رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

حكايات من اوراق قديمة
مراجيح العيد .. فرحة قديمة

أمـــل الجيـــــار
مراجيح العيد .. فرحة بسيطة .. قديمة ولكنها متجددة .. متكررة وتشع بالفرحة والسعادة ومع كل لفة ودورة للمرجيحة الخشبية أو المعدنية البسيطة في ميادين مصر وساحاتها تتعالي صيحات وضحكات الأطفال ،

ومع كل ضحكة لطفل تزيد الفرحة وتتراكم السعادة ويرتفع مؤشر الفرح إلي أقصي درجاته ، ومراجيح العيد إختراع مصري أصيل وحدوتة مصرية قديمة معروفة في الميادين والموالد فمع اقتراب موسم الأعياد وحلول موعد الموالد يحط الرجال السمر الأشداء ذوي العضلات البارزة أصحاب المراجيح رحالهم في الميادين الواسعة في قري ومدن مصر وينصبون ألعابهم البسيطة التي تضمن توصيل الفرح إلي كل الأطفال ويقفون محدثين جلبة وضجيج لتنبيه الأطفال إلي وجودهم ، وهنا يسرع كل طفل الي أهله ويطلب قروشا بسيطة أو « العيدية» لينفقها علي المراجيح واللعب في الميدان، والمراجيح وألعاب العيد هي حكاية هذا الأسبوع من خلال ما سجلته ريشة أحد الرسامين ونُشر بالجريدة الإنجليزية The Illustrated London News يوم السبت 6 مارس 1869 على صدر صفحتها الاولى وهي لوحة ترصد مناظر الاحتفال بالعيد فى الإسكندرية في أحد الميادين وفيها خليط بشرى متناغم ومتمازج على غرابته فمنهم الأطفال على المراجيح الخشبية والألعاب الدوارة البسيطة يقفزون ويتصايحون ومعهم بعض الفتيات في سن الشباب يتأرجحن علي مرجيحة بسيطة ويحاولن الارتفاع بها وحولهم زحام شديد من المتفرجين والأطفال الذين مازالوا في انتظار دورهم، وحاوى أو شخص يقف على عصا طويلة يبدو من ملابسه الأفرنجية أنه أوروبى وطبال وباعة وعدد من النساء يصطحبن أطفالهن، ولكن اللوحة على ازدحامها بالتفاصيل تنطق بالسعادة والفرح فالاحتفالات فى مصر بالعيد لها مذاق خاص وسواء أكنت غنيا أو فقيرا ، من الملوك أو الصعاليك فسوف تجد فى مصر الفرحة والسعادة وطعم الأفراح على كل المستويات ، أما طقوس القصور الملكية فى الأعياد فهي تختلف عن طقوس عامة الشعب ، فكان كبار رجال الدولة والوزراء يذهبون صبيحة يوم العيد للمثول بين يدى الملك فاروق بقصر عابدين لتقديم فروض التهنئة والتبريك بالعيد المبارك ويكون الحضور ببدلة التشريفة لحائزى الرتب والردنجوت والملابس الأهلية الرسمية لغيرهم . ويبدو أن تقليد الذهاب الى قصر عابدين لتقديم التهنئة للملك أو الحاكم هو تقليد قديم حيث يؤكده ألبرت فارمان فى كتابه « مصر وكيف غُدر بها» فيقول إنه فى يوم العيد يسمح الخديوى بالمقابلات «وهو هنا يقصد إسماعيل» بداية من الساعة السادسة صباحاً حيث يقابل ضباط الجيش بعد ذلك يتقدم الزوار على اختلاف درجاتهم بترتيب قد أُعد من قبل فيبدأ بمقابلة رؤساء المصالح وكبار الموظفين ثم رجال الدين فرجال القضاء وممثلى التجار والوجهاء والأعيان وأصحاب المقامات وقضاة المحاكم المختلطة وأخيراً حوالى الساعة الحادية عشرة يتقدم اليه ممثلو الدول الدبلوماسيون وهم دون غيرهم الذين يحظون بشرف الجلوس بين يدى الخديوى حيث تقدم اليهم القهوة ويتبادلون الحديث مع سموه ويقدمون له التهانى بمناسبة العيد .

ويصف الدكتور الهام محمد ذهنى احتفالات الأعياد فيقول « تضاء القاهرة بالمشاعل والأنوار وتزدحم الشوارع بالناس والوفاق يسود بين المسلمين والأقباط ، فالأقباط حريصون على حضور هذه الاحتفالات حتى إن الأثرياء منهم يتبرعون للإنفاق على تجديد أضرحة بعض الأولياء والمشاركة فى الاحتفالات» ... ويقول الدكتور سمير عمر ابراهيم فى كتابه الحياة الاجتماعية فى مدينة القاهرة خلال النصف الأول من القرن الـ19 أن الاحتفال بالعيد يبدأ بعد الشروق حيث يظهر الناس فى حللهم الجديدة ويجتمع الرجال فى المساجد للصلاة ويتعانق الأصدقاء مهنئين بعضهم ويتزاورون ويلبس البعض حتى من عامة الشعب ملابس كاملة جديدة ويقدم السيد لخادمه على الاقل قطعة ثياب جديدة ويتناول الخادم بعض قروش من بعض أصدقاء السيد عند الزيارة أو التهنئة . وكانت العادة أن تُطلق المدافع ثلاثة أيام وقد تعود الناس على تناول الفسيخ والكعك في العيد الصغير واللحوم في العيد الكبير بالإضافة الي الفطير والنُقل «المكسرات» كالزبيب والبندق وتغلق المحال فى هذه الايام ماعدا محال المأكولات والمشروبات وتبدو الشوارع أكثر بهجة وتذهب بعض النساء لزيارة المقابر لتوزيع الفطير والبلح على الفقراء ويستأجرن بعض الفقهاء لتلاوة القرآن ثم يعُدن فى آخر النهار والبعض منهم يبقى فى خيام بجانب المقابر حيث تقام عدة أراجيح وخيام كبيرة يعمل بها الراقصون ورواة أبو زيد الهلالى وغيرهم من اللاعبين. وتقول بعض المصادر إن الاحتفال بالعيد في أيام الدولة العثمانية كان يبدأ عقب صلاة الفجر أول أيام العيد، حيث يصعد أمراء الدولة والقضاة والشيوخ والعلماء فى موكب إلى القلعة ويتوجهون إلى جامع الناصر محمد بن قلاوون لأداء الصلاة ثم يصطفون لتهنئة الباشا والى البلاد الذي كان يسكن القلعة ، وفى اليوم التالى كان الباشا ينزل للاحتفال بالعيد فى «الجوسق» «السرادق الفخم المُعد له بالميدان الرئيسى» وغالباً ما يكون ميدان الرميلة القريب من القلعة . ويكون في مقدمة المهنئين الأمراء والصناجقة « المماليك» والضباط وتقدم القهوة والحلوى والشربات وتفوح روائح المسك والبخور ثم يخلع الباشا على أرباب المناصب والأمراء «أي يمنحهم الخلع والهدايا والهبات» كما يأمر بالإفراج عن بعض المساجين. … أما العامة من الشعب فيقفون لتحية الباشا ومشاهدته وهو يمر بموكبه نزولاً من القلعة ثم صعوداً اليها وقد استمر هذا التقليد أيام محمد علي باشا ثم يذهب الناس لمتابعة أحوالهم والاحتفال مع أسرهم ، وفي المساء يتزاور الأهل وتُعد الحلوي لتقديمها للأهل والزوار، كما اعتاد الناس زيارة المقابر للتصدق على أرواح موتاهم، فيما يحرص الشباب والأطفال على الخروج فى جماعات للنزهة على الكورنيش وركوب المراكب النيلية وأكل الحلوي وشرب العصائر . وكانت مدافع القلعة تُطلق أيام العيد فى أوقات الصلاة . ومن المشاهد المألوفة في الصور القديمة ركوب المراجيح واللعب فى الملاهى التي كان يتم نصبها في الحدائق العامة وغالباً ما تكون بسيطة الشكل عبارة عن صناديق خشبية مثبته في عامود يدفع باليد بشكل دائري يقفز بداخلها الأطفال في سعادة بينما يدفعها الفتوة أو صاحب اللعبة لترتفع في الهواء وسط صيحات الأطفال وسعادتهم ، أو لعبة أخري عبارة عن أرجوحة مربوطة بالحبال على عروق خشبية ومثبت فى الحبل جلدة خشبية تكفى شخصاً واحداً لتقوم بعمل دورانات كاملة ومتتالية . إنها مصر الجميلة التى تعشق الحياة والاحتفالات والأعياد حتى باستخدام أبسط المواد وأقلها تكلفة ، والله .. الله على مصر زمان.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق