رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

خطبة الوداع .. وتعظيم النفس البشرية

تُعَدُّ حجة الوداع علامة بارزة في تاريخ الرسالة المحمدية، فهي حجة تاريخية لم تتكرر إلا مرة واحدة في تاريخ الإسلام

والإنسانية، حيث مكث النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة تسع سنين لم يحج، ثم أذَّن في الناس بالحج في يوم الخميس الموافق 23 من ذي القعدة من السنة العاشرة من الهجرة – 20/فبراير سنة 632م تقريبًا. وقد استجاب الصحابة رضي الله عنهم لهذا النداء فخرجوا متأهبين فكانوا مد البصر بين يديه الشريفتين من الجهات الأربع كما جاء في وصف جابر بن عبد الله رضي الله عنه، وكان عددهم يزيد على المائة ألف نسمة، وفق القدر المتفق عليه بين العلماء. وهذا النداء تضمن أمرا للناس يرشدهم إلى ضرورة الخروج مع النبي لأداء هذه الشعيرة الكبرى، فيتعلمون منه المناسك والأحكام ويسمعون أقواله ويشهدون أفعاله وتقريراته. وفي هذه الحجة المباركة خطب النبي خطبة من جوامع الكلم سميت بـ “خطبة الوداع”، رسخ فيها مبادئ الإسلام وأصوله، وأسس حقائق العدل والإحسان، وبيَّن دلائل المحجة البيضاء، وأظهر سمات الصراط المستقيم، حتى يقوم الناس بالقسط فلا يضلوا بعده أبدًا، فعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب في حجة الوداع، فقال: “احذروا يا أيها الناس إني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدا كتاب الله وسنة نبيه”.

وهذه الخطبة الجليلة بمنزلة إعلان عالمي تضمن بيانًا لحقوق الإنسان وتشريعًا حكيمًا تُعظَّم به النفس البشرية وتصان من المهلكات، حيث أكد النبي على حرمة النفس وعصمة الدماء، بل جعل لها حرمة وعصمة أشد من عصمة المقدسات في الأزمنة الفاضلة، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، للناس: أي يوم هذا؟ قالوا: يوم الحج الأكبر، قال: فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا..”

بل زاد صلى الله عليه وسلم في التأكيد على حرمة الدماء وإبطال ما قد يُعتقد أنه حلال ومستثنى من القاعدة العامة، ضاربًا المثل للمصلحين حيث بدأ بنفسه وأهله، فقال: “ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث، كان مسترضعا في بني سعد فقتلته هذيل”. وهذه المبادئ السامية والمقاصد العليا راسخة ثابتة في الإسلام ورسالته منذ فجر تنزيله حتى يوم الناس هذا، فلم تتغير في الحرب ولا في السلم، ذلك أن الشرع الشريف عظَّم دم الإنسان ورهَّب ترهيبًا شديدًا من إراقته أو المساس به بغير حق، قال تعالى: «وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ» [الأنعام: 151]. من هنا تظهر حقيقة ينبغي ألا يغفل عنها المسلمون وغير المسلمين أن ما تفعله التيارات المتطرفة والجماعات الإرهابية في بلاد المسلمين وغير المسلمين من أفعال التخريب التي أفرزتها مناهج الإرجاف الضالة، تحت مسمى الجهاد وتطبيق الشريعة الإسلاميَّة ما هو إلا تدليس وتلبيس حتى ينطلي هذا الفساد والإرجاف على من لم يقفوا على حقيقة الإسلام السمحة. إن ما يروج له هؤلاء يسمى في الإسلام بـ “الإرجاف”، وهو مصطلح قرآني ذكره الله تعالى في قوله سبحانه: «لَئِن لَمْ يَنْتَهِ المُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالمُرْجِفُونَ فِي المَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلاَّ قَلِيلاً.مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً. سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً» [الأحزاب: 60-62]. وهي كلمة لها مفهومها السيئ الذي يعني إثارة الفتن والاضطرابات والقلاقل باستحلال الدماء والأموال بين أبناء المجتمع الواحد تحت دعاوى مختلفة، وهذه الأفعال منافية لمقاصد الشرع الكلية، وهي: الأديان، والنفوس، والعقول، والأعراض، والأموال. ولا يخفى على كل ذي لُبٍّ ما تجره هذه الأعمال الإجرامية من مفاسد على المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، منها أنها تستعمل ذريعة للتدخل في الشئون الداخلية للبلاد الإسلامية والتسلط عليها واستغلال خيراتها وانتهاب مواردها بحجة ملاحقة الإرهاب أو المحافظة على المصالح الاقتصادية أو تحرير الشعوب.

لمزيد من مقالات د شوقى علام

رابط دائم: