والله، بدلا من أن نشكو من ارتفاع الأسعار وضيق الحال، علينا أن نخجل من أنفسنا، بعد أن ارتضينا أن نكون «ظهرا محنيا»!
وعدنا «الرجل» بالصبر والجلد والتحمل، ولكننا لم نكن رجالا، ولم نف بوعودنا!
استغثنا به لإنقاذ مصر وقت أن كانت على شفا حفرة من النار، ولما قبل بتولي المهمة، ألقينا هموم 60 عاما على كاهله، وفي مرحلة لاحقة حملناه هو نفسه مسئوليتها، وفي مرحلة تالية، انتقلنا إلى مرحلة التطاول والوقاحة، بحجة أنه رئيس، وأن الرئيس «موظف» عند شعبه، ونسينا أننا أيضا «موظفون» مثله، ولكننا لا نعمل 1% من عمله!
قلنا له «لو خضت البحر لخضناه معك»، وعندما خاض البحر «خلعنا» مع أول موجة، وتلاعبت بنا موجات الهراء والسخرية والأكاذيب والشائعات التي تبثها اللجان الإليكترونية على النت، وتعاملنا معها كحقائق، بل ونصبنا لها التحليلات والمقالات والاستوديوهات التحليلية!
وعدناه بأن نكون «في ظهره» إلى أن نجتاز هذه المرحلة، وتصبح مصر بحق «أم الدنيا» و«قد الدنيا»، ولكننا تسابقنا لكي نجعل رقبة بلدنا «قد السمسمة» أمام العالم كله، فأجبرناه على الاقتراض، بعد أن جمعنا بين كل أسباب عجز الموازنة التي يتعلمها طلاب سنة أولى «كلية تجارة» زيادة فواتير الدعم والمرتبات والاستيراد والاستهلاك، وتراجع الإنتاج والصادرات، وسرقة موارد الدولة كالضرائب والفواتير، إضافة إلى عوامل خارجية مثل ضرب السياحة وأوضاع المنطقة، وبعد ذلك كله، شكونا ببلاهة - من ارتفاع الأسعار!
وعدناه بمواجهة أعدائنا ككتلة واحدة قوية متماسكة، ولكننا أخلفنا الوعد، وخسرنا حروب الجيل الرابع والخامس والسادس، بالضربة «القاضية»، أو بـ«الإيبون»، وتحولنا إلى ماكينات لصناعة وإنتاج وتعبئة الإحباط والاكتئاب، وألهبنا أبداننا بكرابيج جلد الذات وعبارات الندب والولولة من عينة «البلد بتولع»، وٍٍٍٍٍِِِِ«الاقتصاد بينهار»، و«الناس تعبانة»، و«بتكح تراب»، ونسينا أن شعوبا أخرى مرت بمراحل مشابهة من تاريخها اضطرت فيها لأكل لحوم البشر والكلاب وأوراق الشجر!
وعدناه بأن نكون أوفياء له ولبلادنا وأن نحافظ على جيشها وشرطتها وقضائها، فهاجمنا جميع المؤسسات، واعترضنا على رواتب العاملين بها، ولكننا لم نعترض طبعا على استشهادهم دفاعا عنا، بكل بجاحة، وشاركنا بقصد أو بدون قصد في إنهاك هذه المؤسسات بانتقادها والسخرية منها، ووضع كل تصرفاتها تحت المراقبة، وكأننا مندوبو دول معادية!
طالبناه بالمشروعات القومية الكبرى، وعندما جاءت المشروعات، شككنا فيها، وفي جدواها وأهميتها، وأولها قناة السويس الجديدة التي قلنا عنها إنها لا تحقق إيرادات!
طالبناه بالخروج من العاصمة المخنوقة إلى عاصمة جديدة، وعندما بدأت العاصمة الإدارية الجديدة تظهر إلى النور، شكونا وتذمرنا بدعوى أنها «ضيعت الميزانية»، ونسينا أنها ستضيف أصولا لمصر بالمليارات!
طالبناه بمحاربة الفساد في كل مستويات الدولة، وعندما بدأت محاربة الفساد، وقفنا بجانب الفساد، بل وكنا نحن الفساد ذات نفسه، في كل قضية ومع كل ضبطية ومع كل مشروع قانون، وارجعوا لقوانين البورصة والإعلام والخدمة المدنية وكيف كان مصيرها!
طالبناه باستعادة الأمن وهيبة الدولة، وعندما انتفضت الدولة لإرساء سيادة القانون، وضعنا مليون «كلابش» على أيدي الداخلية، ودافعنا عن كل من يخترق القانون، مرة «شباب»، ومرة «غلابة»، ومرة «ضحايا مبارك»، إلى أن أوصلنا الجهات المسئولة عن تطبيق القانون إلى حالة من «الزهق» و«القرف»!
طالبناه بأن يحنو علينا، فلما فعل، لم يعجبنا، وقلنا له «اغضب»، ولما غضب، قلنا «دولة قمعية»!
تعاملنا مع الرجل بمبدأ بني إسرائيل «إاذهب أنت وربك فقاتلا، إنا هاهنا قاعدون»!
فهل ارتضينا حقا أن نكون من «القاعدين»؟
.. ألا ندرك أن السيسي هو رئيس «الفرصة الأخيرة»؟!
لمزيد من مقالات هـانى عسل رابط دائم: