رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

سماحة الإسلام فى شعيرة الحج

لشعيرة الحج حكم جليلة ومقاصد كبرى تتجلى فى إخلاص النية والقصد لله تعالى وتعظيم شعائره على نحو ما شرع مع إظهار الفقر والتذلل له، والتجرد عن الدنيا وشواغلها، والتبرؤ من هوى النفس والشيطان، وطلب المغفرة والرحمة، وأداء شكر المنعم سبحانه وتعالى على نعمه التى لا تعد ولا تحصى، وترسيخ مبدأ اعتصام الأمة بوحدتها واجتماع كلمتها على البر والتقوى وعلى التواصى بالحق والتواصى بالصبر. والمتأمل لأحكام وأعمال شعيرة الحج يجد أن الحج عبادة جامعة لكل خصال الخير والبر، وأن سبيل تحقيق مقاصد هذه الشعيرة هو التيسير والرفق بالحاج ومراعاة أحواله.

 والتيسير ضد التعسير، ويراد به مراعاة حاجة المكلف وقدرته على امتثال المأمورات واجتناب المنهيات عند تشريع الأحكام شريطة عدم الإخلال بالثوابت والقطعيات الشرعيَّة، وهو مقصد عام للشريعة الإسلامية، فقد راعته فى كافة الأحكام الشرعيَّة، قال تعالى: «يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ» [البقرة: 185]. والتيسير سمة ملازمة للمسلم ومكون من مكونات شخصيته؛ فعن أنس رضى الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «يَسِّرُوا وَلاَ تُعَسِّرُوا، وَبَشِّرُوا وَلاَ تُنَفِّرُوا». والتيسير ورفع العنت وإزالة الحرج مقصود شرعى فى أصل فريضة الحج، ومن ثمَّ يؤسس مفهوم ذلك إلى إزالة مظاهر العسر فى أعمال الحج وأحكامه من باب أولى، ومن أبرز الدلائل على ذلك:

- إناطة الشرع الشريف فرضية هذه العبادة على الاستطاعة البدنية والمالية للحاج، قال تعالى: «وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا» [آل عمران: 97]، وفى ذلك تخفيف شديد على الناس؛ فإن الاستطاعة لا تتيسر بشروطها فى كل فرد من أفراد الأمة على الدوام.

- دلالة التخيير بين عدة بدائل على السعة والتيسير فى الإتيان بالمطلوب، فنجد أن الفدية فى أعمال الحج مبنية على التخيير بين متعدد، فمن أتى بمحظور من محظورات الإحرام خُير بين الصوم والصدقة والذبح، كذلك لا يشترط على الحاج الترتيب بين أعمال اليوم العاشر من ذى الحجة فبأيهم بدأ الحاج أجزأه، فيمكنه الابتداء بأحد هذه الأمور الخمسة: الرمى أو الطواف أو السعى أو الحلق والتقصير أو النحر، وروى عبد الله بن عمرو رضى الله عنهما: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف فى حجة الوداع بمنى للناس يسألونه، فجاءه رجل فقال: لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح، فقال: اذْبَحْ وَلا حَرَجَ، فجاء آخر فقال: لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي، قال: ارْمِ وَلا حَرَجَ، فما سُئِلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن شيء قُدِّمَ وَلا أُخِّرَ إلا قال: افْعَلْ وَلا حَرَجَ».

- إذا كان اليوم الثانى عشر من ذى الحجة؛ فالحاج مخير أيضًا بين أن يتعجل أو يتأخر، فعن عبد الرحمن بن يعمر، أن ناسا من أهل نجد أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بعرفة فسألوه، فأمر مناديا، فنادى: الحج عرفة، من جاء ليلة جمع قبل طلوع الفجر فقد أدرك الحج، أيام منى ثلاثة، فمن تعجل فى يومين فلا إثم عليه، ومن تأخر فلا إثم عليه.

- اعتبار النبى صلى الله عليه وسلم ما يعترى الحاج من تعب شديد وضيق مكان وخوف على متاعه فى أحكام الحج للتخفيف والتيسير، حيث أباح لأصحاب الرعى ألا يبيتوا ليالى منى، وأن يجمعوا رمى يومين فى يوم واحد، وعن ابن عمر رضى الله عنهما قال: استأذن العباس بن عبد المطلب رضى الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيت بمكة ليالى منى، من أجل سقايته، فأذن له. وبذلك يظهر أن أعمال هذه الشعيرة الإسلامية الكبرى ليست مقصودة بالأساس فى نفسها، بل إنها شُرِعَت لمقاصد كبرى كتعظيم الله تعالى والتحلى بكمال العبودية له سبحانه وإقامة ذكره وشكره على نعمه الظاهرة والباطنة، وتتجلى مظاهر ذلك فى لزوم سبيل التيسير ورفع الحرج، بما يؤكد سماحة الإسلام ورقيه فى أحكامه ونظامه ومقاصده.


لمزيد من مقالات د شوقى علام

رابط دائم: