رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

5 مليار دولار فاتورة "الدجل والشعوذة" فى الوطن العربي

يقرع العالم أجراس الخطر، إذا ما ارتفعت أسعار البترول والغاز، ويرتفع صراخ التجار حين ترتفع أسعار المواد الغذائية، ويكتئب الموسرون حين تصاب البورصات بإنخفاض تعاملاتها اليومية، ويعلن الفقراء الحداد حين تقفز أسعار الخبز. ويتشاءم المعنيين بالاقتصاد حين تظهر إحصاءات بالعجز المالي المتوقع للأعوام التالية، وتكتب المقالات عن التدهور الاقتصادي، وكيفية مواجهته، ويشرع المحللون الاقتصاديون في وضع التحليلات والتوقعات للمستقبل الآتي.

ومن ثم تبدأ المؤسسات المختصة في وضع البرامج لمواجهة الأزمة الاقتصادية القادمة. وفي الوقت نفسه، فإن الغالبية العظمى من الناس في عالمنا العربي، لا يكترثون حين ترتفع وتيرة الشعوذة والدجل وتزدهر في الوطن العربي، ولا يأبهون بانصراف الناس لهذه الترهات والخزعبلات، على الرغم من أننا نعيش في عالم مفتوح وسريع ومتلاصق. صدق أو لاتصدق، في مايو 2015، خلصت دراسة أكاديمية معتبرة، أعدها أستاذ الثقافة الإسلامية بالجامعات العربية والسودانية الدكتور إسماعيل محمد الحكيم، تحت عنوان "الإسلام ومحاربة الدجل والشعوذة"، إلى أن العالم العربي، ينفق سنويا أكثر من خمسة مليارات دولار على أعمال الدجل والشعوذة. تخيل عزيزي القاريء، في حين يعتقد الكثير من المراقبين، أن حجم هذا الإنفاق في اطراد مرعب، خلال السنوات الأخيرة، بسبب مساعدة الفضائيات ووسائل الاتصال الحديثة على انتشار هذه الظاهرة. فضلا عن ادعاء أغلب السحرة والمشعوذين، استخدام القرآن الكريم، مما يعزز تأثيرهم في الناس.
دراسات ميدانية أخرى، أجريت في هذا الصدد في عدد من البلدان العربية، أظهرت أن هذه الظاهرة المعقدة والضاربة في القدم، استفحلت في السنوات الأخيرة، بسبب انخفاض الوعي وفشل الطب في علاج عدد من الأمراض المستعصية، ورغبة الإنسان الجامحة في معرفة الغيب وتوقع المستقبل، والانتقام وحب المال والنجاح والشهوات والمناصب. وهي ظاهرة طالت أيضا، أولئك الذي كان يفترض أن يتصدوا للاعتقاد بالغيبيات، كأصحاب المستويات التعليمية العليا والرياضيين والفنانين والإعلاميين والسياسيين، أذكر لكم علي سبيل المثال لا الحصر، الرئيس الأمريكي الراحل رونالد ريجان، واستعانته وزوجته، خلال فترة حكمه، بالمنجمة جوان كويجلي، واستشارتها بخصوص السباق إلى البيت الأبيض، وتوقيت اتخاذ قرارات سياسية مصيرية، من أبرزها قصف ليبيا، في 15 أبريل 1986.
فعلي الرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة، التي تمر بها منطقتنا العربية، في الوقت الراهن نتيجة لتدهور مستوى المعيشة، وارتفاع معدلات التضخم وغيرها من الأسباب الاقتصادية المعروفة، لا زلنا ننفق مبالغ طائلة على أعمال السحر والشعوذة، تقدر في أقصي تقدير بـ خمسة مليارات دولار سنويا، حسب تقديرات خبراء اقتصاديين. وتقول دراسة علمية مصرية، أعدها المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، إنه رصد قرابة 300 ألف شخص يعملون في مجال الدجل والشعوذة في مصر، منذ أكثر من خمس سنوات، ما يعني ارتفاع العدد حاليا، وأن هذا يأتي نتيجة استمرار اعتقاد الكثير من الأسر المصرية في دور هؤلاء الدجالين، في حل الكثير من المشاكل المستعصية، مثل تأخر سن الزواج أوعدم الإنجاب والعقم، أو فك السحر والأعمال، وأن كم الخرافات والخزعبلات التي تتحكم في سلوك المصريين يصل إلى 274 خرافة. وقديما، كانت هذه المهنة يمارسها عدد قليل من المشعوذين، وعكستها السينما المصرية، وارتبطت بعبارات شهيرة للمشعوذين، ولكنها توسعت الأن لتصبح "بيزنس"، يلتحق به بعض العاطلين وراغبو جمع المال، وأصبح طابور بيزنس الدجالين، هو أحد فروع الاقتصاد السري غير المشروعة.
وكان المشعوذ والدجال يمارس عمله في الخفاء، ولكن الجديد والغريب الأن، أن الدجالين أصبحوا يعملون في وضح النهار، ولهم صفحات خاصة بهم على "الفيس بوك" ومعظم وسائل التواصل الاجتماعي، ولهم فضائيات خاصة بالدجل والشعوذة. ويظهر بعضهم على شاشات التليفزيون، ويجري تخصيص أوقات لهم، ويستعين بهم ويؤمن بخرافاتهم بعض الشخصيات المعروفة من رجال الأعمال والفنانين وكبار المسئولين.
وكانت وكالة الصحافة الفرنسية، قد نشرت في 10 مارس الجاري، تقريرا حول ازدهار الشعوذة في الوطن العربي. وأعاد التقرير أسباب ذلك بشكل خاص، إلى تدني مستوى الخدمات الطبية العامة، وارتفاع تكاليفها في المستشفيات الخاصة، الأمر الذي يدفع بكثير من المواطنين إلى اللجوء إلى الطب التقليدي والعرافين، فيصبحون عرضة للاحتيال والنصب. وأشار التقرير إلى قضيتين حظيا بأهمية كبيرة في الآونة الأخيرة، تمثلت الأولى في "دواء معجزة" لعلاج مرض السكري، اكتسح الأسواق وكانت نتائجه وخيمة، والثانية، في فتح عيادات للعلاج بالرقية من المس بالجن ومن بعض الأمراض النفسية أيضا.
حقيقة الأمر، إن البلدان العربية، باتت أرضا خصبة لتفشي ونماء هذة الظاهرة بشكل كبير وملحوظ، كما لم تعد مرتبطة بالنساء فقط، إذ ازداد إقبال الرجال عليها، ممارسة وارتيادا.


لمزيد من مقالات ابراهيم النجار;

رابط دائم: