يؤرخ عام 2016 الذى قارب على الانتهاء لظهور مصطلح «الذئاب المنفردة»، فى إشارة إلى الإرهابيين الأفراد الذين ينفذون عمليات إجرامية مسلحة عشوائية أو مخططة باسم الإسلام تحديدا، لخدمة تنظيم داعش الإرهابي، حتى وإن لم تكن هناك صلة مادية واضحة تربط الأفراد بالتنظيم، وإنما يقتصر الأمر على الفكر الواحد والهدف الواحد.
على مدى عام كامل، تواترت أنباء عديدة عن تلقى تنظيم داعش هزائم فادحة قوضت حلمه بإقامة دولة الخلافة الإسلامية المزعومة على أرض العراق وبلاد الشام.
وعلى مدى العام نفسه، لم يكد يمر أسبوع واحد إلا وكنا نسمع عن تفكيك خلية أو اعتقال إرهابيين مشتبه فيهم فى دول مثل الولايات المتحدة أو فرنسا أو ألمانيا كانوا يخططون لتنفيذ عمليات «منفردة» على أراضى هذه الدول مستوحاة من فكر «داعش» التكفيري.
وعلى مدى العام أيضا، لم يكد يمر شهر واحد إلا وقد حدث عمل إرهابى من تنفيذ «ذئب منفرد» فى دولة عربية أو أوروبية أو أمريكية أو آسيوية، معظمها سارع إلى تبنيه تنظيم داعش فى بيان يحمل العبارات التكفيرية نفسها.
وفى جريمة اغتيال السفير الروسى فى أنقرة أندرو كورولوف، التى نفذها الذئب التركى المنفرد مولود ألطنطاش بجرأة شديدة، وبتخطيط وإعداد دقيقين، لم يعلن تنظيم داعش عن مسئوليته عما حدث، وترك المهمة لجبهة النصرة، ولكن المفارقة الحقيقية هى أن التنظيم نفسه أعلن عن مسئوليته عن حادث الدهس الجماعى الذى شهدته العاصمة الألمانية برلين فى اليوم الدامى نفسه، وهو الحادث الذى راح ضحيته عشرات القتلى والجرحى، فلماذا أعلن داعش مسئوليته عن هجوم برلين، ومن قبله أعلن عن مسئوليته عن هجمات متناثرة هنا وهناك، مثل جريمة الكاتدرائية المرقسية بالقاهرة، أو هجوم بروكسل، أو تفجيرات باريس، رغم أن المنفذين فى النهاية ذئاب منفردة لا يرتبطون مع التنظيم الرئيسى إلا بالأفكار والأهداف؟!
للإجابة على هذا السؤال، يجب الإشارة إلى حقيقة واحدة مهمة، وهى أن معظم الجماعات الفوضوية والتكفيرية والإرهابية التى نشأت وترعرعت أصلا فى كنف أجهزة المخابرات الغربية، بداية من التنظيمات التكفيرية مثل القاعدة وداعش، ومرورا بالتنظيمات المسلحة التى يطلقون عليها فى الإعلام الغربى مسمى «المعارضة» أو الحركات السياسية، والتى تنتشر فى مختلف دول الربيع العربى بلا استثناء، إضافة إلى العراق، ونهاية بالحركات الفوضوية الساعية إلى «التغيير» وفق رؤيتها ومفهومها، كلها ترفع شعارات تقول إن الجماعة فكرة والفكرة لا تموت، فداعش فكرة والفكرة لا تموت، فتموت القاعدة ويبقى فكرها، ويتلقى داعش الهزائم فى الموصل والرقة وحلب، ويبقى من ينفذ العمليات الإرهابية فى كل مكان بالعالم تحت رايته، وتنهزم جماعات المعارضة المسلحة وحملة شعارات إسقاط الأنظمة والحكومات والجيوش، وتبقى أصواتها مختبئة فى الجحور انتظارا لظروف تسمح لها ببعث جديد!
داعش الآن ليست أكثر من جهاز فاكس أو جهاز كمبيوتر متصل بالإنترنت كل دوره إرسال بيانات التهديد بعمليات إرهابية جديدة وتبنى عمليات إرهابية هنا وهناك، وبنفس الفكر تدار باقى جماعات المعارضة المسلحة وميليشيات التغيير والجيوش الإليكترونية التى تمارس دورها على منصات التكنولوجيا الحديثة التى تحميها ذات الدول التى تسببت فى ظهور داعش والقاعدة!
إذن، فالقاعدة انتهى رسميا، وداعش توفى إكلينيكيا، وفكرة تغيير الأنظمة وهدم الجيوش والحكومات بالسلاح والقوة ثبت فشلها، ولكن «الذئاب المنفردة» هى وحدها القادرة على إبقاء هذه الأفكار على قيد الحياة، مستغلة ظروفا اقتصادية فى دولة، وقمعا سياسيا فى دولة أخرى، وارتفاع بطالة فى دولة ثالثة، وطوفان لاجئين فى دولة رابعة، وربما رفاهية مطلقة فى دولة خامسة، و«مخبول» يريد الانتحار فى دولة سادسة، ويتصرف جميعهم تحت اسم «داعش»، أو تتبنى داعش أعماله، حتى وإن كان التنظيم قد مات فعليا على أرض الواقع! وخير دليل على هذا الكلام إعلان داعش مسئوليته عن حادث برلين وحوادث أخرى دون الإشارة إلى اسم المنفذ، وأحيانا بالإشارة إلى اسم آخر، ربما يكون وهميا، ولكنه عنصر يخدم الفكرة والهدف فى النهاية، بعكس جريمة قتل السفير الروسى التى لم تكن على هوى التنظيم على الأرجح، أو ربما لأن المنفذ قاتل محترف Assassin لا يعرف التنظيم من أين جاء، ولصالح من يعمل، وقد تمت تصفيته فى مكان الحادث لسبب غير مفهوم، ولكن يمكن تفسيره بوضوح! لذلك، من غير المستبعد أن تتحول هذه الذئاب المنفردة والقتلة المحترفون فى عام 2017 إلى «محترفين» تتهافت عليهم أنظمة وأجهزة مخابراتية وتنظيمات إرهابية لتنفيذ عمليات باسمها، أو لتحقيق أهدافها، تماما كما تتصارع أندية كرة القدم على اللاعبين المحترفين، وتدفع لهم ملايين الدولارات للدفاع عن ألوانها!
رابط دائم: