رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

حكومة بنكيران بين ضغوط القصر وعقدة التحالفات

حينما كلف العاهل المغربي الملك محمد السادس، عبد الإله بنكيران رئيس الوزراء، بتشكيل الحكومة الجديدة، كان معظم المراقبين والمعنين بالشأن المغربي، يعتقدون أن المهمة ليست بالعسيرة، بحكم قابلية معظم الأحزاب السياسية، لبناء تحالف ما مع الحزب الفائز، إلا أن ما جري ويجري هو بعكس كل التوقعات.

إذ بعد مرور ما يقارب 3 أشهر لا تزال حكومة بنكيران الأولي، هي التي تدير شئون البلاد، في انتظار تشكيل الحكومة الجديدة. ويترقب الرأي العام المغربي، نتائج لقاءات رئيس الوزراء المكلف مع مسئولي الأحزاب المعنية بتشكيل الحكومة، ضمن مساعيه الحثيثة في هذا الصدد. ويبدو أن العام الجديد 2017، سيكون حاسما في هذا الصدد، بعد دستور 2011، حيث سيكون بنكيران، مطالبا بإعلان حكومته أو فشله في ذلك، في الوقت الذي أكدت فيه قيادة حزب العدالة والتنمية، عزمها علي التعاطي بإيجابية ومسئولية وطنية مع التوجيهات الملكية المتعلقة بالتسريع بتشكيل الحكومة الجديدة، مع دعوة الأحزاب المعنية إلي التعاون من أجل انجاح هذا المسعي.
لا تزال مواقف الأطراف السياسية في المغرب، من التشكيل الحكومي علي حالها، ولا زال ثالوث العدالة والتنمية والاستقلال والتقدم والأشتراكية في تحالفهم، في انتظار أن تتضح الصورة النهائية للحكومة التي تحتاج إلي أغلبية 198 نائبا من أصل 395 نائبا. أكثر من 80 يوما مرت علي تكليف الملك محمد السادس، لبنكيران بتشكيل حكومة المغرب، ومازالت لم تري النور بعد، الأمر الذي ربما يدخل العملية السياسية برمتها نفقا مظلما، ما يثير علامات استفهام كثيرة حول أسباب التعثر؟ وإلي أين تسير هذة التعقيدات السياسية؟ ولصالح من يتم عرقلة المسار السياسي في المغرب؟.
جرت الانتخابات البرلمانية بالمغرب في 7 أكتوبر الماضي، وحملت حزب "العدالة والتنمية"، إلى صدارة الأحزاب السياسية المغربية للمرة الثانية على التوالي. وتم تعيين عبد الإله بنكيران الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، رئيسا للحكومة لولاية ثانية وفقا للدستور، والذي تم تكليفه أيضا بتشكيل حكومة جديدة. بيد أن الحكومة التي عين رئيسها قبل أكثر من 3 أشهر لم ترى النور بعد، ومشاورات تشكيلها تمر بحالة "تعثر".
فبعدما صرح بنكيران، أن حزبه منفتح على جميع الأحزاب، بإستثناء حزب "الأصالة والمعاصرة"، الذي يعتبره بنكيران، خطا أحمر في تحالفاته لتشكيل الحكومة. كشف حميد شباط الأمين العام لحزب "الاستقلال"، قبل أيام، عن ما اعتبره "محاولة للإنقلاب" على رئاسة بنكيران للحكومة، قادها إلياس العماري، الأمين العام لحزب "الأصالة والمعاصرة"، المعروف بخصومته الشديدة مع بنكيران وحزبه.
وتحدث شباط عن لقاء جمعه، بإلياس العماري الأمين العام لحزب "الأصالة والمعاصرة"، وصلاح الدين مزوار، رئيس حزب "التجمع الوطني للأحرار"، وإدريس لشكر الكاتب الأول "للاتحاد الاشتراكي"، عقب الاعلان النهائي عن نتائج الانتخابات البرلمانية، دعا فيه إلياس العماري، القيادات الحزبية الحاضرة إلى توجيه رسالة للملك، يعلنون فيها عدم الدخول مع حزب "العدالة والتنمية"، في أي تحالف لتشكيل الحكومة الجديدة، رغم أن الدستور نص صراحة على تعيين رئيس الحكومة من الحزب الذي تصدر انتخابات مجلس النواب. وهو ما اعتبره شباط "محاولة للانقلاب" على الإرادة الشعبية والدستور، لن يساهم فيها الحزب.
وفيما كان حزب "التقدم والاشتراكية"، أعلن قبل الانتخابات، عن تحالفه مع حزب "العدالة"، سواء في الحكومة أو في المعارضة، وهو ما زكاه بعد قراره المشاركة في الحكومة التي تجري مشاورات تشكيلها. قرر المجلس الوطني لحزب الاستقلال، المشاركة في الحكومة. لكن تحالف أحزاب العدالة والتنمية (125 مقعدا في مجلس النواب) والاستقلال (46 مقعدا) والتقدم والاشتراكية (12 مقعدا) المعلن، لن يضمن الأغلبية العددية المطلوبة لتشكيل أغلبية في مجلس النواب، الذي يتكون من 395 نائبا برلمانيا، فمجموع برلمانيي الأحزاب الثلاثة يصل إلى 183 نائبا، في الوقت الذي يحتاج تشكيل الأغلبية لـ 198 مقعدا على الأقل. وهو ما يجعل تشكيل حكومة من هذه الأحزاب فقط يضعها في خانة "حكومة أقلية"، وهو ما يرفضه بنكيران، حتى لو اضطره الأمر إلى ما وصفه بـ "ارجاع المفاتيح للملك والذهاب إلى بيتي". حسب قوله.
على أن "عقدة" حل "الانسداد" في مشاورات تشكيل الحكومة المرتقبة، بيد حزب "التجمع الوطني للأحرار"، الذي حصل على " 37 " مقعدا في البرلمان، وكان يشارك في حكومة بنكيران المنتهية ولايتها. فعقب تعيينه رئيسا للحكومة، وتكليفه بتشكيل حكومة جديدة، وتصريح بنكيران، أنه سيلتقي هذا الحزب أولا، بحكم أنه الحزب الذي حل ثانيا ضمن أحزاب التحالف الحكومة السابق، الذي ضم بالإضافة إلى حزب العدالة والتنمية، حزب التجمع الوطني للأحرار، والحركة الشعبية والتقدم والاشتراكية. لكن صلاح الدين مزوار، فاجأ الجميع بتقديم استقالته من رئاسة الحزب، ما اضطر بنكيران، إلى انتظار عقد مؤتمر استثنائي للحزب لتعين عزيز أخنوش وزير الزراعة، رئيسا جديدا، مما أخر بدء المشاورات الفعلية لتشكيل الانتخابات، رغم لقاء بنكيران بالأحزاب الأخرى، في لقاءات أولية، عبرت من خلالها عن انفتاحها على عرض بنكيران للدخول إلى حكومته.
تعيين عزيز أخنوش، رئيسا للتجمع الوطني للأحرار، بدلا من أن يكون عاملا لتسريع تشكيل الحكومة، كان "مشكلتها" الأكبر، فقد دعا هذا الأخير خلال لقائه الأول ببنكيران، إلى استبعاد حزب الاستقلال، من التحالف الحكومي لدخول حزب أخنوش، مرفوقا بحزب آخر كان في المعارضة، هو حزب الاتحاد الدستوري، حيث أعلن الحزبان عن تشكيل تحالف برلماني بينهما. في محاولة لإقحام الاتحاد الدستوري، في مشاورات تشكيل الحكومة ضد رغبة بنكيران، وتعزيز شروط أخنوش، للتفاوض مع بنكيران، حسب مراقبين.
وفيما كان يمكن أن تتشكل الحكومة من أحزاب العدالة والتنمية والاستقلال والتقدم والاشتراكية والاتحاد الاشتراكي، الحاصل على 20 مقعدا في مجلس النواب، خصوصا بعد تصريح إدريس لشكر الكاتب الأول للحزب، عقب لقائه ببنكيران، استعداده لتسهيل مهمة تشكيل الحكومة، على أن يلتحق التجمع الوطني للأحرار، بهذا التحالف، لكن اشتراط الحزب الحصول على رئاسة مجلس النواب، للدخول للتحالف الحكومي، وتفضيل ادريس لشكر، "الثناء" على عزيز أخنوش وحزبه، فهم منه اصطفاف الحزب، إلى جانب التجمع الوطني للأحرار، جعل هذا السيناريو لم يكتمل. وهو ما فهم منه بنكيران وحزبه، أنه "ابتزاز" لن يخضعوا إليه حتى لو اضطر الأمر إلى رجوع بنكيران، للملك وإعلان فشله في تشكيل الحكومة.
وأمام جمود مشاورات بنكيران لتشكيل الحكومة، خرج الموقع الرسمي لحزب العدالة والتنمية، ليبث لأول مرة كلمة لبنكيران، كان ألقاها في لقاء حزبي داخلي، قال فيها، إن "عزيز أخنوش جاءني بشروط لا يمكنني أن أقبلها"، مضيفا، "لن أقبل أن يهين إرادة المواطنين أي أحد، ويتصرف كأنه هو رئيس للحكومة وليس أنا". وفي ما يمكن أن يفهم منه على أنه نوع من الإصرار على "عدم التنازل" أمام ما وصف بـ "الابتزاز"، قال بنكيران، " قد نتمكن من تشكيل الحكومة وقد لا نتمكن، فهذا شيء مهم للبلد ولحزبنا، ولكن الحفاظ على المبادئ والقيم أهم".
تصريح اعتبره البعض تعبير عن قرب إعلان بنكيران عن فشله في تشكيل الحكومة، لكن الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، اعتبر أن تصريح بنكيران، "ضغط منه على الأطراف الأخرى، وتحميل للمسئولية لمن يعرقلون تشكيل الحكومة، ووضعهم أمام الشعب المغربي".
النتائج الأولية للمفاوضات، تشير إلى أن المدة الزمنية لتشكيل الحكومة ستطول، لأنها لم تصل بعد إلى مرحلة توزيع الحقائب التي من المتوقع في حالة الوصول إليها أن تشهد صراعات حول توزيع الأقطاب الحكومية وصراعات حول الحقائب الوزارية المطلوبة، ومن ثم فالمغرب، يتجه نحو أزمة حكومة، تضع المشهد السياسي برمته أمام سيناريوهين: الأول، تعيين شخص ثان من حزب العدالة والتنمية، لتشكيل الحكومة، الثاني، الذهاب لانتخابات مبكرة، في سياق وطني يثار فيه تساؤلات كبيرة عن مستقبل الاصالة والمعاصرة، الذي يستمد منه العدالة والتنمية قوته، تساؤلات بعد الترتيبات السريعة لورقة حزب التجمع الوطني للأحرار بزعامة جديدة، هذا السيناريو محكوم أيضا بالتغيرات الدولية التي بدأت تظهر بعد وصول ترامب إلى السلطة، من الديموقراطيين الذين دعموا تجارب الإسلاميين في الوصول إلى الحكم في بعض الدول العربية.


لمزيد من مقالات ابراهيم النجار;

رابط دائم: