رئيس مجلس الادارة
أحمد السيد النجار
رئيس التحرير
محمد عبد الهادي علام
اتخذنا قرارا «عنتريا» بوقف استيراد القمح المحتوي على أي نسبة من فطر الإرجوت، رغم أن المعايير العالمية التي وضعتها منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة «الفاو» تتيح وجود نسبة لا تتعدى 0٫05% من هذا الفطر في القمح. طبعا مؤيدو هذا القرار يرون أن القمح بالإرجوت له أضرار صحية على الإنسان وعلى المحاصيل الزراعية، وهو رأي يعتد به، ولكن المعارضين يرون أنه لا بأس من استيراد قمح يحتوي فقط على النسب المسموح بها عالميا من هذا الفطر، بدليل أن معظم دول العالم المستوردة للقمح، وبعضها أكثر تقدما منا، تفعل ذلك. أعداء الإرجوت يردون على ذلك أيضا بالقول إنه من الخطر استيراد القمح بأي نسبة إرجوت لأننا نستهلك الخبز بكميات كبيرة يوميا، بعكس الدول الأخرى، مما يزيد خطر الإصابة بأضراره، ولكن المعارضين يعتبرون أنه لا يوجد أي أساس علمي لهذه المخاوف، ويرون أن الحظر الكامل غير واقعي و«متهور». طبعا الموضوع صعب ومعقد من الناحية العلمية، وأيضا من الناحية الاقتصادية، وله أبعاد أخرى سياسية، وكل الآراء فيه لها اعتبارها، ولكننا كالعادة وللأسف الشديد أسندنا الأمر إلى غير أهله، فتركنا الإعلام «يولول» رافعا شعار «صحة الشعب» و«إحنا مع الغلابة»، دون النظر إلى أي اعتبارات أخرى، وفتحنا باب النقاش في الأمر أمام كل من هب ودب من السذج وأصحاب المصالح، والذين أوصلونا إلى ما وصلنا إليه. فأولا، تسببنا بهذا القرار في أزمة تجارية عالمية تحدثت عنها صحيفة «فايننشال تايمز» في تقرير الإثنين الماضي، أكدت فيه أن مصر التي تعد من أكبر مستوردي القمح في العالم ألحقت خسائر هائلة بمصدر القمح المحتوي على النسب العالمية من الإرجوت نتيجة إلغاء تعاقدات بأثر رجعي ووقف شحنات كانت في طريقها لمصر بالفعل، مما أدى إلى ارتباك شديد في الأسواق العالمية، بل وإلى ارتفاع في الأسعار! وثانيا، تسببنا في أزمة جديدة في العلاقات مع دول صديقة، وعلى رأسها روسيا، التي ردت على القرار المصري المباغت بحظر مماثل على وارداتها الزراعية من مصر، وسارت على نهجها دول أخرى بعضها دول «صديقة» للأسف! وثالثا : تسببنا في أزمة صادرات خطيرة، بما يعني تراجعا متوقعا في النقد الأجنبي، نحن في غنى عنه، حيث جاء قرار الإرجوت في نفس توقيت الضجة المثارة في الولايات المتحدة حول صادرات الفراولة المصرية، سواء كان ذلك صحيحا أم مجرد «شائعات». أما رابعا، وهو الأسوأ، فقد تسببنا في أزمة طاحنة لا يعلم أحد متى ستبدأ ولا كيف ستنتهي، بعد أن فشلت هيئة السلع التموينية يوم الإثنين الماضي، وللمرة الثالثة على التوالي، في اجتذاب أي عروض في المناقصة التي طرحتها لشراء القمح المستورد الذي يحتوي على نسبة صفر% إرجوت، والذي لا يتم إنتاجه عادة في الدول الموردة لمصر، وعلى رأسها روسيا وأوكرانيا ورومانيا، في حين أن الدول المنتجة للقمح الخالي من الإرجوت تماما دول ضئيلة، وغالبا ما تقبل تصديره بأسعار مرتفعة. فهل نحن الآن أمام أزمة مفتعلة باسم «صحة المصريين»، هدفها الحقيقي خدمة مصالح دول بعينها، أو تجار بعينهم؟ أو توريطنا في أزمات خارجية جديدة؟ أم أن المطلوب هو «الكعكة» الكبيرة، وهي ضرب منظومة الخبز كلها، وعودة مشاهد طوابير رغيف العيش؟ علما بأن الخبز يا سادة ليس «بامية» ولا «فاصوليا» و«لا كروت شحن»! أخيرا : لا أعرف لماذا تذكرت الآن «نكتة» الراحلة سعاد نصر وهي تقول في مسرحية «الهمجي» : «مرات صاحبك مش نضيفة .. الشاي فيه فتلة»! لمزيد من مقالات هـانى عسل