رئيس مجلس الادارة
أحمد السيد النجار
رئيس التحرير
محمد عبد الهادي علام
التي كان يجلس علي عرشها ، وحكاية هذا الأسبوع عن جسر أو كوبري عبرت عليه القاهرة المحروسة من الماضي البسيط الي حاضر مشرق وأنيق وجميل ، كوبري نقل المدينة من غياهب الفقر والبساطة الي عتبات المدنية والتقدم ، كوبري كان أعجوبة زمانه ، وحكاية علي كل الألسنة وكانت التمشية عليه هي فسحة أهل البلد و (الأوروباويين ) أو الأجانب كما كان يُطلق عليهم ، كوبري دخل به الخديو إسماعيل القرن التاسع عشر من أوسع أبوابه .. حكاية هذا الأسبوع مثيرة وجميلة وأنيقة عن كوبري قصر النيل من خلال الرسومات والصور التي نُشرت عنه في المجلات والجرائد العالمية والتي طيرت خبر إنشائه بكل اللغات الي كل أهالي الكرة الأرضية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر .. حكاية ترجع لأكثر من ١٤٧ عاماً حينما فكر الخديو إسماعيل في إنشاء جسر يربط بين ميدان الإسماعيلية أو ( التحرير ) الذي استحدثه علي غرار ميادين باريس والضفة الغربية من النيل تقليداً للجسور والكباري الموجودة في المدن الأوروبية والتي تسهل انتقال الناس فوق الأنهار لتلافي الطريقة البدائية التي كانت مستخدمة وهي وضع المراكب الشراعية بجوار بعضها البعض وعليها ألواح من الخشب يسير الناس عليها مما يعرضهم للخطر أو السقوط في الماء . ولاختيار كوبري قصر النيل موضوعاً لحكاية هذا الأسبوع مناسبة أراها أنا حزينة وتبعث علي الإستياء والغضب وتستلزم وقفة جادة إذا ثبت صحتها لمعاقبة المتسبب فيها.. فقد أصدرت النيابة الإدارية قراراً بالتحقيق فيما تداولته بعض وسائل الإعلام عن وقائع إهمال في ترميم وصيانة كوبري قصر النيل مما أدى إلى تدهور حالته وحدوث هبوط ظاهري في البلاطة الرئيسية به والتي تقع في منتصف الكوبري رغم خضوعه لعملية تطوير وصيانة بتكلفة وصلت الي ٨ ملايين جنيه مما حدا بالمسئولين عن الكوبري لوضع سلك من الصلب لتثبيت البلاطات الثابتة والمتحركة ببعضها ، بعد أن وصلت مسافة الهبوط بين البلاطة الأولى الثابتة والثانية المتحركة ٩ سم . وحكاية إنشاء الكوبري كما يقول الأثري أحمد عبد الفتاح ترجع الي عام ١٨٦٩ حينما قامت الحكومة المصرية بإسناد المشروع لشركة فيف - ليل الفرنسية بتكلفة بلغت ١٠٨ آلاف جنيه مصري ، واستغرق العمل ثلاث سنوات وبلغ طول الكوبري ٤٠٦ أمتار وعرضه ١٠ أمتار ، وكان مكوناً من عدة أجزاء منها جزء متحرك لعبور المراكب والسفن يتم فتحه يدوياً .. وبعد الانتهاء من البناء تم تشكيل لجنة برئاسة محمود باشا الفلكي رئيس ديوان الأشغال وعضوية مجموعة مُعتبرة من المهندسين لاختبار متانة جسم الكوبري من خلال السماح بمرور فرقة كاملة من الجيش المصري عليه بكامل أسلحتهم ومدافعهم للتأكد من صلابته وصلاحيته للاستخدام ، وبعد الإنتهاء من العمل قامت شركة فيف ــ ليل بإهداء الخديو ماكيت ــ مصغر الكوبري من الذهب الخالص. الطريف أن الكوبري أعجوبة زمانه لم يكن العبور عليه بالمجان فقد أصدر الخديو مرسوماً يقضي بوضع حواجز علي مدخليه لدفع رسوم عبور بدءاً من ٢٧فبراير ١٨٧٢ أي بعد ١٧ يوما من الافتتاح لكي تُستخدم في أعمال الصيانة وحُددت الرسوم كالتالي : الجمل المحمل قرشين و الفارغ قرشاً واحداً و الخيول و البغال قرشا و ١٥ بارة و الجاموس و الأبقار قرشا و١٥ بارة لكل واحدة. وعربات الكارو المجوز المحملة ثلاثة قروش، و الفارغة قرشا ً و عشرين بارة، و المفرد المحملة قرشين، و الفارغة قرشاً واحداً، وعربة الكارو الحمارى المحملة قرشاً وعشرين بارة و الفارغة عشرين بارة. وكل واحدة من الغنم أو الماعز عشر بارات ( والبارة وهي العملة المستخدمة في ذلك الوقت وكانت قيمة البار الواحدة تقدر بربع المليم) وعربات الركوب قرشين للعربة المُحملة وقرشا للفارغة وعربات الكارو والأغنام والماعز والنعام الصغير والكبير والغزلان والكلاب والخنازير والقرود والحلوف وكأن هذه الحيوانات كان من الطبيعي تواجدها في مصر زمان ، أما البشر فكانت رسوم العبور للرجال والنساء ١٠٠ فضة سواء أكانوا يحملون بضائع أو لا يحملون ، أما الإعفاء الوحيد فكان للأطفال دون سن ست سنوات من المارين مع أقاربهم. أما الأسود الأربعة التى يحرس جانبي الكوبري فقد كلف الخديو اسماعيل شريف باشا ناظر الداخلية في أبريل ١٨٧١ بالاتصال بالخواجة جاكمار الفرنسي لعمل 4 تماثيل أسود وتم تخصيص مبلغ ١٩٨ ألف فرنك للإنفاق علي المشروع. وقد تم تصنيع التماثيل من البرونز في فرنسا ونُقلت الي الإسكندرية ومنها إلي موضعها الحالي ، وقد التصق إسم «أبو السباع» بالخديو اسماعيل بإعتبار أنه من أحضرهم . وفي عهد الملك فؤاد تقرر هدم الكوبرى القديم وإنشاء كوبرى آخر حديث وُطرح المشروع في مناقصة عام ١٩٣٠ ورست على شركة دورمان لونج الإنجليزية بتكاليف قدرها ٣٠٨٢٥٠ جنيهً و٢٥٠ مليم وافتتحه الملك فؤاد في منتصف ١٩٣٣ وأطلق عليه اسم والده الخديو إسماعيل وأصبح طول الكوبرى الجديد ٣٨٢متراً وعشرين سم وعرضه٢٠ متراً كما أعاد وضع الأسود علي مدخليه تنفيذاً لأوامر أبيه . أما اسم قصر النيل الذي التصق بالكوبري فيرجع الي وجود قصر أقيم علي ضفة النيل لزينب هانم بنت محمد علي باشا تم هدمه في عهد سعيد باشا عم إسماعيل وأقيم مكانه ثكنات للجيش المصري صارت فيما بعد ثكنات قصر النيل التي اتخذها الجيش الإنجليزي مقراً له .. ولهذا يُعد كوبري قصر النيل جزءا لا يتجزأ من تاريخ مصر الخديوية الجميلة يجب المحافظة عليه ومعاقبة كل من تسول له نفسه التسبب في تدميره أو حتي ضياع جزء من ملامحه وهويته .. فلو كان الخديو إسماعيل حياً وسمع بما حدث من هبوط للكوبري بعد ما تم من إنفاقه لتطويره وترميمه لعلق المخطئين في المشانق علي مدخلي الكوبري .. والله علي مصر وجسورها وكباريها زمان .