رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

العيد الـ 60 لإستقلال المغرب.. دروس وعبر

لاشك أن هناك ثمة محطات زمنية فارقة في حياة الشعوب، فحينما نستدعي من الذاكرة تواريخ الاستقلال الوطني للدول، تقفز إلى الأذهان أفكار عدة، منها مدى تجذر الاستقلال كفكرة في وعي الشعوب، بإعتباره لايعني فقط فك الارتباط بأشكاله كافة مع المستعمر والاستعمار، كما كان الحال في الماضي، بل إن الاستقلال يعني حرية الإرادة، وهذا هو الشق المهم والوجه الآخر لهذه المحطات التاريخية.

المغرب أحد البلدان، التي تمتلك تاريخا زاخرا ومحطات مشرقة عدة، ولكن يبقى عيد الاستقلال، واحد من أهم وأبرز تلك المحطات التاريخية على الإطلاق، حيث جاءت بعد مسيرة نضال تاريخية عتيدة، تضافرت خلالها إرداة الشعب والعرش، وظل هذا التلاحم حتى الأن، أهم رموز الوطنية والانتماء لتراب هذا البلد.

استقلال المغرب، تجسيد لرحلة نضال مليئة بالدروس والعبر، بل هي رحلة ملهمة في الانتماء للتراب والأرض والوطن، بما تنطوي عليه من ذكريات تاريخية وإشراقات مضيئة تميزها عن غيرها من التجارب النضالية والتحررية، وتمنح لها قدرا هائلا من الخصوصية والتفرد التاريخي. ولا أزيد إن قلت بإن الوقوف عند يوم الاستقلال، ليس نوع من الترف أو الرفاهية التاريخية والثقافية والسياسية، ولكنها مقاربة ضرورية واستدعاء حيوي لمخزون الوطنية الراسخ في الوعي الجمعي للشعوب، ومنه تتجدد طاقات الوطنية التي يحتاجها الجميع بشدة في الظرف الراهن عالميا واقليميا، حيث باتت الأوطان وفكرة الدولة المستقلة ذات السيادة، عرضة للتشكيك والهجمات المنظمة من تيارات وتنظيمات عابرة للجغرافيا، وأخرى داعية لتقويض أسس الدول، والدفع بإتجاه تحويل العالم إلى حالة من الاحتراب والصراع، تحت لواءات دينية ومذهبية وعرقية، وهي في الحقيقة لاهذه ولا تلك بل هي الفوضوية والمصالح الذاتية، التي يلهث ورائها الكثيرون، تنظيمات وأفراد على حد سواء.

لاشك أن المسيرة التنموية للمغرب، التي يقودها الملك محمد السادس، وفق سياسات رشيدة، تثبت بوم بعد يوم، أن تلاحم الشعب والقيادة في المملكة، فوق أي اعتبار آخر، حيث نجح هذا التلاحم في تجنيبها أشد الأعاصير واعتاها، وشكل حائط صد قوي في مواجهة أي محاولات للنيل من أمن الشعب المغربي واستقلاله الوطني. في مثل هذه الأيام منذ نحو ستة عقود خلت، أعلن الراحل محمد الخامس، عن " انتهاء عهد الحجر والحماية وبزوغ فجر الحرية والاستقلال"، إيذانا بإنتصار ثورة العرش والشعب، وفي مثل هذه الأيام خرجت المملكة المغربية من التجربة الاستعمارية، أمة قوية متماسكة قادرة على صون هويتها وإرادتها وقيمها الأصيلة.

تخطو المغرب خطوات جادة وحقيقية، بإتجاه اصلاح واستقرار مؤساسات الدولة، سواء علي المستوي السياسي أوالاقتصادي أوالمجتمعي. كما تبنى مشاريع البنية التحتية، في ظل الحداثة مع رؤية مستقبلية على المدى الطويل في الجوانب الاقتصادية والجيوسياسية، مما منح له ظهورا أفريقيا، مع استمراية في التعاون مع أوروبا الحليف القديم الحديث.

وعلي الرغم من أن جرعات الإصلاح السياسي الحالية في المغرب مهمة، إلا أنها ليست كافية، وحتى لا يتغلب منطق البحث عن الاستقرار على منطق الإصلاح، فسيظل هنالك حاجة ماسة لمزيد من الإصلاحات. وتبقى المعوقات الحقيقية لمعادلة الاستقرار والإصلاح، متمثلة في تأخر الحلول الاقتصادية الكبرى لمعالجة هشاشة المجتمع، ذلك أن التركيز على عنصر الاستقرار فقط، على حساب الإصلاح، قد يربك المعادلة بأكملها.

لقد أسهم مسار الإصلاح والاستقرار في تشكيل وترويج فكرة "نموذج مغربي"، وأضاف جرعات من المصداقية على العمل السياسي، أدت إلى ارتفاع منسوب التسييس بالمجتمع بشكل ملحوظ. بيد أن فشل هذا المسار يعني بالضرورة بروز سيناريو الاضطراب، وتوقف مسار التحسن والتعافي الاقتصادي.

ورغم أن أحد المؤشرات المهمة في قياس مدى الاستقرار، هو تراجع مستويات الاحتجاج في القطاعات الحكومية في السنوات الأخيرة من جهة، وفي الحالة الأمنية المستقرة في الجبهة الداخلية، نتيجة الكفاءة الواضحة لجهاز الاستخبارات وقدراته الاستباقية في منع أي اضطرابات أمنية، إلا أن التجربة المغربية، باتت في حاجة إلى حزمة إصلاحات جديدة، والرفع من وتيرة القرارات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الداعمة لمسار الاستقرار، في وقت يبدو فيه أن المنطقة العربية، مقبلة على منعطفات شديدة الاضطراب من الناحية الأمنية والسياسية.


تعد احتفالات الشعب المغربي، بذكرى عيد الاستقلال المجيد، إحدى المحطات المضيئة في تاريخ المغرب الحديث، وما جسدته من انتصار للشعب والعرش في معركة نضال طويلة، إحقاقا للحرية والكرامة واسترجاعا للحق المسلوب، واستشرافا لمستقبل واعد. ففي الثامن عشر من نوفمبرعام 1955، زف الملك الراحل محمد الخامس لدى عودته من المنفى رفقة الأسرة الملكية، بشرى انتهاء نظام الوصاية والحماية الفرنسية، وبزوغ فجر الحرية والاستقلال، مجسدا بذلك الانتقال من معركة الجهاد الأصغر إلى معركة الجهاد الأكبر، وانتصار ثورة الملك والشعب.

وشكل هذا الخطاب الأول للاستقلال، خارطة طريق حقيقية وضعها جلالته أمام شعب عمته الفرحة، تؤشر على انخراط الأمة في مسلسل بناء مغرب حديث وحر.
ولم تفلح قوي الاستعمار الفرنسي، في وقف هذا المد النضالي، الذي ترسخ آنذاك في أعماق كل المغاربة، على الرغم من نفيه للملك الراحل محمد الخامس رفقة أسرته إلى كورسيكا ثم إلى مدغشقر، والذي تجلى من خلال الانتفاضة العارمة التي شهدتها، في أعقاب ذلك، كل المدن والقرى المغربية. واليوم يستحضر الشعب المغربي بكل مكوناته وبكل مظاهر الاعتزاز والافتخار، هذه الذكرى التي تؤرخ لإرادة العرش والشعب في نضالهما المتواصل من أجل التحرر من نير الاستعمار وإرساء الأسس الأولى لمغرب مستقل وحديث وموحد ومتضامن. كما تعتبر ذكرى عيد الاستقلال من أغلى الذكريات الوطنية الراسخة في قلوب المغاربة، لما لها من مكانة عظيمة في الذاكرة الوطنية، وما تمثله من رمزية ودلالات عميقة تجسد انتصار إرادة العرش والشعب، والتحامهما الوثيق دفاعا عن المقدسات الدينية والوطنية.
ذكرى الاستقلال الوطني للمملكة المغربية، تستدعي جوانب كثيرة على طاولة النقاشات البحثية، كما تستدعي بالقدر ذاته روح النضال الوطني في مواجهة التحديات التنموية الراهنة، بإعتبار أن معارك التنمية والبناء لا تقل حدة وشراسة عن معارك النضال ضد الاستعمار، وتلعب فيها الارادة الشعبية والجهود الوطنية الأدوار الأبرز، ما يجعل من هذه الذكرى محطة بالغة الأهمية ليس فقط على الصعيد الاحتفالي، ولكن أيضا على صعيد شحن الطاقات والهمم الوطنية، لتحقيق مزيد من الانجازات والمكاسب التي نتمناها جميعا لهذا البلد الشقيق.


لمزيد من مقالات ابراهيم النجار;

رابط دائم: