رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

حكايات من اوراق قديمة
بورصة إسكندرية .. مبنى حكايته حكاية

أمـــل الجيـــــار
«بورصة إسكندرية » مبني حكايته حكاية .. وحكاياته كلها (فخفخة وعز وفلوس بتشخلل ) وساعات حكايات حزينة وخسارة وإفلاس ولكنها في النهاية كلها حكايات إنسانية .

.حكايات ترصد قصص البشر الذين عاشوا منذ عشرات السنين يحلمون بالثراء والمال ومن أجل ذلك تجمعوا تحت مظلة “ بورصة إسكندرية “ وحكايات البورصة زمان تختلف عما يحدث الآن .. فكلمة البورصة الآن تعني المغامرة أما زمان فكانت تعني الجد والمثابرة .. والكلام عن مبني البورصة في الإسكندرية والذي أصبح أثراً بعد عين هو موضوع هذا الأسبوع من خلال الصور القديمة والكروت البوستال التي رصدت هذا المبني الفخيم الذي كان يقف شامخاً علي أحد طرفي ميدان المنشية يتحكم في حركة التجارة والصناعة المصرية حتي منتصف القرن العشرين ، فيرفع بعض التجار الي السماء ويخسف البعض الآخر الي سابع أرض .. وصور البورصة دائماً أنيقة وكذا رواده الذين يظهرون في الصور تبدو عليهم أمارات العز والثراء سواء أكانوا من البهوات ذوي الملابس الأفرنجية الأنيقة أو العمد بجلابيبهم النظيفة وأمام المبني تقف سيارات المرتادين للمكان وهي دائماً من أحدث الماركات أو حتي الحناطير بسائقيها بملابسهم الموشاة بالقصب في انتظار الخارجين من المبني . والمبني بيت القصيد حكايته يرصدها موقع البورصة المصرية فيقول أن أول صفقة قطن تمت عام 1885 «بمقهى أوروبا» بميدان القناصل والذى سمى لاحقاً ميدان محمد على، حيث كان تجار القطن يجتمعون ويعقدون صفقات قائمة على العرض والطلب بشأن القطن الطويل التيلة أو القطن القصير إلى المتوسط التيلة . وكان المتممون الاولون لصفقات القطن ينتظرون وصول صحيفة الأنباء من أوروبا لكى ترشدهم فى عملياتهم فى المستقبل، وكان مزارعو القطن الذين كانوا يقومون بتسليمه فى الموعد المحدد يحصلون علي ثقة المصدرين ومن ثّم كانوا يتسلمون طلبات كبيرة فى الموسم التالى. فكان احترام المواعيد والمصداقية من أهم قواعد هذه العملية التجارية. ومن المقهى الأوروبي انتقل متممو الصفقات إلى مبنى مجاور وعندما بدأ العمل يتزايد أنُشئت هيئة الإسكندرية للقطن بغرض التجارة فى القطن وبذور القطن والحبوب فى الأسواق الفورية والآجلة.

