رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

بعد تواطؤ أوباما والكونجرس.. تحسسوا رقابكم

خيبة أمل كبيرة مازالت تعترى المملكة العربية السعودية وغالبية العواصم العربية، جراء تلك الجريمة التى أقدمت عليها الولايات المتحدة الأمريكية، ممثلة فى الإدارة الأمريكية نفسها، ومجلس الشيوخ، جراء تمرير قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب، أو ما يعرف اختصارا بـ«الجاستا» الذى أقل ما يوصف بالنذالة والخسة الأمريكية غير المقبولة أو المبررة فى التعامل مع الأصدقاء والحلفاء فى إقليم الشرق الأوسط.. وفى مثل هذا التوقيت وبمثل هذه السرعة فى الأداء والإقرار بعيدا عن العقلانية والرشادة السياسية.. بحثا عن مكاسب رخيصة فى معارك الانتخابات الرئاسية وسباق عضوية الكونجرس فى الثامن من نوفمبر المقبل، هذه الطعنة الأمريكية بخنجر مسموم، من شأنها أن تغير قواعد لعبة العلاقات الأمريكية ـ السعودية من ناحية، والأمريكية ـ العربية من ناحية أخري، بعد أن وقر فى الذهن وثبت باليقين أن أمريكا ليست حريصة على شراكتها مع المملكة العربية السعودية، أو الدول العربية الكبرى فى الإقليم، لأنه بإقرار هذا القانون الذى ستكون له فيما بعد تبعات كارثية على مجمل تلك العلاقات والحضور الأمريكى فى المنطقة، بما يعكس مجمل التحولات الدراماتيكية الأمريكية بشأن شئون وشجون الإقليم بعد حالة تبادل الغزل اللافت مع إيران، بعد اتفاق «خمسة زائد واحد» بشأن البرنامج النووى الإيرانى وحالة التقاعس اللافت عن رفع اليد واتباع سياسة الهروب إلى الأمام بشأن تعطيل قضايا المنطقة، أو تراجع منسوب التعاطى الأمريكى معها وترك الساحة لروسيا والقيصر بوتين، لتصبح اللاعب الأول والرئيسى حاليا فى الإقليم.

اللافت للنظر الذى لا يحتاج إلى التأويل والتمحيص، أن قرار الكونجرس الأمريكي، خاصة مجلس الشيوخ، قرار مسيس وانتقامى وقصير النظر، يحمل هذه المرة دون جدال طابع المؤامرة، اذ لا يمكن تقبل أو تفسير مثل هذا الإجماع وتجاوز كتلة التصويت بالثلثين لإفساد وتعطيل قرار الفيتو من قبل الرئيس أوباما، وفى أيام معدودة فى الوقت الذى أكدت فيه تقارير الاستخبارات الأمريكية ورئيسها، وكذلك البنتاجون ووزير الدفاع الأمريكي، طيلة الأسابيع الماضية، وحتى فى الصفحات الثمانى والعشرين الخاصة بعملية أحداث 11 سبتمبر تبرئة تامة للمملكة العربية السعودية من شبهة الإرهاب أو التورط من قريب أو بعيد فى مثل هذا الأمر، الأمر الذى يثير الجدل السياسى أكثر من أى قرار، أو قدرة على تطبيقه لأنه يحمل كثيرا من العوار فى القانون الدولي، ويعرض السيادة الدولية والحصانة السيادية للدول للضرر البالغ ويعرض مصالح الجميع، بما فيها الولايات المتحدة نفسها، فى المقدمة لكوارث من الملاحقة الدولية.

حيث إن حجم الإدانة والانتهاكات والتورط الأمريكى وارتكاب جرائم حرب وقتل مئات الآلاف فى العالم، خاصة فى العراق وليبيا وسوريا وأفغانستان وباكستان، من المدنيين يستحق المساءلة والملاحقة القانونية، وبالتالى فلتكن المعاملة بالمثل حيث يجب على برلمانات دول العالم العربى والإقليم أن تجهز وتقر قوانين وتشريعات ملاحقة وتقاضى رجال الاستخبارات والجنود والقادة العسكريين الأمريكيين جراء جرائمهم وممارساتهم القاتلة فى المنطقة، ومجازر وحمامات الدم فى العراق خير دليل، فالملفات بأسماء الضحايا والوثائق بالصوت والصورة حاضرة وجاهزة ووغيرها وغيرها حدث ولا حرج، وبات ينطبق عليهم قاعدة إذا بليتم بالمعاصى فاعترفوا.

ليس لدى أدنى شك أن شبهة التآمر ولعبة الكيمياء السلبية والموقف غير الودى للرئيس أوباما ضد المملكة العربية السعودية ومصر ودول خليجية قد لعب دورا مؤثرا فى تزكية وإقرار هذا القانون بطريقة مباشرة وغير ضمنية، حيث كان يستطيع هو وإدارته بكثير من الجهد والاتصال المباشر مع أعضاء الحزبين الديمقراطى والجمهورى فى الكونجرس، وشرح واف والتعريف بالأخطار وحجم الأثمان والفواتير التى ستسددها واشنطن جراء مثل هذا القانون سيكون كبيرا ومرتفعا للغاية، ولكنه لم يفعل وقد فضحته فى هذا الشأن وكشفت المستور قيادية فى حزبه الديمقراطي، وهى نانسى بلوسى زعيمة الأقلية فى مجلس النواب، عندما قالت أمس الأول إن أوباما لم يبذل أدنى مجهود فى تعطيل هذا القانون المعيب ولم يتصل بنا أو إدارته للتعبئة وقيادة حرب مضادة لتعطيل أو وأد هذا القانون، مضيفة وكأنه كان يتمنى فى قرارة نفسه تمريره، والنتيجة ستكون خسارة وتراجعا وخللا فى علاقاتنا مع أصدقائنا فى الخليج وغالبية الدول العربية الكبرى فى الإقليم، التى لن ترضى أو تقبل تطبيق هذا القانون.

وأنا بدورى أتساءل اعتمادا على الذى كشفته نانسى بلوسى قيادية حزب الديمقراطيين، بماذا تختلف إدارة باراك أوباما التى خدعت العرب وسكان المنطقة قرابة ثمانى سنوات أبكانا جميعا وأوجع قلوبنا بالحديث عن براعة قيادته وإدارته لحل قضايا المنطقة ونشر قيم التسامح والسلام والتعايش دون أن يذرف دمعة واحدة أو يقدم الحد الأدنى من الحلول لقضايا المنطقة عن نفس أداء ومسلك إدارة جورج بوش الابن معنا.

بل على العكس جاء الرد من إدارة أوباما ومجلس الشيوخ قاسيا ولئيما وباردا بإقرار هذا القانون، الذى يمثل مرحلة الموجة الثالثة من التآمر الأمريكى ضد الخليج والدول العربية الكبرى فى الإقليم.

بالفعل كان من الذكاء السياسى والحنكة الدبلوماسية والعقلانية السعودية، أن المملكة لم تلجأ إلى الإقدام على خطوات انفعالية للانتقام من الولايات المتحدة، بل لجأت إلى التحلى بالحكمة والرشادة والعقلانية السياسية، لدراسة الأمر واتخاذ خطوات متدرجة تصعيدية توجع واشنطن برغم امتلاكها سلة متكاملة من أوراق الضغط، كسحب الأرصدة السعودية ووقف مجمل الاستثمارات السعودية فى واشنطن، كذلك تعطيل عمل الشركات الصناعية الأمريكية الكبرى فى المملكة، وكذلك وقف التنسيق الأمنى والاستخباراتى فى مجال مكافحة الإرهاب والأمن ولكنها كانت ومازالت جادة بالتحذير من العواقب الوخيمة لمثل هذا القرار على واشنطن نفسها أكثر من غيرها.

وتبقى جدية التحرك العربى لمواجهة هذا الواقع الأمريكى الجديد بيد العرب أنفسهم، وجميعا خاصة الدول الكبرى فى الإقليم ممثلة فى المملكة ومصر والإمارات وسائر دول الخليج، ودول المغرب العربى لإيجاد مقاربة عربية قوية ومضادة ورادعة لإفشال وإلغاء ومجابهة هذا القرار الأمريكى وفرض واقع من الندية والقوة العربية فى مواجهة مثل هذا الاستغلال الأمريكى للواقع العربى حاليا.

ولا يعتقد أحد منا أن مثل هذا القانون الأمريكى المعيب والسفيه موجه إلى السعودية وحدها، بل لكل الدول العربية خاصة الكبرى منها، وهى إشارة أمريكية لأن يتحسس الجميع فى عالمنا العربى رقابهم، وهو ما يجب أن نرفضه ونواجهه، فالجميع السعودية ومصر وغيرهما فى مركب واحدة فجسر الثقة الذى عاد مع أمريكا حاليا قد انهار، وبات تصرف إدارة أوباما والكونجرس كمن يطلقون النار على أنفسهم حيث ثبت بالتجربة وحكمة الأيام، أن أوباما نفسه لم يعرف اللعبة واللاعبين فى الشرق الأوسط، وبالتالى وجب على واشنطن الرجوع إلى الحق فذلك خير من التمادى فى الباطل.


لمزيد من مقالات أشرف العشرى

رابط دائم: