رئيس مجلس الادارة
أحمد السيد النجار
رئيس التحرير
محمد عبد الهادي علام
يشهد الخطاب الدينى فى هذه الآونة المعاصرة بعثًا جديدًا توجبه المقاصد الشرعيَّة وتقتضيه ضرورات العصر وتمليه تلك النقلة النوعية التى أفرزتها مستجدات العولمة ونوازل الحداثة. وتسهم دار الإفتاء المصرية مساهمة جادة فى تجديد الخطاب الدينى عبر عقودها المتعاقبة من حيثياته المختلفة، خاصة فى مجالات رسالتها التى تتلخص فى رفع لواء البحث الفقهى بين المشتغلين به فى كل بلدان العالم، ووَصْلِ المسلمين المعاصرين بأصول دينهم، من خلال الكشف عن أحكام الإسلام فى كل ما استجدَّ على ساحة الحياة المعاصرة. وفى سبيل القيام بهذه المهمة الكبيرة تتفاعل دار الإفتاء بجدية وبصورة لحظية يومية مع المسلمين محليًّا وعالميًّا، منطلقة فى ذلك من دورها الريادى ومرجعيتها العلمية العريقة ومنهجيتها الوسطية فى فهم الأحكام الشرعية المستمدة من الفقه الموروث على نحو من التوافق بين الرؤية الشرعية ومقتضيات العصر وحاجة المجتمع. إن تأسيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم يُعَدُّ إسهامًا فى مسيرة التجديد والإحياء، وأصبحت بحمد الله إنجازا متحققا على أرض الواقع؛ استجابة للمبادرات التى طرحها المؤتمر العالمى للإفتاء، الذى أقامته دار الإفتاء المصرية فى الفترة من 17 إلى 18 أغسطس من العام الماضي، وهى مبادرة مصرية خالصة تسهم فى عودة الريادة الإفتائية لهذه المؤسسة المصرية العريقة. إن هذا المؤتمر الذى تعقده الأمانة العامة فى 17 و 18 من الشهر الجارى يكشف عن سمات ورسائل الجهود الحثيثة التى تبذلها مؤسسة دار الإفتاء المصرية فى إطار تجديد الخطاب الدينى على المستوى المحلى والعالمي، خاصة أنه يعقد على الأرض التى تحمل تاريخيًّا لواء الاعتدال المنهجى والتجديد الفكرى والاستنارة الحضارية بكعبة العلم المتمثلة فى الأزهر الشريف الذى سيظل الحامل الأصيل لمشاعل منهج أهل السنة والجماعة، والحصن الحصين للأمة أمام موجات التطرف والعنف ودعوات تفريق أمتنا الجامعة وشرذمتها وتفتيت وحدتها. والغرض من هذا المؤتمر تفعيل التواصل وتحقيق التكامل بين المؤسسات والهيئات الإفتائية فى العالم بما يشكل تكتلًا إفتائيًّا رصينًا، يعمل على نشر الوعى الإفتائى الصحيح بين أفراد المجتمعات المسلمة فى ربوع المعمورة، بما يسهم بشكل فعال فى تنمية هذه المجتمعات ورقيها وتحصينها أمام التحديات التى تواجهها، وتقليل فجوة الاختلاف بين جهات الإفتاء، ودعم الأقليات المسلمة فى العالم. والمتأمل فى أحوال الأمة العصيبة التى تمر بها يجد أن انعقاد هذا المؤتمر فى هذا التوقيت يمثل نقطة فارقة فى التاريخ المعاصر، وتتسع هذه المهمة وتتزايد جسامتها إذا أضفنا إليها حجم التحديات والأعباء التى تواجهها الأقليات المسلمة حول العالم،كما أن الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم تهدف من هذا المؤتمر تقديم دعم علمي كبير لقادة الشأن الدينى فى أماكن وجود الجاليات المسلمة حول العالم، خاصة أئمة المساجد. وتعتمد الأمانة العامة فى سبيل التأسيس العلمى للمؤتمر على ثلاثيتين، هما: ثلاثية الاحتياجات التأهيلية للمفتين، التى تبرز عناصر المسيرة التأهيلية الإفتائية لشخص المتصدر للإفتاء. وثلاثية واجب الوقت للمشتغلين بالشأن الديني، وهى تتكون من ثلاثة عناصر: إدراك النص، ثم إدراك الواقع، ثم إدراك كيفية تنزيل هذا النص على هذا الواقع. وتتحقق هذه الرسائل والأهداف من خلال الأبحاث العلمية الرصينة التى تناولتها محاور المؤتمر مع عقد عدد من ورش العمل والجلسات العلمية التى سيراعى فيها واقع الجاليات المسلمة وتحدياتها المستقبلية، للوقوف على قضاياها الحالية والمستقبلية، ودعمها على بينة واستنارة علمية، بما يرسخ تعايش هذه الجاليات والاندماج مع مجتمعاتهم، ويمكنهم من الشراكة الحقيقية مع تلك المجتمعات. وأنتهز هذه الفرصة لأن أدعو جميع المعنيين بهذا الأمر من المؤسسات والهيئات والأفراد محليًّا وعالميًّا إلى التكاتف مع دار الإفتاء والمشاركة الإيجابية لإنجاح هذه الجهود وتحقيق الثمرة المرجوة منها فى سبيل رفعة هذه الأمة وتحقيق عزها. لمزيد من مقالات د. شوقى علام