رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

نحو مجتمع مستقر الحج ووحدة المسلمين

الحج عبادة جامعة لخصال الخير ووجوه البر ومظاهر الإحسان، وهو موسم سنوي عام وجامع للمسلمين من مختلف بقاع المعمورة، ومن ثَمَّ فهو سمة حقيقية من سمات وحدة المسلمين واعتصامهم واجتماع كلمتهم على التواصي بالحق والتواصي بالصبر.

وهو أعظم مؤتمر إسلامي يحقق من خلاله المسلمون مصالح ومنافع مختصة بهذه العبادة دينية ودنيوية لا توجد مجتمعة في غيرها من العبادات، ولا ريب فإن مقاصد الشرع الشريف ومبانيه مفردة ومجتمعة توجب على المسلمين التحلي بالوحدة والتمسك باجتماع الكلمة، وقد تواردت النصوص الشرعيَّة على تقرير هذه المعاني التي تحثُّ المسلمين على الاعتصام بحبل الله المتين، ناهية إياهم عن الانفصال عنه. نعم ففي الحج تنصهر مظاهر الفروق وأسباب التمييز التي يتفاضل من خلالها الناس، سواء كانت من جهة اللون أو الجنس أو اللغة أو الطبقة أو الوظيفة، ومن ثَمًّ أصبح هذا الاختلاف البشري الحاصل من أصل الخِلْقَة سببًا دافعًا للتعارف والتعاون لا للتصارع والتقاطع، وذلك المقصد يرتكز عليه أداء الحاج مناسك الحج وأحكامه التي هي شريعة عامة لا يتفاوت فيها المكلفون من حيث الأصل مع تحليهم بوحدة الشكل والمظهر ووحدة النداء والتلبية، مما يؤكد أن أعمال هذه الشعيرة الإسلامية ليست مقصودة في نفسها، بقدر ما هي مشروعة لمقاصد أخرى كبرى. ونلاحظ في سياق التأكيد على وحدة المسلمين وضرورة ترسيخ التعاون والتضامن فيما بينهم أن النبي صلى الله عليه وسلم لفت إلى هذه المعاني السامية والمرامي النبيلة الأهداف في خطبة من خطبه البليغة التي ألقاها في حجة الوداع. ورغم تثبيت الشرع الشريف لهذه المقاصد وتقريره لتلك الأوامر الشرعيَّة وترسيخه لهذه المظاهر المرعية التي تؤكد وجوب وحدة المسلمين وتضامنهم في حياتهم وسائر شئونهم – فإنا نجد أناسا يحرصون على تسييس الشعائر الإسلامية والعبادات الدينية، خاصة شعيرة الحج، متخذين من كل شيء سبيلا لتحقيق مآربهم الشخصية الضيقة، حتى وإن كانوا ذاهبين إلى أقدس الشعائر!، حيث نلاحظ بعضهم يقوم برفع إشارتهم بصمت دون ترديد أي هتافات، أو يطبع تلك الإشارات ويلصقها بملابس الإحرام.

ولا يخفى أن هذه الدعوات والشعارات مائلة عن نهج الحق، فلا تزيد كثرة النداء بتلك الشعارات إلا مقتًا لها ولأصحابها، لمخالفتها الصريحة لآداب الحج ومناسكه الشريفة، ومقاصده الجليلة السامية، وأماكنه المقدسة المنيفة، لأنها تثير الضغائن والأحقاد والنزاعات التي تشغل الحاج عن روح العبادة، وتُحْدِثُ فتنةً في الحَرَمِ بما تجرُّ إليه أمثال هذه الشعارات والتظاهرات من فوضى وتراشق وتنازع.

وهو أمر مخالف لما شرعه الله تعالى ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، قال جلَّ شأنه: «الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجّ» [البقرة: 197]، وقال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ حَجَّ هَذَا البَيْتَ، فَلَمْ يَرْفُثْ، وَلَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» (متفق عليه). ومن ذلك نعلم أن الحج منسك عظيم من شعائر الإسلام، وموسم جليل تتحقق فيه سمات وحدة المسلمين مخبرًا ومظهرًا وتظهر منه أسباب عزتهم وقوتهم نظرية وتطبيقا، وتُصهر فيه كل مظاهر الفُرْقَة والتمييز بينهم، العِرْق واللغة والإقليم والطبقة واللون، فهم أمة واحدة كما أراد الله تعالى وأرشد إليه في قولِه الكريم: «وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ» [المؤمنون: 52]، لا أمم شتى كما يريد لهم أعداؤهم. فليربأ المسلمون بأنفسهم عن مظاهر الفرقة وأسباب التنازع والتحزب التي فشلت نظرًا وحسًّا في بناء الشخصية الإسلاميَّة السوية أوتشييد العقول الحية المبصرة القادرة على بناء المواقف وصناعة الأحداث، حتى يحققوا مقصد الحج الأعظم، وهو وحدة الصف والكلمة والاجتماع على قلب رجل واحد، وبذلك يسيروا مسيرة التقدم والحضارة على هدى وبصيرة، فيكونوا كأسلافهم الذين عملوا بإخلاص للدين وللدنيا.


لمزيد من مقالات د شوقى علام

رابط دائم: