تمكنت المقاومة الفلسطينية في أكتوبر2011، من الإفراج عن أكثر من ألف أسير فلسطيني، بعد مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل، برعاية مصرية استمرت خمس سنوات متواصلة، مقابل إطلاق سراح الجندي جلعاد شاليط، الذي تم أسره في يونيو 2006. وترفض حركة "حماس"، بشكل متواصل، تقديم أي معلومات حول الأسرى الإسرائيليين، وتشترط قبل أي حديث، الإفراج عن عشرات الأسرى المحررين الذين أفرج عنهم ضمن صفقة تبادل الجندي جلعاد شاليط، وأعادت إسرائيل اعتقالهم مجددا. ملف الأسرى ملف استراتيجي لدى المقاومة، و"حماس"، متمسكة بشروطها السابقة، ولا يمكن ربط الحاجات السكانية الملحة بملف الأسرى.
بداية العروض في صفقة شاليط من 2006، كانت تتحدث عن أسير واحد ثم خمسة أسرى، ثم عشرة ومع نهاية 2008، وصلت العروض 83 أسيرا مقابل شاليط، وفي النهاية إسرائيل دفعت الثمن المطلوب للمقاومة. تحاول إسرائيل دائما، وتسعى بكل قوة إلى التقليل من أي صفقة، عبر الزج بالأمور الحياتية واليومية للسكان، وذلك تكرار للمحاولات السابقة في صفقة شاليط. وتقدم عروض لتبخيس أي مفاوضات حول الأسرى الإسرائيليين، وقد قدمت أكثر من عرض وقوبل بالرفض. يبدو أن صفقات تبادل الأسرى، باتت وجها آخر للصراع بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية، فبعد العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة في 2014، يأتي الحديث عن عروض إسرائيلية عبر وسطاء لتبادل الأسرى. وغالبا ما تحرص كتائب المقاومة، على إحاطة الملف بجدار من الغموض والسرية، وتشترط على إسرائيل، أولا احترام اتفاقية التبادل التي جرت عام 2011. وعلي الجانب الآخر من المعادلة، تصعد إسرائيل من ضغوطها على آلاف الأسرى الفلسطينيين في سجونها، وتلوح بحرب جديدة على غزة. المقاومة الفلسطينية، أعلنت عن تسلمها الصيغة الإسرائيلية للصفقة المقترحة عبر وسطاء إقليميين ودوليين، ورفضتها لأنها لا ترقى إلى الحد الأدنى من مطالبها.
إسرائيل، تشيع معلومات مغلوطة حول الصفقة، حسب مراقبين، وأن العرض الذي رفضته المقاومة، أكثر بكثير مما يتسرب في الصحافة الإسرائيلية. وكانت "حماس"، أعلنت أن لا صحة لما نشرته إسرائيل، عن عرض لإنجاز الصفقة مقابل تسهيلات تجارية، معتبرة هذه الأخبار في إطار الحرب النفسية ضد إصرار المقاومة على مطالبها.
صفقة جلعاد شاليط في عام 2011، كانت حاسمة في الدوائر السياسية والأمنية الإسرائيلية، وبناء عليه شكلت لجنة لبحث كيفية عدم تكرارها، بدا ذلك واضحا في "الجمعة السوداء"، التي استخدمت فيها إسرائيل، قوة مفرطة بعد فقدانها الجندي هدارجولدن. وهو أيضا ما يسميه جيش الإحتلال "عقيدة هنيبعل"، أي استخدام قوة نارية كثيفة عند أسر جندي حتى لو أدى إلى مقتله، بإعتبار أن ذلك أفضل من وقوعه أسيرا، وهذا ما فعلته في خان يونس ورفح، أثناء العدوان على غزة في 2014. لكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا، هل إسرائيل مجبرة في نهاية المطاف على مفاوضة "حماس"؟ وهل ستذعن لشروط المقاومة، كما جرى في كل الصفقات السابقة مع "حماس"، و"حزب الله"، وحركة فتح والجبهة الشعبية؟. إسرائيل وحسب الأعراف العسكرية لديها، ملزمة عند التجنيد الإجباري أمام عوائل الجنود، بإعادة أبنائها سالمين أو إعادة جثثهم. ما تقوم به إسرائيل في ملف الأسري وغيره من الملفات المؤجلة، هو اللعب على عامل الوقت، الأمر الذي لا يمثل إشكالية للمقاومة من وجهة نظري، لأن المقاومة وكما هو واضح من خلال ممارستها، تفصل بين ما تتعرض له غزة من حصار، وبين قضية الأسرى الإستراتيجية بالنسبة لها ولفلسطين.
وبعد انتخاب يحيى السنوار "55 عاما"، رئيساً للمكتب السياسي في غزة خلفا لإسماعيل هنية، والذي عينته "حماس"، في يوليو 2015، مسئولا عن ملف الأسرى الإسرائيليين لديها، وقيادة أي مفاوضات تتعلق بشأنهم مع إسرائيل، حيث تم اختياره من قبل قيادة الحركة، لهذا الملف لثقتها به خاصة وأنه من القيادات المعروف عنها العناد والصلابة والشدة، وهو ما أظهره خلال الاتصالات التي كانت تجري لمحاولة التوصل لتهدئة إبان الحرب الأخيرة علي غزة. والأن هل نستطيع القول إن "حماس"، مستعدة لإتخاذ أي قرارات بشأن ملف صفقة التبادل الجديدة؟.
لمزيد من مقالات ابراهيم النجار; رابط دائم: