رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

نحو‭ ‬نقابة‭ ‬مهنية‭ ‬للجماعة‭ ‬الصحفية

ارتبط‭ ‬بحالة‭ ‬الحراك‭ ‬السياسى ‭ ‬فى ‭ ‬مرحلة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬يناير‭ ‬‮٢٠١١‬‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬الوضوح‭ ‬فى‭ ‬أدوار‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الفاعلين‭ ‬والمؤسسات‭.

‬جاء‭ ‬هذا‭ ‬الغموض‭ ‬كنتيجة‭ ‬طبيعية‭ ‬لعوامل‭ ‬عديدة،‭ ‬تعلق‭ ‬بعضها‭ ‬بحالة‭ ‬‮«‬التسييس‮»‬‭ ‬الواسعة‭ ‬لمعظم‭ ‬التفاعلات‭ ‬الجارية‭ ‬داخل‭ ‬المجتمع‭ ‬المصري،‭ ‬وتعلق‭ ‬بعضها‭ ‬الآخر‭ ‬بسيطرة‭ ‬تيارات‭ ‬فكرية‭ ‬بعينها‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسات،‭ ‬وميل‭ ‬هذه‭ ‬التيارات‭ ‬بطبيعتها‭ ‬إلى‭ ‬التوسع‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬‮«‬التسييس‮»‬‭ ‬تلك‭ ‬باعتبارها‭ ‬شرطا‭ ‬رئيسا‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الزخم‭ ‬حول‭ ‬هذه‭ ‬التيارات، باعتبار‭ ‬ذلك‭ ‬أيضا‭ ‬شرطا‭ ‬رئيسا‭ ‬لبقاء‭ ‬هذه‭ ‬التيارات‭. ‬وقد‭ ‬مثلت‭ ‬أزمة‭ ‬نقيب‭ ‬الصحفيين‭ ‬وعدد‭ ‬من‭ ‬أعضاء‭ ‬مجلس‭ ‬النقابة‭ ‬خلال‭ ‬شهر‭ ‬أبريل‭ ‬‮٢٠١٦‬،‭ ‬وجر‭ ‬النقابة‭ ‬والجماعة‭ ‬الصحفية‭ ‬إلي‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الصدام‭ ‬غير‭ ‬المبرر،‭ ‬وغير‭ ‬المحسوب،‭ ‬مع‭ ‬مؤسسات‭ ‬الدولة‭ ‬المصرية‭ ‬نموذجا‭ ‬مهما‭ ‬وكاشفا‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭. ‬لقد‭ ‬ركزت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الكتابات‭ ‬السابقة‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬كشفت‭ ‬عنه‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬وضوح‭ ‬طبيعة‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬النقابة‭ ‬ومؤسسات‭ ‬الدولة‭ ‬وفقا‭ ‬لرؤي‭ ‬هذا‭ ‬التيار،‭ ‬وطريقة‭ ‬إدارة‭ ‬هذه‭ ‬العلاقة‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬وجود‭ ‬خلافات‭ ‬حادة‭ ‬بين‭ ‬الجانبين،لكن‭ ‬تظل‭ ‬هناك‭ ‬مشكلتان‭ ‬أخريان‭ ‬لايقلان‭ ــ ‬في‭ ‬تقديري‭- ‬أهمية،‭ ‬كشفت‭ ‬عنهما‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة،‭ ‬ويجب‭ ‬استحضارهما‭ ‬ونحن‭ ‬أمام‭ ‬استحقاق‭ ‬انتخابي‭ ‬جديد‭. ‬الأولي‭ ‬هي‭ ‬عدم‭ ‬وضوح‭ ‬طبيعة‭ ‬ودور‭ ‬نقابة‭ ‬الصحفيين‭ ‬لدي‭ ‬فصيل‭ ‬قُدر‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬يتولي‭ ‬قيادة‭ ‬النقابة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭. ‬والثانية‭ ‬هي‭ ‬عدم‭ ‬وضوح‭ ‬طبيعةالعلاقة‭ ‬بين‭ ‬النقابة‭ ‬والجماعة‭ ‬الصحفية‭ ‬وضوابط‭ ‬تعبير‭ ‬النقيب‭ ‬ومجلس‭ ‬النقابة‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الجماعة،‭ ‬وضوابط‭ ‬استخدام‭ ‬التفويض‭ ‬الممنوح‭ ‬لهم‭ ‬بموجب‭ ‬صندوق‭ ‬الانتخاب‭. ‬

لقد‭ ‬ضاعت‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬طريقة‭ ‬إدارة‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬حقيقتان‭ ‬أساسيتان‭ ‬حول‭ ‬نقابة‭ ‬الصحفيين،‭ ‬يجب‭ ‬استحضارهما‭ ‬بقوة‭ ‬ونحن‭ ‬أمام‭ ‬استحقاق‭ ‬انتخابي‭ ‬جديد‭. ‬الحقيقةالأولى،‭ ‬أنهانقابة‭ ‬تمثل‭ ‬جموع‭ ‬العاملين‭ ‬بمهنة‭ ‬الصحافة،‭ ‬سواء‭ ‬داخل‭ ‬المؤسسات‭ ‬الصحفية‭ ‬القومية،‭ ‬أو‭ ‬الحزبية،‭ ‬أو‭ ‬الخاصة،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬فإن‭ ‬أول‭ ‬معايير‭ ‬المهنية‭ ‬هنا‭ ‬هي‭ ‬ضرورة‭ ‬أن‭ ‬يعكس‭ ‬مجلس‭ ‬النقابة‭ ‬هذا‭ ‬التنوع‭ ‬المؤسساتي‭ ‬داخل‭ ‬الجماعة‭ ‬الصحفية‭. ‬وتزداد‭ ‬أهمية‭ ‬هذه‭ ‬النقطة‭ ‬بالنظر‭ ‬إلي‭ ‬جملة‭ ‬التحديات‭ ‬التي‭ ‬تنتظر‭ ‬الجماعة‭ ‬الصحفية‭ ‬بكاملها‭ ‬خلال‭ ‬المرحلة‭ ‬المقبلة،‭ ‬وهي‭ ‬تحديات‭ ‬يرتبط‭ ‬بعضها‭ ‬بمستقبل‭ ‬المهنة،‭ ‬كما‭ ‬يرتبط‭ ‬بعضها‭ ‬الآخر‭ ‬بتحد‭ ‬مهم‭ ‬يتعلق‭ ‬بتراجع‭ ‬الأهمية‭ ‬النسبية‭ ‬لامتلاك‭ ‬الصحف‭ ‬الخاصة‭ ‬بالنسبة‭ ‬للعديد‭ ‬من‭ ‬رجال‭ ‬الأعمال،‭ ‬بل‭ ‬وفقدان‭ ‬بعض‭ ‬هذه‭ ‬الصحف‭ ‬وظيفتها‭ ‬‮«‬السياسية‮»‬‭ ‬ومبرر‭ ‬وجودها،‭ ‬بالمقارنة‭ ‬بمرحلة‭ ‬مبارك،‭ ‬ويرتبط‭ ‬بعضها‭ ‬الآخر‭ ‬بالتحديات‭ ‬التي‭ ‬تواجه‭ ‬الصحافة‭ ‬القومية‭. ‬هذه‭ ‬التحديات‭ ‬تعني‭ ‬بوضوح‭ ‬أن‭ ‬الجماعة‭ ‬الصحفية‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬إلي‭ ‬نقابة‭ ‬تمثل‭ ‬رقما‭ ‬مهما‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬وإدارة‭ ‬هذه‭ ‬التحديات،‭ ‬وليس‭ ‬رقما في‭ ‬صناعة‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬المشكلات؛‭ ‬نقابة‭ ‬تلعب‭ ‬دورا‭ ‬في‭ ‬إيجاد‭ ‬مناخ‭ ‬إيجابي‭ ‬موات‭ ‬لإدارة‭ ‬هذه‭ ‬التحديات‭ ‬والتي‭ ‬تتطلب‭ ‬حدا‭ ‬أدني‭ ‬من‭ ‬الحوار‭ ‬والتوافق‭ ‬مع‭ ‬صانع‭ ‬القرار،‭ ‬وليس‭ ‬خلق‭ ‬مناخ‭ ‬صراع لن‭ ‬تقف‭ ‬تأثيراته‭ ‬عند‭ ‬حدود‭ ‬مبني‭ ‬النقابة‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬قد‭ ‬يطول‭ ‬مستقبل‭ ‬المؤسسات‭ ‬الصحفية‭ ‬ومهنة‭ ‬الصحافة‭ ‬ذاتها‭. ‬

الحقيقةالثانية،‭ ‬أنها‭ ‬نقابة‭ ‬‮«‬مهنية‮»‬‭ - ‬نسبة‭ ‬إلي‭ ‬ارتباطها‭ ‬بجماعة‭ ‬مهنية‭ ‬بعينها‭-‬حيث‭ ‬تظل‭ ‬صفة «المهنية‮»‬‭ ‬هنا‭ ‬هي‭ ‬المعيار‭ ‬الفاصل‭ ‬والمُميِز‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬الكيانات‭ ‬التنظيمية‭ ‬الأخري،‭ ‬مثل «الأحزاب‭ ‬السياسية» و«جماعات‭ ‬المصالح‮»‬،‭ ‬فإذا‭ ‬كانت‭ ‬‮«‬السياسية‮»‬‭ ‬هي‭ ‬الصفة‭ ‬اللصيقة‭ ‬بالكيانات‭ ‬الحزبية،‭ ‬و«المصالح‮»‬‭ -‬أو‭ ‬‮«‬الضغط‮»‬‭ ــ ‬وفق‭ ‬تعبيرات‭ ‬أخري‭-‬هي‭ ‬الصفة‭ ‬اللصيقة‭ ‬بجماعات‭ ‬المصلحة،‭ ‬فإن‭ ‬‮«‬المهنة‮»‬‭ ‬هي‭ ‬الصفة‭ ‬اللصيقة‭ ‬بهذا‭ ‬النمط‭ ‬من‭ ‬النقابات‭. ‬هذاالتمايز‭ ‬في‭ ‬الصفات‭ ‬يستتبعه‭ ‬تمايز‭ ‬مماثل‭ ‬في‭ ‬هوية‭ ‬وأدوات‭ ‬عمل‭ ‬هذه‭ ‬التنظيمات‭. ‬ولا‭ ‬يعني‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬أيا‭ ‬من‭ ‬جماعات‭ ‬المصلحة‭ ‬أو‭ ‬النقابات‭ ‬المهنية‭ ‬لا‭ ‬تستخدم‭ ‬أدوات‭ ‬ذات‭ ‬طبيعة‭ ‬سياسية‭ ‬بالمعني‭ ‬العام،‭ ‬لكن‭ ‬يظل‭ ‬هناك‭ ‬فارق‭ ‬كبير‭ ‬بين‭ ‬توظيف‭ ‬أدوات‭ ‬السياسة،‭ ‬و«تسييس‮»‬‭ ‬العمل‭ ‬النقابي‭. ‬وعلي‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬يكون‭ ‬بإمكان‭ ‬‮«‬النقابة‭ ‬المهنية‮»‬‭ ‬استخدام‭ ‬ما‭ ‬تتيحه‭ ‬السياسة‭ ‬من‭ ‬أدوات‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬التفاوض‮»‬،‭ ‬أو‭ ‬التأثير‭ ‬علي‭ ‬صانع‭ ‬القرار،‭ ‬أو‭ ‬التأثير‭ ‬علي‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ (‬وهي‭ ‬أداة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬توظيفها‭ ‬بدون‭ ‬صورة‭ ‬ذهنية‭ ‬إيجابية‭ ‬لدي‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬حول‭ ‬الجماعة‭ ‬المهنية‭)‬،لتحقيق‭ ‬مصالح‭ ‬أصحاب‭ ‬مهنة‭ ‬معينة،‭ ‬لكن‭ ‬عندما‭ ‬يتم‭ ‬تحويل «النقابة‭ ‬المهنية‮»‬‭ ‬إلي‭ ‬‮«‬جماعة‭ ‬سياسية‮»‬‭ ‬أو‭ ‬يتم‭ ‬توظيفها‭ ‬لمصلحة‭ ‬تيار‭ ‬سياسي‭ ‬بعينه،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬تسعي‭ ‬إلي‭ ‬تحقيق‭ ‬أهدافها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬بناء‭ ‬علاقات‭ ‬تحالف‭ ‬مع‭ ‬تيارات‭ ‬سياسية‭ ‬أو‭ ‬دينية‭ ‬معينة،‭ ‬خاصة‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬من‭ ‬خارج‭ ‬السلطة‭ ‬أو‭ ‬المؤسسات‭ ‬السياسية‭ ‬الرسمية‭ ‬في‭ ‬لحظات‭ ‬محددة،‭ ‬أو‭ ‬يتم‭ ‬اختزال‭ ‬مصالح‭ ‬الجماعة‭ ‬الصحفية‭ ‬في‭ ‬مصالح‭ ‬فئة‭ ‬أو‭ ‬تيار‭ ‬بعينه‭ ‬فإنها‭ ‬تكون‭ ‬قد‭ ‬فقدت‭ ‬هويتها‭ ‬وإحدي‭ ‬سماتها‭ ‬الرئيسية‭ ‬وخطوط‭ ‬تمايزها‭ ‬عن‭ ‬الأنماط‭ ‬التنظيمية‭ ‬الأخري،‭ ‬وتكون‭ ‬قد‭ ‬فقدت‭ ‬قدرتها‭ ‬وأهليتها‭ ‬في‭ ‬التمثيل‭ ‬الحقيقي‭ ‬للجماعة‭ ‬المهنية‭ ‬بتنوعاتها‭ ‬المؤسساتية‭ ‬والفكرية‭. ‬ولا‭ ‬يدحض‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬القول‭ ‬أن‭ ‬نقابة‭ ‬مثل‭ ‬نقابة‭ ‬الصحفيين،‭ ‬علي‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬تمثل‭ ‬‮«‬مظلة‮»‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬منصة» للدفاع‭ ‬عن‭ ‬الحريات،‭ ‬فهي‭ ‬كذلك‭ ‬بالفعل‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬انتزاع‭ ‬هذه‭ ‬الوظيفة‭ ‬الأساسية‭ ‬عنها،‭ ‬ولكن‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬حرية‭ ‬الصحافة‭ ‬وحريات‭ ‬الرأي‭ ‬والتعبير،‭ ‬لا‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬‮«‬منصة‮»‬‭ ‬للتيارات‭ ‬السياسية،وإلا‭ ‬تكون‭ ‬قد‭ ‬تجاوزت‭ ‬دورها‭ ‬وطبيعتها‭ ‬ككيان‭ ‬يمثل‭ ‬جماعة‭ ‬مهنية‭ ‬معينة،‭ ‬وجارت‭ ‬علي‭ ‬أدوار‭ ‬كيانات‭ ‬أخري‭ ‬داخل‭ ‬المجتمع‭. ‬

والواقع‭ ‬أن‭ ‬تزايد‭ ‬عملية‭ ‬‮«‬تسييس» النقابات‭ ‬المهنية‭ ‬وأدوات‭ ‬العمل‭ ‬النقابي‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬ارتبطت‭ -‬إلي‭ ‬حد‭ ‬كبير‭- ‬باستراتيجيات‭ ‬عمل‭ ‬جماعة‭ ‬الإخوان‭ ‬المسلمين‭ ‬خلال‭ ‬نظام‭ ‬مبارك،‭ ‬ضمن‭ ‬استراتيجية‭ ‬الجماعةلاختراق‭ ‬هذه‭ ‬النقابات،‭ ‬وبمرحلة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬يناير‭ ‬‮٢٠١١‬‭ ‬كجزء‭ ‬من‭ ‬حالة‭ ‬السيولة‭ ‬والفوضي‭ ‬السياسية،‭ ‬بشكل‭ ‬عام، وكامتداد‭ ‬أيضا‭ ‬لاستراتيجية‭ ‬الجماعة‭ ‬للهيمنة‭ ‬علي‭ ‬مختلف‭ ‬الفاعلين‭ ‬والأطر‭ ‬السياسية‭ ‬والنقابية‭ ‬خلال‭ ‬تلك‭ ‬المرحلة‭...‬إلخ‭. ‬والواقع‭ ‬أن‭ ‬مبدأ‭ ‬حظر‭ ‬عمل‭ ‬النقابات‭ ‬المهنية‭ ‬بالسياسة‭ ‬هو‭ ‬مبدأ‭ ‬قديم،‭ ‬أرسته‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الخبرات‭ ‬النقابية‭ ‬العالمية‭. ‬وعلي‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬نصت‭ ‬المادة‭ ‬‮٤١١‬‭/‬‮١‬‭ ‬من‭ ‬قانون‭ ‬العمل‭ ‬الفرنسي‭ ‬الصادر‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬‮١٨٨١‬،‭ ‬علي‭ ‬أن‭ ‬‮«‬النقابات‭ ‬المهنية‭ ‬هدفها‭ ‬فقط‭ ‬دراسة‭ ‬والدفاع‭ ‬عن‭ ‬المصالح‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والصناعية‭ ‬والتجارية‭ ‬والزراعية‮»‬،‭ ‬ثم‭ ‬جاءت‭ ‬المادة‭ ‬‮٣‬‭/‬‮٣‬‭ ‬من‭ ‬القانون‭ ‬المعروف‭ ‬بـ «قانون‭ ‬‮١٨٨٤»‬ لتنص‭ ‬علي‭ ‬أن‭ ‬‮«‬المسائل‭ ‬السياسية‭ ‬والدينية‭ ‬ممنوعة‭ ‬عليها،‭ ‬وأن‭ ‬هذه‭ ‬النقابات‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تمارس‭ ‬بطريقة‭ ‬مباشرة‭ ‬صناعة‭ ‬ولا‭ ‬تجارة،‭ ‬ولكن‭ ‬تستطيع‭ ‬النقابة‭ ‬تسهيل‭ ‬إنشاء‭ ‬شركات‭ ‬تعاونية‮»‬‭. ‬وقد‭ ‬جري‭ ‬العمل‭ ‬بهذا‭ ‬المبدأ‭ ‬في‭ ‬مصر،‭ ‬حيث‭ ‬درجت‭ ‬قوانين‭ ‬النقابات‭ ‬علي‭ ‬حظر‭ ‬عملها‭ ‬بالسياسة‭. ‬ولم‭ ‬يأت‭ ‬الانحراف‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬المبدأ‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬عقد‭ ‬الستينيات،‭ ‬خاصة‭ ‬موضوع‭ ‬التوجه‭ ‬الاشتراكي‭ ‬وتأسيس‭ ‬الاتحاد‭ ‬الاشتراكي‭ ‬وإعلان‭ ‬الميثاق‭ ‬الوطني‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬الستينيات،‭ ‬والتعامل‭ ‬مع‭ ‬جميع‭ ‬الفواعل‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والثقافية‭ ‬باعتبارها‭ ‬أدوات‭ ‬لتحقيق‭ ‬الحلم‭ ‬الاشتراكي‭. ‬

ووفق‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬آراء‭ ‬فقهاء‭ ‬القانون‭ ‬فإنه‭ ‬رغم‭ ‬ما‭ ‬بدا‭ ‬عليه‭ ‬ظاهر‭ ‬النصوص‭ ‬القانونية‭ ‬خلال‭ ‬تلك‭ ‬المرحلة‭ ‬من‭ ‬السماح‭ ‬للنقابات‭ ‬بالاشتغال‭ ‬بالسياسة،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬إرادة‭ ‬المشرع‭ ‬انصرفت‭ ‬بالأساس‭ ‬إلي‭ ‬تحويل‭ ‬هذه‭ ‬النقابات‭ ‬إلي‭ ‬مجرد‭ ‬أدوات‭ ‬في‭ ‬يد‭ ‬التنظيم‭ ‬السياسي‭ ‬الوحيد‭ ‬القائم،ممثلا‭ ‬في‭ ‬الاتحاد‭ ‬الاشتراكي،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬تأكد‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬القوانين‭ ‬المنظمة‭ ‬لعمل‭ ‬النقابات‭ ‬المهنية‭. ‬وعلي‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬حددت‭ ‬المادة‭ ‬الثالثة‭ ‬من‭ ‬قانون‭ ‬نقابة‭ ‬الصحفيين‭ ‬رقم‭ ‬‮٧٦‬‭ ‬لسنة‭ ‬‮١٩٧٠‬‭ ‬أهداف‭ ‬النقابة‭ ‬في‭ ‬ثمانية‭ ‬أهداف،كان‭ ‬أولها‭ ‬‮«‬العمل‭ ‬علي‭ ‬نشر‭ ‬وتعميق‭ ‬الفكر‭ ‬الاشتراكي‭ ‬القومي‭ ‬بين‭ ‬أعضائها‭ ‬وتنشيط‭ ‬الدعوة‭ ‬إليه‭ ‬في‭ ‬داخل‭ ‬المؤسسات‭ ‬الصحفية‭ ‬وبين‭ ‬جمهور‭ ‬القراء‭...‬‮»‬‭. ‬الأمر‭ ‬ذاته‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بقانون‭ ‬نقابة‭ ‬الأطباء‭ ‬رقم‭ ‬‮٤٥‬‭ ‬لسنة‭ ‬‮١٩٦٩‬‭ ‬الذي‭ ‬حددت‭ ‬مادته‭ ‬الثانية‭ ‬أهداف‭ ‬النقابة،‭ ‬والتي‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬‮«‬العمل‭ ‬علي‭ ‬نشر‭ ‬ودعم‭ ‬الأفكار‭ ‬والقيم‭ ‬الاشتراكية‭ ‬بين‭ ‬الأطباء‭ ‬والتعبير‭ ‬عن‭ ‬آراء‭ ‬الأطباء‭ ‬في‭ ‬المسائل‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬الوطنية‮»‬‭. ‬وعلي‭ ‬العكس،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬لصدور‭ ‬قانون‭ ‬المحاماة،والمنظم‭ ‬لنقابة‭ ‬المحامين،‭ ‬خلال‭ ‬عقد‭ ‬الأربعينيات‭ (‬القانون‭ ‬رقم‭ ‬‮٩٨‬‭ ‬لسنة‭ ‬‮١٩٤٤‬‭) ‬تأثيره‭ ‬في‭ ‬تحديد‭ ‬علاقة‭ ‬النقابة‭ ‬بالسياسة؛‭ ‬فقد‭ ‬نصت‭ ‬الفقرة‭ ‬الثانية‭ ‬من‭ ‬المادة‭ ‬‮١٠٩‬‭ ‬من‭ ‬القانون‭ ‬علي‭ ‬أنه‭ ‬‮«‬يحظر‭ ‬علي‭ ‬الجمعية‭ ‬العمومية‭ ‬ومجلس‭ ‬النقابة‭ ‬أن‭ ‬يشتغلا‭ ‬بالمسائل‭ ‬السياسية،‭ ‬كما‭ ‬يحظر‭ ‬عليهما‭ ‬الاشتغال‭ ‬بالأمور‭ ‬الدينية‮»‬‭. ‬كما‭ ‬كان‭ ‬لصدور‭ ‬قانون‭ ‬النقابة‭ ‬رقم‭ ‬‮١٧‬‭ ‬لسنة‭ ‬‮١٩٨٣‬،‭ ‬والقوانين‭ ‬المعدلة‭ ‬له،‭ ‬أي‭ ‬بعد‭ ‬انتهاء‭ ‬حقبة‭ ‬التوجه‭ ‬الاشتراكي،‭ ‬دور‭ ‬في‭ ‬غياب‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬النصوص،‭ ‬تأكيد‭ ‬الطابع‭ ‬المهني‭ ‬والأهداف‭ ‬المهنية‭ ‬للنقابة‭. ‬ويصدق‭ ‬الاستنتاج‭ ‬ذاته‭ ‬علي‭ ‬قانون‭ ‬نقابة‭ ‬الصحفيين‭ ‬السابق‭ ‬رقم‭ ‬‮١٨٥‬‭ ‬الصادر‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬‮١٩٥٥‬‭ ‬الذي‭ ‬خلا‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬دور‭ ‬سياسي‭ ‬للنقابة‭ ‬وفقا‭ ‬للمادة‭ ‬الثالثة‭ ‬التي‭ ‬حددت‭ ‬وظيفة‭ ‬النقابة‭ ‬في‭ ‬مهمتين‭ ‬أساسيتين،‭ ‬هما‭ ‬‮«‬العمل‭ ‬علي‭ ‬رفع‭ ‬مستوي‭ ‬مهنة‭ ‬الصحافة‭...‬‮»‬،‭ ‬و«تنمية‭ ‬روح‭ ‬التعاون‭ ‬بين‭ ‬أعضاء‭ ‬النقابة‭ ‬والمحافظة‭ ‬علي‭ ‬حقوقهم‭ ‬والسعي‭ ‬في‭ ‬ترقية‭ ‬شئونهم‭ ‬الأدبية‭ ‬والمادية‮»‬‭. ‬

غاية‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬الانحراف‭ ‬التاريخي‭ ‬للنقابات‭ ‬المهنية‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬طبيعتها‭ ‬ومسارها‭ ‬المهني‭ ‬جاء‭ ‬بفعل‭ ‬عاملين،‭ ‬أولهما‭ ‬هو‭ ‬تأثير‭ ‬مرحلة‭ ‬التوجه‭ ‬نحو‭ ‬الاشتراكية‭ ‬وتجربة‭ ‬التنظيم‭ ‬السياسي‭ ‬الواحد‭ ‬خلال‭ ‬عقد‭ ‬الستينيات،‭ ‬وثانيهما‭ ‬استراتيجية‭ ‬التنظيمات‭ ‬الدينية،‭ ‬ممثلة‭ ‬في‭ ‬جماعة‭ ‬الإخوان‭ ‬المسلمين‭ ‬بالأساس،‭ ‬لاختراق‭ ‬هذه‭ ‬النقابات‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬مبارك،‭ ‬وهي‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬التي‭ ‬امتدت‭ ‬إلي‭ ‬مرحلة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬يناير‭ ‬‮٢٠١١‬‭. ‬

وترتبط‭ ‬بالطبيعة‭ ‬المهنية السابقة‭ ‬نقطتان‭ ‬أخريان‭ ‬علي‭ ‬درجة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬الأهمية‭ ‬والتداخل،‭ ‬الأولي‭ ‬هي‭ ‬مرونة‭ ‬وباراجماتية‭ ‬أدوات‭ ‬العمل‭ ‬النقابي،‭ ‬إذ‭ ‬تسعي‭ ‬النقابات‭ ‬المهنية‭ ‬في‭ ‬الأغلب‭ ‬إلي‭ ‬انتزاع‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الامتيازات،‭ ‬المادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والمهنية،‭ ‬من‭ ‬صانع‭ ‬القرار،‭ ‬وتعظيم‭ ‬مصالح‭ ‬الجماعة‭ ‬المهنية‭ ‬بشكل‭ ‬عام،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يفرض‭ ‬درجة‭ ‬من‭ ‬المرونة‭. ‬الثانية،‭ ‬هي‭ ‬الوزن‭ ‬النسبي‭ ‬المهم‭ ‬لاستراتيجية‭ ‬‮«‬التفاوض»مع‭ ‬صانع‭ ‬القرار‭ ‬كأداة‭ ‬أساسية‭ ‬لتحقيق‭ ‬غايات‭ ‬الجماعة‭ ‬المهنية‭. ‬فمع‭ ‬أهمية‭ ‬جميع‭ ‬أدوات‭ ‬العمل‭ ‬النقابي،‭ ‬لكن‭ ‬يظل‭ ‬‮«‬التفاوض‮»‬‭ ‬هو‭ ‬الأداة‭ ‬المثلي‭ ‬لتحقيق‭ ‬غايات‭ ‬الجماعة‭ ‬المهنية‭.‬

وعلي‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أهمية‭ ‬دور‭ ‬الأبنية‭ ‬التشريعية‭ ‬والتنظيمية‭ ‬في‭ ‬الحفاظ‭ ‬علي‭ ‬الطابع‭ ‬المهني‭ ‬للنقابات‭ ‬المهنية،‭ ‬لكن‭ ‬تظل‭ ‬المسئولية‭ ‬الأكبر‭ ‬في‭ ‬الحفاظ‭ ‬علي‭ ‬هذا‭ ‬الطابع‭ ‬هي‭ ‬مسئولية‭ ‬الجماعة‭ ‬المهنية‭ ‬ذاتها،‭ ‬ممثلة‭ ‬في‭ ‬جمعيتها‭ ‬العمومية‭. ‬وعلي‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أهمية‭ ‬تغيير‭ ‬الإطار‭ ‬القانوني‭ ‬الحاكم‭ ‬لعمل‭ ‬النقابة‭ ‬بما‭ ‬يضمن‭ ‬تحويلها‭ ‬إلي‭ ‬نقابة‭ ‬مهنية‭ ‬بالمعني‭ ‬الدقيق،‭ ‬لكن‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬الوصول‭ ‬إلي‭ ‬هذه‭ ‬الغاية‭ ‬دون‭ ‬وجود‭ ‬نقيب‭ ‬قوي‭ ‬ومجلس‭ ‬نقابة‭ ‬مهني‭ ‬غير‭ ‬مسيس؛فلاشك‭ ‬أن‭ ‬وجود‭ ‬نقيب‭ ‬ضعيف‭ ‬أو‭ ‬سيطرة‭ ‬فصيل‭ ‬سياسي‭ ‬محدد‭ ‬علي‭ ‬مجلس‭ ‬النقابة‭ ‬يزيد‭ ‬من‭ ‬فرص‭ ‬تسييس‭ ‬النقابة‭ ‬وأدوات‭ ‬العمل‭ ‬النقابي،‭ ‬ويزيد‭ ‬من‭ ‬فرص‭ ‬اختطاف‭ ‬النقابة‭ ‬لتحقيق‭ ‬مصالح‭ ‬تيار‭ ‬سياسي‭ ‬بعينه،‭ ‬علي‭ ‬نحو‭ ‬سينعكس‭ ‬في‭ ‬التحليل‭ ‬الأخير‭ ‬علي‭ ‬طبيعة‭ ‬التعديلات‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬إدخالها‭ ‬علي‭ ‬الإطار‭ ‬القانوني‭ ‬القائم‭ ‬أو‭ ‬ربما‭ ‬تطور‭ ‬مصلحة‭ ‬في‭ ‬عدم‭ ‬المساس‭ ‬بهذا‭ ‬الإطار‭. ‬
[email protected]
لمزيد من مقالات د. محمد فايز فرحات

رابط دائم: