رئيس مجلس الادارة
أحمد السيد النجار
رئيس التحرير
محمد عبد الهادي علام
ولكل حكاية أبطال وحبكة درامية ، ومن سيكون أدري بها من أصحابها الذين عاشوها وجرت علي أرضهم أو بين جدرانهم ، وللأسف لن تستطيع حجارة جدران المباني أن تنطق ، ولا أحجار الشوارع البازلتية السوداء الضخمة أن تحكي من مر من هنا ؟ وكيف كان ؟ وما هي الأحداث التي دارت في هذا المكان ؟ وما هي الأحاديث التي قيلت ؟ ولكن تستطيع الوثائق أو الورق القديم المشبع برائحة الماضي أن ينقل لنا بعض الحقيقة المجردة ، ويبقي علي الكاتب أن يصيغها ويربط الأحداث ببعضها كي يُكمل الصورة للقارئ تماما كلعبة “ البازل “ المكونة من عشرات أو مئات القطع التي يعكف الأطفال والشباب علي تركيبها لكي تظهر الصورة الجميلة في النهاية … حكاية هذا الأسبوع عن شارع في الإسكندرية و” بياصة “ أو ميدان وكيف كان يتم التخطيط لفتح شارع أو لتوسعته بما يخدم المنفعة العامة من خلال مجموعة من الوثائق أو المخطوطات النادرة التى تؤكد على إهتمام الحكومة المصرية فى بداية القرن العشرين بتخطيط المدن بطريقة سليمة من خلال فتح وتوسيع شوارع وإنشاء ميادين وأسواق جديدة لتتناسب مع الزيادة السكانية المطردة ، مما يعنى إقامة بنية تحتية قوية تحتمل التطور العمرانى والسكانى لفترة طويلة ، والوثائق الثلاث التى أعرضها هذا الأسبوع ترجع لفترة حكم الخديو عباس حلمى الثانى إبن الخديو توفيق وحفيد الخديو اسماعيل والذى تولى الحكم فى الفترة من٨ يناير ١٨٩٢ وحتى ١٩ديسمبر ١٩١٤ ، والوثائق عبارة عن ٢ مرسوم خديوى - أى أمر صادر من الخديو وموجه الى كافة المصالح الحكومية المعنية لتنفيذه - والوثيقة الثالثة موجهة من رئاسة مجلس النظار الى نظارة الأشغال العمومية بخصوص تنفيذ الأوامر الخديوية ... ويقول المرسوم الاول المرسل بتاريخ ٦ أغسطس ١٩٠٧ « أمر عال ... نحن خديو مصر بعد الإطلاع على الأوامر العلية السابقة بتواريخ يناير وسبتمبر وديسمبر ١٨٠٥ بإعتبار الشوارع الواردة فى الجداول حرف ( ا ) من المنافع العمومية ومنها شارع وكالة الخضار بمدينة الاسكندرية وبناء على ما عرضه علينا ناظر الأشغال العمومية وموافقة مجلس النظار أمرنا بما هو آت .... تنزع ملكية الأملاك اللازمة لتوسيع شارع وكالة الخضار بالطرق العادية وحسب القواعد المتبعة وتبلغ مساحتها ٢٨٦٧ متر مربع ، ثم أرسل حسين فخرى باشا ناظر الأشغال العمومية نائباً عن رئيس النظار إخطاراً من هذا المرسوم الخديوى الى نظارته لإتخاذ اللازم . أما الوثيقة الثالثة فهى بتاريخ ٣٠ يولية ١٩٠٨ وهى عبارة عن مرسوم خديوي يذكر فيه ؛ أنه بعد الإطلاع على الأمرين العاليين الصادرين سابقاً بإعتبار جملة شوارع من المنافع العامة ومن ضمنها شارع حسن بدوى بمدينة الاسكندرية وحارة الشيخ الكتبي وزقاق الطويل وذلك من أجل إنشاء بياصة عمومية ، وبناء على ما عرضه علينا ناظر الأشغال العمومية وموافقة مجلس النظار أمرنا بما هو آت تنزع ملكية الأراضي اللازمة حسب المادة الثانية من القانون الصادر بتاريخ ٢٤ أبريل ١٩٠٧ بشأن نزع ملكية العقارات للمنفعة العامة والإمضاء لحسين فخرى باشا نائباً عن الحضرة الخديوية . ومن هذه الوثائق نتبين أن الحكومة كانت تعمل بهمة ونشاط من إجل تحسين الخدمات المقدمة للمواطنين بما تتضمنه من توسيع شوارع وإقامة ميادين وإسواق وذلك من خلال الدراسة وبحث أنسب الحلول الهندسية لتنفيذ هذه المشروعات مما كان يعنى أن تقوم الدولة بنزع ملكية بعض العقارات والأراضي من أصحابها من أجل الصالح العام ولكن كان يتم تعويض أصحابها بالمبالغ المناسبة من خلال قانون وضع خصيصاً لهذه الظروف . أما أطرف ما كشفت عنه هذه الوثائق هو سعى الحكومة لإنشاء بياصة لصالح المواطنين و «البياصة» هي كلمة معروفة باللهجة الإسكندراني وتُطلق علي منطقة شعبية مشهورة بالقرب من سوق العطّارين الذى يُعد حاليا من أهم الأسواق الشعبية بالإسكندرية ويقع على مقربة من المسرح الروماني ، ولكن الحقيقة أن هذه الكلمة «لا بياتزا» la piazza تعني باللغة الإيطالية «الميدان» أو «الساحة» وقام السكندريون بتحويرها وتناقلتها الأجيال السكندرية حتي فقدت معناها وأصبحت تطلق علي منطقة . بقي أن أقول أن محمد علي باشا كان هو صاحب الثورة الحقيقية والتحديث الذي حدث في المدينة فعند توليه حكم مصر كانت منازل المدينة تنحصر ما بين المينا الشرقية والغربية في أرض تعرف بالجزيرة في مقابلة رأس التين وشارع أبي وردة والسيالة حتي ميدان محمد علي وكان في خلال البلد فضاء وتلول فأذن للأهالي بالبناء فيها .. فبنوا القصور والمنازل بالإضافة الي وجود أربعة كفور الأول علي شمال الداخل من باب شرقي والثاني فوق كوم الديماس والثالث قرب باب سدرة وهو عامود السواري والرابع المعروف بالنجع وهو قريب من باب المحمودية .. ولتكاثر من يريدون السكني والبناء صدرت الأوامر بفتح شوارع وتمهيدها وتم الإهتمام برش المياه والعناية بالصحة العامة وإتخاذ الإجراءات الصحية للعناية بالمقابر حتي لا تكون مصدر للأوبئة ، ومن بعده سلك إبراهيم باشا وعباس الأول مسلكه حتي جاء الخديو إسماعيل فعاشت الإسكندرية في عهده أرغد أوقاتها وتمت العناية بالشوارع التي كانت غير مبلطة فتكون موحلة في الشتاء وكثيرة الأتربة في الصيف فصدرت الأوامر بفتح شوارع جديدة وتمهيدها بالدبش والدقشوم وعمل طريق علي الجانبين للمشاة وترك الوسط للعربات والحيوانات وتبليط شوارع أخري بعضها علي نفقة البلدية وبعضها علي نفقة الدائرة السنية وقد تمت عملية التبليط بإستخدام البلاط المجلوب من تريستة كما تم الإهتمام بتصريف مياه الأمطار بعمل مجاري تحت الشوارع بمعرفة المهندسين كما يقول علي باشا مبارك في الخطط التوفيقية فبلغ طول المجاري التي بنيت بالمدينة تحت الحارات والشوارع لغاية ١٢٨٧ هجرية١١٩٠١ً مترا ... ووالله زمان يا إسكندرية .