تعيش مناطق مختلفة في الضفة الغربية، أجواء توتر وتصعيد متزايد بين الفلسطينيين والإسرائيليين، في ظل أجواء البؤس والإحباط التي تسيطر على الفلسطينيين، والتي تنذر بإنتفاضة ثالثة، وتشهد الأراضي الفلسطينية، صدامات دموية متبادلة.
فعملية القدس الأخيرة أكدت بما لا يدع مجالا للشك، على ديمومة انتفاضة القدس، ففي أعقاب عملية الدهس التي نفذها الشاب فادي أحمد القنبر، من بلدة جبل المكبر، والتي أسفرت عن مقتل أربعة جنود وإصابة 15 بجراح متفاوتة، تواصل قوات الإحتلال الإسرائيلي، تضييق الخناق على مسقط رأس منفذ العملية. وفرضت حصارا على البلدة وتم إغلاق شارعين رئيسيين في المنطقة. وقاموا بالتحقيق مع والدي الشهيد، وقادوا الزوجة أيضا للتحقيق، كما اعتقلوا أثنين من أبناء أعمامه. ويري مراقبين، أن ما يجري في جبل المكبر، هي عقوبات جماعية تنفذ بأسلوب يشمل التضييق ويستفز المواطنين، في ظل سياسة غير مجدية، تزيد من الاحتقان وتؤدي للمزيد من الاحتكاكات والتوترات. فضلا عن أن مجمل السياسة الإسرائيلية، هي سياسة عقوبات جماعية، وتضييق خانق على المواطنين، لجعل حياتهم لا تطاق في محاولة لإجبارهم علي الرحيل من بلدتهم.
كل هذه الممارسات الاستفزازية والتضييقات على الفلسطينيين المقدسيين، وهدم المنازل ومنع استصدار تراخيص للبناء، إضافة إلى ما يجري في القدس والأقصى من اقتحامات وتضييقات شديدة، لا يمكن استيعابها، خاصة بين المقدسيين الذين تربطهم بالأقصى علاقة وثيقة، بينما يسمح الاحتلال، بإدخال المستوطنين وإسكانهم في قلب مدينة القدس العربية، ناهيك عن ما جرى للشاب عبد الفتاح الشريف بالخليل من قتل متعمد، وتحويل التهمة بطلب من رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو، إلى تهمة القتل غير المتعمد، إضافة إلى تكثيف الأحكام والعقوبات وتمديدها لسنوات طويلة، ما يؤدي إلى الاحتقان واليأس الذي يفضي بالفلسطيني، إلى الشعور بإنعدام الأمل في الحاضر أو حتى في المستقبل.
سميت بلدة جبل المكبر، بهذا الاسم بعد أن كبر الخليفة عمر بن الخطاب من على سفحه، حينما أتى إلى المدينة المقدسة، لتسلم مفاتيحها من بطريركها صفرونيوس في العام الخامس عشر للهجرة. وذاع صيت البلدة الواقعة إلى الجنوب الشرقي من القدس في السنوات الأخيرة، بعد أن انطلق منها فلسطينيون نفذوا عمليات كبيرة ضد إسرائيليين، فمنها انطلق أول منفذ لعملية بجرافة، وكذلك أول منفذ لعملية بسيارة مملوكة لشركة إسرائيلية، وصولا إلى فادي القنبر منفذ عملية الدهس، حيث استخدم فيها شاحنة لدهس جنود الاحتلال.
يبدو أن عملية الدهس التي وقعت مؤخرا في القدس المحتلة، تشير وبقوة إلى صعوبة التعايش المشترك في المدينة المحتلة، أوالقبول بأن تكون عاصمة لإسرائيل. وأن محاولات سلطات الإحتلال كبح جماح الفلسطينيين في القدس، ورغم تقديراته الاستخباراتية والعسكرية والسياسية، فشلت وكسرتها عملية جبل المكبر. حيث جاءت كرد فعل طبيعي، في ظل الممارسات الإسرائيلية والاعتداءات المتكررة بحق الشعب الفلسطيني، الذي يرفض هذه الإجراءات جملة وتفصيلا. وترجع عودة العمليات للظهور مرة أخري، بعد فترة من الهدوء، لتعنت اليمين الإسرائيلي المتطرف، ورفضه للحلول السياسية، وقرارات الشرعية الدولية، التي من شأنها أن توصل الطرفين الفلسطيني - والإسرائيلي لحل الدولتين. وأن عملية القدس، تكذب كل ما يقال بشأن الوضع الأمني المستتبب في إسرائيل، والقدس بشكل خاص، وفلسطين
عموما. كما أن الأوضاع الميدانية في الأراضي الفلسطينية ملتهبة ومتوترة، وهناك حالة من الغضب الكامن والمتراكم، يتم التعبير عنها بمثل هذه العمليات.
إسرائيليا، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي نتانياهو، إن التحقيق الأولي لعملية القدس، يشير إلى أن منفذها من مؤيدي تنظيم "داعش"، بيد أن تصريحات نتانياهو، تأتي في إطار منح الشرعية، لإعتداءاته وإجراءاته التعسفية بحق الفلسطينيين في القدس. كما أنه يسعى طول الوقت لإقناع العالم، بأن هناك إرهاب عالمي لا يقتصر على الصراع العربي – الإسرائيلي، وإنما يهدد سلام العالم أجمع. وقد أرجع مراقبون، تصريحات نتانياهو، وربطه لعملية القدس "بداعش"، إلي اعطاء شرعية لممارساته تجاه الفلسطينيين، والاستمرار في عمليات تهويد القدس وطرد سكانها والتضيق عليهم. حيث قرر المجلس الوزاري المصغر للشئون الأمنية والسياسية، "الكابنيت" في إسرائيل، اتخاذ حزمة من الإجراءات، بما في ذلك التحفظ على جثمان الشاب فادي القنبر، منفذ العملية وهدم منزله، وكذلك وضع المتعاطفين مع تنظيم "داعش"، قيد الاحتجاز الإداري.
فلسطينيا، غاب الموقف الفلسطيني الرسمي عن عملية القدس، فيما اجمعت الفصائل والقوى الوطنية، على أن العملية تأتي في سياق الرد الطبيعي على الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة بحق الفلسطينيين، مؤكدة على أن "الهبة الشعبية" مستمرة بكل أشكالها، رغم محاولات احتوائها.
في اعتقادي، أن الإحتلال الإسرائيلي، لن يستطيع العيش في أمان وهدوء طالما يصر علي ممارسة سياساته الاستيطانية، وأن الحادث سيزيد من الانقسام داخل المجتمع الإسرائيلي بشكل كبير. كما أن نتانياهو، يريد أن يستغل مثل هذه الحوادث، لشغل الرأي العام عن تهم الفساد التي يواجهها. هذه العملية تحمل في طياتها رسائل مزدوجة، أولها إلى دونالد ترامب، القادم الجديد للبيت الأبيض، والذي يهدد سفيره المعين في تل أبيب المحامي اليهودي ديفيد فريدمان، المؤيد لليمين الإسرائيلي، بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة، كما ذكر في أول تصريح له بعد تعيينه في منصبه الجديد، ومضمون هذه الرسالة، تقول بأن الإقدام على هذه الخطوة سيفتح أبواب الجحيم في منطقة الشرق الأوسط. أما الثانية، فهي موجة إلى نتانياهو وحكومته ومستوطنيه، وتؤكد بأن الشعب الفلسطيني لن يستسلم، ولن يعترف بدولة الإحتلال، ولن يتنازل ولن يفرط مطلقا في القدس، أو أي شبر من أرض فلسطين التاريخية.
لمزيد من مقالات ابراهيم النجار; رابط دائم: