رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

حكايات من اوراق قديمة
شارع المعز .. العز الذى كان !

أمـــل الجيـــــار
كان الشارع حكاية الي بضع سنوات مضت .. كان كجزء من الأساطير الإسلامية القديمة .. أو كأنك فتحت كوة في جدار الزمان وأدخلت رأسك فيها فشدك سحر ما رأيت وسحبك الجمال فعُدت في لمح البصر الي عصر المماليك والقوة والصراع علي كرسي السلطنة وحكم المملكة .. وكنت تمشي في الشارع فكان يخيل اليك أنك تسمع صليل سيوف مماليك الأمراء وهم يتبارزون ويتدربون .. أحدهم يسقط علي الأرض فتسقط خوذته وتتدحرج فيلتقطها منافسه،

وقد يطير سيفه ويستقر تحت قدم المملوك المنافس ، فتنتهي المبارزة بالمصافحة والعناق إذا كان المملوكان من نفس الفصيلة المملوكية ( بُرجية أو بحرية ) ، أما إذا كانا غريمين فغالباً ما تنتهي المبارزة بمذبحة فتطير رقبة أحدهما بينما يقفز الآخر برشاقة معتلياً صهوة جواده مزهواً بنصره علي غريمه ليعود من حيث أتي وكأنه لم يقتل نفساً أو يترك جثة من خلفه .. إنه الصراع علي عرش المحروسة .. ورغم صراعات المماليك إلا أن الشارع كان حياً صاخباً مليئاً بالحياة .. ففي كل شبر منه قصة وحدوتة .. فهناك أسبلة ومساجد وتكايا وكتاتيب ووكالات وحوانيت ومتاجر ، وفي كل زاوية تفوح روائح عطرية ممزوجة بالبخور التي ينثرها التجار تمسحاً في أولياء الله الصالحين وسعياً لجلب الرزق والبركة .. إنه شارع المعز لدين الله الفاطمي الذي كان يشع سحراً الي فترة ليست بالبعيدة قبل أن يخنقه الزحام ويقتل القبح فيه كل مواطن الجمال والعظمة .. وتنطفئ أنوار مساجده وأسبلته بفعل الإهمال ويذهب السحر ليحل محله العشوائية والباعة الجائلون الذين يفترشون الشارع بمقاهيهم وبضائعهم وصخبهم ومضايقاتهم للسياح الأجانب والمصريين الذين قادهم حظهم العثر للذهاب الي الشارع الذي كان ساحراً ، وزاحمت فيه التكاتك والموتوسيكلات المارة وأصبح الصوت الغالب علي المكان صوت أبواق الموتوسيكلات وأصحابها وهم يصرخون ويسبون المارة ليفسحوا الطريق لهم … والحقيقة أنني لأول مرة أشعر بالأسي وأنا أعرض وثيقة .. فوثيقة هذا الأسبوع هي السبب في إطلاق نيران غضبي وتفجر ثورتي أنا وأصدقائي علي الحال الذي آل اليه هذا الشارع .. فهي عبارة عن صورة قديمة عمرها يزيد على ١٣٠ عاماً التقطها مصور فرنسي شهير اسمه “ فيليكس بونفيس “ ( ١٨٣١ - ١٨٨٥ ) Felix Bonfils لأحد الأسبلة العمومية في منطقة الموسكي ، والصورة بالرغم من قدم تاريخها إلا أنها في حالة جيدة وهي لسبيل “ عبد الرحمن كتخدا “الذي يقع في شارع المعز وفي الصورة يبدو السبيل وأمامه زحام شديد من المارة وبعض التجار وبضائعهم المحملة علي حمير، وفي الطابق الأول منه يبدو بعض الطلبة ينظرون من الشرفة علي الشارع المزدحم .. بإختصار صورة يبدو فيها سحر الشرق رغم فقر المكان وإزدحامه مما دفع المصور الفرنسي لأن يخلده بصورة ليتم تناقلها بين البلاد لتحكي عن أماكن وحيوات أسطورية لمصر الإسلامية ..وقعت في يدي هذه الصورة من مجموعتي النادرة .. فتأملتها بشغف ودفعني الحنين للإنضمام لرحلة لزيارة معالم الشارع برفقة مجموعة من أعز صديقات الدراسة في إطار تنشيط السياحة الداخلية وحملة ” اعرف بلدك “ .. قطعنا المسافة من الإسكندرية الي القاهرة وكلنا شوق لرؤية الشارع الذي أصبح حديث العالم بعد مشروعات التطوير والتجميل والإضاءة والترميم التي استغرقت سنوات وتكلفت ملايين الجنيهات لنجد أنفسنا أمام مفاجأة صادمة .. فالشارع أصبح في حالة يُرثي لها من الإهمال وامتلأ بالقمامة وأصبح مرتعاً للموتوسيكلات وتوقف مشروع الطفطف السياحي بل أن المساجد نفسها أصبحت ساحة للهو الشباب .. فقد رأيت حلقة من الشباب و الفتيات داخل صحن أحد المساجد الأثرية يلعبون لعبة spin the bottle وهي تعتمد علي لف زجاجة ومن تتوقف أمامه يسأل الطرف الآخر أي سؤال يخطر بباله وبالطبع يمكن التكهن بنوعية الأسئلة التي يمكن أن تطرح في “قعدة “ مشتركة بين الشباب والفتيات دون أي إحترام لقدسية المسجد وفي غياب تام للرقابة من الآثار .. وبالطبع فقدت الرحلة بهجتها وأصيب الجميع بإحباط شديد حتي أن إحدي صديقاتي وهي طبيبة وتشغل منصباً هاماً في الجامعة قالت لي “ كيف لي أن أصحب ضيوف المؤتمر الطبي من الأجانب لهذا الشارع .. سوف أقوم بإلغاء الزيارة حتي لا يتعرضوا لمضايقات “.

ويعتبر سبيل وكُتاب عبد الرحمن كتخدا أحد أهم معالم شارع المعز، وهو مبني على طراز يمزج بين العمارة العثمانية والمملوكية، وصاحبه عبد الرحمن كتخدا هو الأمير عبد الرحمن بن حسن جوايش القازدغلي «كتخدا مصر أي محافظ مصر» وكان من أمراء المماليك في عصر علي بك الكبير وقد تدرج في المناصب العسكرية حتى أصبح مسئولاً عن الجيش..وكان واحداً من أعظم الراعين للحركة المعمارية خلال العصر العثماني .

ويتكون السبيل من غرفة لتزويد عابرى السبيل بالماء،ويعلوه كُتَّاب لتعليم القرآن الكريم وعلوم الفقه و السنة. ويطل مدخله على شارع “التمبكشية”،ويعلوه نص تأسيسي«أنشأه الأمير عبد الرحمن جاويش مستحفظان ابن المرحوم حسن كتخدا القازدغلي غفر الله له سنة ١١٥٧هـ”. أما شارع المعز فهو يُعد من أهم الشوارع التاريخيه فى مصر ويرجع الي عام ٩٦٩ ميلادية ، ويُعرف أيضا باسم شارع الأعظم ، و شارع القاهره ، و شارع القصبه. وقد بني جوهر الصقلى على جانبه الشرقى قصرا للخليفه “ المعز “هو « القصر الشرقى الكبير « وأقام ابنه العزيز بالله أمامه « القصر الغربى الصغير “ وبعد أن قضي صلاح الدين الأيوبى على الدولة الفاطمية جعل القصر الكبير مقراً لحكم الايوبيين . وهو يضم العديد من الآثار الإسلامية منها زاوية ابوالخير الكليباني والدرب الاصفر وسبيل وكتاب عبدالرحمن كتخدا وقصر الامير بشتاك ومدرسة السلطان الكامل ومسجد السلطان برقوق ومسجد الناصر محمد, ومسجد الحاكم بأمر الله, وبقايا مدرستي الظاهر بيبرس والصالح نجم الدين وسبيل وكتاب خسرو باشا ومسجد الاشرف برسباي هذا الي جانب منطقة بيت القاضي, ووكالة قايتباي، بيت السحيمي، جامع سليمان أغا السلحدار، جامع الأقمر، وقصر الأمير بشتاك، وجامع السلطان قلاوون، مدرسة الظاهر برقوق، تربة الصالح أيوب، المدرسة الصالحية، مدرسة الناصر محمد بن قلاوون، جامع الأشرف برسباى، مدرسة و سبيل السلطان الغورى حمام المؤيد، جامع المؤيد.وشارع “ المعز “ به ثلاثة أبواب هم باب النصر وباب زويلة وباب الفتوح... وفي النهاية أرجو من الدولة والآثار واليونسكو وكل وطني غيور وكل من يهمه أمر هذا البلد سرعة التدخل لإنقاذ هذا الشارع الساحر والجميل من الدمار حتي لا تنهار أحلامنا في مستقبل أفضل لمصر ولأبنائنا .. فهذا الشارع إن أٌحسن استغلاله وتم تخليصة من قبضة الفساد والإهمال يمكن أن يُدر دخلاً أسطورياً علي مصر .. فشارع المعز ومنطقة الجمالية ومصر القديمة ليست بأقل سحراً من قصر “توب كابي” في إسطنبول بل من المؤكد أن مصر الإسلامية تفوقها سحراً والله .. الله علي مصر زمان .

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق