغبة "السلطة"، في إعطاء فرصة ثانية لـ ىبنكيران، حتى لا يتمدد أكثر داخل السياسية المغربية، بل ومحاولة تحجيمه، وربما السعي إلى تجميده في المرحلة المقبلة، والسعي نحو تأجيج الصراع بين تيارين في حزب العدالة والتنمية واضعافه، وربما إحداث انقسامات داخل الحزب، الذي لعب بـ براجماتية عالية ونجح في تقديم صورة ايجابية لدى الغرب. لا شك أن المغرب، على الرغم من هذا الصراع بين الأحزاب، إلا أنه خطا خطوات ايجابية انقذت البلاد من حالة الفوضى والتصادم بين الدولة والاسلاميين، ولا سيما، حزب العدالة والتنمية، الذي امتلك تجربة لا بأس بها في إدارة الدولة، ولم يمثل أي مصدر تخوف للغرب، مقارنة ببعض الحركات الاسلامية الأخرى في المنطقة العربية، مثل حركة "الاخوان المسلمين"، وحركة "النهضة"، عندما وصلت إلى السلطة عام 2011. وبموجب الصلاحيات الدستورية المخولة للملك المغربي، فإنه في حالة تعطل تشكيل الحكومة، وحتى لا تتعرض البلاد الى منزلقات خطيرة، فإنه يحق للملك، أن يعين شخصا ثانيا من نفس الحزب الأول الفائز في الانتخابات. وعلي الرغم من سعي بنكيران، خلال المدة السابقة وعلى مدار أشهر لتشكيل حكومة ائتلافية مع جملة من الأحزاب، إلا أنه فشل، بسبب حالة التجاذب والرفض التي بين الأحزاب الأساسية في المغرب، خصوصا وأن الدستور المغربي، لا يسمح للحزب الفائز بتشكيل حكومة منفردا. ولعل من أهم العوائق التي عطلت تشكيل الحكومة، وعرقلت جهود بنكيران، في تشكيل الحكومة، هو قانون الانتخابات الذي يمنع تشكيل حكومة موحدة ويفرض تشكيل حكومة ائتلافية، كما أن الدستور يعطي الصلاحيات الكاملة للملك، في اختيار رئيسا لتشكيل الحكومة، بشرط أن يكون من الحزب الأول الفائز. وهنا يتبادر للذهن سؤالا قد يكون مهما وأساسيا في هذا الصدد، وهو هل اختيار الملك للعثماني، وإبعاد بنكيران، يعود فعلا إلى عجز الأخير في تشكيل الحكومة؟ أم أن هناك أسبابا أخرى وراء الكواليس تتصل بشخصية بنكيران نفسه، الذي بات حسب بعض المراقبين يمثل شخصية سياسية مهمة لها وزنها في البلاد، وتتمتع بشعبية كبيرة داخل الساحة المغربية؟ وهل اختيار العثماني وإبعاد بنكيران، يرجع إلى خلافات بينه وبين الملك نفسه؟ أم أن بنكيران، خطط إلى الانسحاب من الحكومة، حتى يترك الفرصة لحزبه الاستمرارية في سدة الحكم ويشكل حكومة؟ مما لاشك فيه، أن بنكيران كرئيس للحكومة المغربية السابقة، نجح في جملة من الملفات وخصوصا على المستوى الاقتصادي، وكان يتبنى سياسة اقتصادية منفتحة، رغم أنه زعيم لحزب إسلامي، إلا أنه لم يتعرض إلى ضغوطات من قبل الغرب. بنكيران، نجح ولكن نجاحه ظل محدودا، بسبب المساحة والصلاحيات التي يتحرك فيها، جراء الاكراهات الدستورية، وجراء هيمنة الملك على أغلبية الصلاحيات الدستورية. كما أنه أستطاع بشكل أو بأخر، في أن يدخل تجربة الحكم ويفهم ميكانيزمات الدولة المغربية، ويتوغل في مساحات لم تسمح لأي تيار اسلامي أن يلجها من قبله، كما استطاع، أن يلعب دورا مهما، في الحد من العمليات الإرهابية، رغم وجود المغرب في منطقة تشهد توسعا للجماعات الإرهابية، سواء كان في منطقة الصحراء الكبرى ومالي والنيجر، أوفي تونس والجزائر وليبيا، وفي العديد من الدول العربية والإفريقية. وحسب مراقبين، أستطاع حزب العدالة والتنمية، تجاوز حالة الصراع الايديولوجي مع اليسار والعلمانيين، ودخل في الحكومة السابقة، في تحالف مع أحزاب يسارية، عكس ما نراه في التجربة التونسية، التي لا زالت هناك حالة عداء كبيرة بين الاسلاميين واليساريين، رغم هامش الحرية الكبيرة الموجودة في تونس، ورغم تقدمية الدستور التونسي، مقارنة بالدستور المغربي والدساتير العربية الأخرى. بنكيران، الذي دخل مع الملك في تحالف سياسي، وساهم في إيقاف " انتفاضة فبراير"، وأنقذ النظام الملكي المغربي، من موجات "ثورات الربيع العربي"، ربما لن يلعب في المرحلة المقبلة دورا سياسيا بارزا . ومهما تكن الأسباب، فإننا نستطيع القول إن المشهد السياسي في المغرب، سيعيش حالة من الغموض والترقب، لأن الرئيس المكلف الجديد سعد الدين العثماني، لا نعرف مدى قدرته على اقناع الأحزاب السياسية في تشكل الحكومة القادمة. فهل سينجح خليفة بنكيران، في تشكيل الحكومة أم ستضطر المغرب لإعادة الانتخابات مرة أخري؟ وهل تتحمل المغرب حالة الفراغ السياسي بغياب الحكومة؟! لمزيد من مقالات ابراهيم النجار;