وفى عام 1899 خلال عهد الخديو عباس الثانى انتقلوا إلى مبنى جديد أُطلق عليه البورصة بميدان محمد على. وأصبحت بورصة الإسكندرية إحدى معالم المدينة ، وفيها قُننت عقود بيع القطن الآجلة عام 1909 لتتوافق مع انتعاش مصر ، ومن بين سماسرة القطن الخمسة والثلاثين المسجلين فى عام 1950 لم يكن هناك سوى اثنين فقط من المصريين، كما تألف مديرو بورصة الإسكندرية من مزيج غير متساو من المصريين والشاميين واليهود وكان رئيسها سورى الجنسية يدعى جول كلات بك. وعلى الرغم مما اتسمت به البورصة من مزيج عرقى فإن الهيئة كانت قد قطعت شوطاً كبيراً من خلال أكبر مصدرين للقطن فى الإسكندرية وهما عائلة كارفرو وعائلة موس. وقد سيطر الأجانب فى الأغلب على مغازل حلج القطن، وكان فى مقدمة هؤلاء الأجانب سيليج كول ( مانشستر) و( عائلة البلانتاس (ليفر بول) و عائلة لندمانز (براغ) وكذلك ودرسدن وعائلة كورامى بناكى سافاكوس ممثلين عن الرابطة اليونانية وحتى الخمسينيات من القرن العشرين كان معظم التداول يتم مع بورصة القطن «بليفربول» . ومع مرور الوقت، أخذ عدد المصدرين الداخلين فى هذه التجارة يزداد ، ولقد ضم التجار الجدد كلا من طلعت حرب باشا، مؤسس مجموعة شركات بنك مصر، ومحمد فرغلى باشا، رئيس هيئة مصدرى القطن بالإسكندرية، ومن جانب الخبراء كان من بين الجدد أحمد عبد الوهاب باشا وهو وزير مالية سابق وفؤاد أباظة باشا مدير الجمعية الملكية الزراعية. وهكذا ربط موقع البورصة المصرية بدايتها بتجارة القطن المصري وازدهاره وأشار إلى أن مبني البورصة أقيم عام 1899 أما الدكتور محمد عوض أشهر من أرخ لمباني الإسكندرية وتراثها القديم فكان له رأي آخر عن تاريخ البورصة فيقول في مقالته “ تحولات المنشية “ إن «ميدان القناصل» الجديد قام بتصميمه المهندس «مَنشيني» الذي قيل إنه قام بتصميم معظم مبانيه ومن أهمها قصر المسيو «توسيتزا» (القنصل اليوناني) الذي كان يقف بشموخ على رأس الجهة الشرقية للميدان ، وفي عام 1866 أُنشئت بورصة تبادل الأوراق المالية برأس مال أولي بلغ 24 ألف جنيه. واستُخدم قصر «توسيتزا» كمقر للبورصة الجديدة، وأيضا كمقر لمكاتب الإشراف الصحى و«الأورناطو». كما ضم المبنى أيضا مقر «النادي الدولي» ومكتبة عامة… وبهذا يتضح أنه كان للبورصة مبني منذ 1866 ولم تكن المعاملات تتم علي المقاهى ، وعند ضرب الإسكندرية عام 1882 كان ميدان محمد علي مسرحا لهذه الأحداث، ولم ينجُ من التدمير سوى مبنيين فقط، وهما البورصة وكنيسة «سانت مارك» وهو ما يظهر في الصور القديمة ، وقد أُقيمت محكمة عسكرية أمام قصر «توسيتزا» أو البورصة وأُصدرت أحكاما سريعة. وكانت «المنشية» نفسها مسرحا لعمليات الإعدام العلنية .في أعقاب القصف تم إعادة بناء ميدان «محمد علي» وتم تجديد مبني «البورصة» في قصر «توسيتزا” وعلي الرغم من قيام النخبة بنقل مساكنهم نحو شارع «رشيد» مثل «أجيون» و«سرسق» و«پيني»، أو إلى «الحي اليوناني» مثل «بِناكي» و«سالڤاجو»، أو إلى حي «محرم بك» مثل «مِنشّا» و«جرين» و«عَداه» إلا أن المنشية استمرت في الحفاظ على أهميتها بسبب وجود البورصة. و في فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى ازدهر الاقتصاد المصري بسبب الزيادة في أسعار القطن مما زاد من ثراء تجار المدينة ،وكان «ج. قرداحي» المعروف باسم «ملك البورصة» من بين الأثرياء الموجودين بالميدان. في عام 1926 قام بتمويل إنشاء مبنى شديد التميز قام بتصميمه المعماريون الفرنسيون «أ. دريسي» و«ل. أودين» و«ر. ليكار» كان طرازه المعماري انتقائيا محافظا.

ومنذ بداية الستينيات سيطرت دولة ناصر الاشتراكية على معظم الصناعات والخدمات من خلال القطاع العام وتقلصت المشاريع الخاصة، لدرجة أن بورصة الأوراق المالية توقفت أعمالها تقريبا. وأصبح مبنى البورصة العظيم مقرا للحزب «الاتحاد الوطني» ثم لاحقا «الاتحاد الاشتراكي» وكان شاهداً علي المحاولة الفاشلة لاغتيال جمال عبد الناصر ثم احترق المبنى من الداخل جزئيا خلال «انتفاضة الخبز» عام 1977، وبعد أن دُمّر جزئيا، تم هدمه في بداية الثمانينيات وهو الآن قطعة أرض خالية تستخدم كموقف للسيارات.

كانت هذه باختصار حكاية المبني العظيم “ البورصة “ الذي شهد الكثير من انتصارات وانكسارات الوطن .. والله علي إسكندرية زمان.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق