قوانين ورا قوانين يتم إعدادها وطبخها ويتم إقرارها وتطبيقها ليخرج علينا بعدها أي مواطن رافعا قضية أمام الدستورية أو الإدارية بعدم دستورية هذا أو ذاك القانون ويجب وقف تنفيذه لنفاجئ بحكم المحكمة الدستورية العليا بإلغاء القانون أو الإتفاقية وتغريم الحكومة أتعاب المحاماة ليعود القانون أو الإتفاقية لنقطة الصفر .
الأمثلة كثيرة آخرها كان السبت الماضي عندما حكمت المحكمة بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة 10 من قانون التظاهر، وسقوط الفقرة الثانية، وتغريم الحكومة 200 جنيه أتعاب محاماة. وكانت المادة تنص علي الأتى:
"يجوز لوزير الداخلية أو مدير الأمن المختص فى حالة حصول جهات الأمن – وقبل الميعاد المحدد لبدء الاجتماع العام أو الموكب أو التظاهرة – على معلومات جدية أو دلائل عن وجود ما يهدد الأمن والسلم، أن يصدر قرارا مسببا يمنع الاجتماع العام أو الموكب أو التظاهرة أو إرجائها أو نقلها إلى مكان آخر أو تغيير مسارها، على أن يبلغ مقدمى الإخطار بذلك القرار قبل الميعاد المحدد بأربعة وعشرين ساعة على الأقل".
أيضا أتفاق تيران وصنافير فبعد توقيع الإتفاقية ورجوع خادم الحرمين الشريفين ومعه إتفاق موثق بملكية السعودية لتلك الجزر وبعد تأكيد كل الجهات القانونية أن المعاهدة سليمة وأن الجزر من حق السعودية فوجئنا بحكم المحكمة بأن الجزر مصرية وليس للسعوديين أي حق فيها .
ماذا حدث فطول عمرنا والقوانين هي لعبتنا ونعرف أن هناك نوع من تسييس بعض القوانين أو بمعني أدق تفصيلها لدرجة أن مسمي "ترزية القوانين" كان المصطلح المعروف به واضعوا هذه القوانين .
ماذا حدث هل ترزية قوانين زمان كانوا أكثر خبرة من ترزية هذا الزمان ولمصلحة من ، ففي العهد السابق كنا نعرف أن القوانين يتم تفصيلها لخدمة مبارك ونظامه ليتم ترسيخ أقدامهم في النظام أكثر وأكثر ، ولكن الحال أختلف فكل هذه القوانين الحالية هي لخدمة مصر وليس النظام فمثلا التظاهر كان من أهم أسباب حدوث الفوضي والعنف وانهيار أي نظام ونظام مبارك كان خير دليل، وبمجرد ظهور قانون منع التظاهر كل "الناشتين" لموا أنفسهم وعرفوا أن سر خلطتهم في إشاعة الفوضي والعنف قد أكتشفت وأنهم سيتعرضون للحبس في حالة القيام بأي مظاهرة وأكبر دليل علي ذلك أن هوجة المظاهرات قد أختفت تماما بعد سجن أغلب "الناشتين" وزعماء السبوبة، ولكن بمجرد حكم المحكمة ورفض أهم بند في القانون بدأوا في الخروج من جحورهم مرة أخري متهكمين علي القانون لدرجة الشماتة بل بدأوا يطالبون وبكل بجاحة الافراج عن المتظاهرين وهم من قام بالتخريب والاعتداء علي الجيش والشرطة وكله بالقانون.
عيب وألف عيب أن القوانين التي ستكرس حالة الإستقرار في مصر لا يتم دراستها وتحصينها ضد حكم أي محكمة سواء كانت دستورية أو عليا أو نقض.
هل كان ترزية زمان أكثر حنكة ودراية بثغرات القوانين بحيث يتم سد أي ثغرة يستطيع القضاء أن ينفذ من خلالها ويلغي القانون أم قضاة اليوم هم من أصبح أكثر حنكة وحفظوا ثغرات القوانين أكثر من صانعيها بحيث يتم رفض القانون بمجرد الطعن في دستوريته أم أن هناك مايحدث وراء الكواليس لا نستطيع أن نسمعه أو نراه أو نتكلمه .
هل تذكرون الدكتور عبد الرزاق أحمد السنهوري باشا الذي شارك في وضع الدستور المصري بعد إلغاء دستور 1923، وسافر إلى ليبيا بعد استقلالها، حيث وضع لها قانونها المدني الذي صدر سنة 1953 دون مقابل. حدث صدام بينه وبين الرئيس جمال عبد الناصر سنة 1954 أقيل بسببه من مجلس الدولة، فاعتزل الحياة العامة حتى وفاته، وفرض عليه النظام الناصري عُزلة إجبارية حتى عام 1970. استطاع أثناء عزلته من 1954 -1970 إنجاز عدد من المؤلفات القانونية المهمة، كما وضع المقدمات الدستورية والقانونية لكل من مصر وليبيا والسودان والكويت والإمارات العربية المتحدة، ولم تسمح له السلطات المصرية بالسفر إلا مرة واحدة تلبية لدعوة أمير الكويت سنة 1960 م، واستطاع خلال هذه المدة وضع دستور دولة الكويت واستكمال المقومات الدستورية القانونية التي تؤهلها لعضوية الأمم المتحدة.
فهل مصر التي أنجبت السنهوري باشا لا يوجد لديها الآن من يضع القوانين والإتفاقيات ويستطيع أن يحصنها ضد الثقوب والثغرات والتي قد تعصف بنا وبهم في وقت واحد.
لمزيد من مقالات عادل صبري; رابط دائم: