أعلم تماما أن سلة القرارات والإجراءات الاقتصادية والمعيشية، التى أقدمت عليها الحكومة فى الأيام الماضية، سواء فيما يتعلق بحزمة تحرير سعر الصرف وإنقاذ الجنيه المصري، وضخ دماء جديدة فى عروق الاقتصاد والاستثمار وضرب تجار السوق السوداء وفرق الجشعين، وكذلك رفع أسعار الوقود وغيرها، قد تكون مؤلمة وتمثل نزيف نقاط للطبقات الفقيرة والمتوسطة ولكنها فى نهاية الأمر دواء مر وعلقم لابد من تجرعه الآن قبل الغد لإنقاذ الوطن والشعب والاقتصاد، عملا بقاعدة أخرى العلاج الكي.
لأنه من المؤسف والمعيب أن تظل دولة بحجم مصر وتمتلك تلك القدرات والمقومات والإمكانات المتعددة أسيرة للعيش على فيض المنح والمساعدات ومد يد العون والحاجة لدول المنطقة وكبريات الدول والمؤسسات الكبري، وبالتالى كان لزاما على صانع القرار أن يتخذ القرارات والإجراءات الصعبة والمؤلمة تلك، التى تأخر الإقدام عليها أو الاقتراب منها لأكثر من 40 عاما، ويسأل فى ذلك نهاية فترة حكم الرئيس السادات وعهد مبارك بأكمله، الذى افتقد الرؤية والإبداع فبقى أسير الكمون ومشروع التوريث الأبدى فكان أن وصلنا الى هذا الحال الميئوس منها والتى من الصعوبة بمكان الاستمرار فى تبعاته وإلا ستكون النهاية الكارثية للوطن وشعبه بعد أن أوصلتنا تلك السياسات والمسكنات الى هذه المستنقعات من التردى والتراجع والخلل فى منظومة الاقتصاد وتراجع الاستثمار وارتفاع منسوب الفقر والعوز فى مصر، والخراب والفوضى الجوالة بجميع أشكالها وصورها.
وبالتالى رغم قسوة الفواتير التى نسددها والأثمان التى ندفعها فى برنامج الإصلاح الشامل، الذى قرر الرئيس عبدالفتاح السيسى تدشينه خلال العامين الماضيين، وبلغت ذروة قراراته الأخيرة بات لا مناص من تجرع هذا الدواء المر، إلا أننا يجب ألا نتبرم أو نرفع رايات الانكفاء وفقدان الثقة والأمل بعد أن بات هذا الإصلاح وتلك القرارات ضرورة حتمية وتاريخية لإنقاذ هذا الوطن، بعد حالة الانكشاف الاقتصادى وخلل الأزمة المعيشية والتنموية والاجتماعية التى نعيشها هذه الأيام، حيث حان الوقت لكسر حالة الاستعصاء الاقتصادى تلك، لأننا لا يمكن أن نظل نعيش أسرى لهذا الوضع السحيق أو الإبقاء على تلك الأوضاع الاقتصادية فى العناية الفائقة الى ما لا نهاية، حيث إنه بعد ثورتين فى مصر بلغت قمة نجاحهما ثورة 30 يونيو غير مسموح لنا بالفشل.
حيث بات من الضرورى إخراج هذا الوطن من حفرته الاقتصادية، وأوضاع شعبه المعيشية التى كان من الممكن أن تصل الى حالة مأساوية من الفقر والفاقة والعوز، وبالتالى إعلان فشل هذه الدولة كما فعلت اليونان من قبل فى العامين الماضيين، وبالتالى إصدار أحكام العالم علينا بأننا صرنا الدولة الفاشلة المأزومة التى تستعد للخروج من التاريخ.
وبالتالى أرجو ألا أكون بحاجة الى تسجيل المزيد من الوقائع والأحداث والأوضاع المأساوية التى كنا وسنبقى أسرى لها لولا تلك القرارات الأخيرة الجريئة، وماذا سيكون حالنا وواقعنا وقادم أيامنا اذا لم نسارع بقرار وخطوة تحرير سعر الصرف أو إعادة تصحيح وتقويم مسار الدعم فى مصر الذى يستنزف الخزانة العامة وأغلبية موارد الدولة، الى جانب فوائد وأقساط الدين العام التراكمى ربما الأجيال الحالية والغالبية الكاسحة من الشعب المصرى ستدفع فواتير هذا الإصلاح الآن وغدا، ولكنه دواء لمرض لابد ولا مفر منه وإلا سيكون البديل فظيعا، انسدادا اقتصاديا ومعيشيا واجتماعيا كاملا فى مصر، وبالتالى تلاحقنا سخرية وغضب الأجيال المقبلة التى ستشيعنا دعواتهم لأننا سنكون قد تركنا لهم بلدا مهمشا ضائعا صارخا فى الضياع والفوضى والفقر يسابق عتبات الانهيار، ولعلى لا أبالغ اذا قلت إن هذا البلد دون تلك الخطوات والقرارات كانت ستضيع أجيالنا تلك والأجيال المقبلة فيه دون سقف أو غطاء اقتصادى ومعيشي، ناهيك عن جثث ابنائه التى كانت ستضيع على أطرافه وفى سباق الموت الرهيب عبر رحلات الموت الجماعى فى البحر هربا وقفزا من واقع أليم فظيع.
أعلم أن هناك إجراءات وقرارات جريئة تحتاج الدولة والحكومة لاتخاذها فى قادم الأيام لتخفيف تبعات وثقل قرارات الإصلاح الاقتصادى هذه من أجل ضمان وتوفير الحماية الاجتماعية للأغلبية من الفقراء والمعدمين، وأبرزها الرقابة ومحاربة ومكافحة الغش والتهريب ومواجهة الغلاء من قبل فرق الجشعين بأيد فولاذية وأحكام رادعة ناجزة، وقطع الطريق على لصوص الشعب وقوته وتجار مواجع وآلام ومشكلات هذه الأمة، وهذا هو ما أنتظره وغيره المزيد من إجراءات رادعة ومعى الغالبية من شعبنا.
أما هؤلاء الداعون الى ما يعرف بفوضى 11/11 والنزول الى الساحات والميادين فأقول لهم تبا لكم فهذه دعوات للفوضى والتخريب وحرب للتشويه والإلغاء لكل نجاحات أقدمنا عليها وحققناها فى العامين الماضيين، وأصحابها من دعاة التشكيك والإحباط والتيئيس فلسنا فى حاجة الى المزيد من المؤامرات، فلقد دعم وناصر أصحاب تلك الدعوات الانقسام وسعوا لتشجيع التخريب وعملوا فى العامين الماضيين ضد شرعية الإنجاز وخيار الشعب والدولة، بكل الإمكانات من الدعم السياسى الخارجى الى المعنوى الى المالى وحتى بالسلاح، وبالتالى أنتم آخر من يحق لكم الحديث باسم الشعب أو دعوته للنزول ويكفى أن تنظروا الى أنفسكم فى المرآة.. كيف كنا بعد 25 يناير، ماذا فعلتم بنا؟ وكيف أصبحنا الآن؟ فتلك الدعوات وغيرها هى وصفة للتخريب.
بأوضح عبارة ممكنة أقول إن صاحب الفضل لتحرير تلك الإجراءات الصعبة والمؤلمة للإصلاح الاقتصادى هو بالطبع الرئيس عبدالفتاح السيسى، الذى رفع شعار بناء مصر القوية منذ اللحظة الأولى ورفض إبقاء المسكوت عنه لحالنا وأوضاعنا الاقتصادية وراهن على مستقبله السياسى وفتح صفحات النهضة وكتابة تاريخ جديد لهذه الأمة بدلا من الهناء والبقاء مترفا منعما على مقعد الرئيس فى قصر الاتحادية، كما فعل بعض من سبقوه فأضاعوا البلاد والعباد، وأهلكوا الشعب بأكاذيب ومشاريع وهمية سنوات طويلة من تجرع سم الفشل والخيبة ومعانقة الأوهام والغوص فى وحول المرارة والفقر والواقع الكاذب.. فتحية للسيسى وجيشنا فى تسطير أروع ملاحم وبطولات الانتصار والنجاح الاقتصادى والتنموى والعسكرى.
لمزيد من مقالات أشرف العشري; رابط دائم: