رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

شرم الشيخ .. و«غزوة الجلاليب»!

حدث ما توقعته، وتحولت شرم الشيخ إلى مصيف شعبي يرتاده كل من هب ودب تحت شعار تنشيط السياحة.

أفسدنا المنتجع الفاخر، وحولناه بأيدينا إلى مدينة درجة عاشرة، تماما مثلما حدث مع مصايفنا ومشاتينا الفاخرة سابقا، بداية من رأس البر والإسكندرية، ومرورا بالمنتزه والمعمورة والعجمي، ونهاية بقرى عين السخنة والساحل الشمالي!

ما فعلناه في شرم الشيخ، قد يتكرر في دهب وطابا ونويبع، وربما في الغردقة والجونة وسهل حشيش ومرسى علم، لولا بعد المسافة فقط، والحمد لله أن المسافة بعيدة ولا تسمح بالوصول إلى هذه المشاتي إلا بصعوبة كبيرة وتكلفة أكبر.

ما فعلناه في شرم الشيخ، هو أشبه بما فعله تاجر مجوهرات تحلى بعقلية صاحب محل البقالة، فعرض بضاعته الفاخرة كلها في الفاترينة، فأصبحت عرضة للتلف والسرقة، أو على الأقل «اتحرقت» قيمتها وموضتها بتعبير السوق، بينما الجواهرجي الشاطر يعرف كيف يضع بعضا من مجوهراته في الفاترينة، والبعض الآخر، الأغلى سعرا، والأشيك، والأحدث، والأفخم، في دولابه الخاص داخل المحل، ولا يعرضها إلا لـ«زبون المحل» فقط، وليس لكل زبون جاء ليشتري دبلتين فضة، والأسوأ أن يكون هذا المحل في قلب حي عشوائي!

ما حدث في شرم الشيخ بالضبط هو أننا «مرمطنا» سمعتها، وبأيدينا، وحولناها إلى سلعة رخيصة، مرة بالبكاء والعويل على توقف السياحة وإغلاق فنادق وتسريح عمالة وإطفاء أنوار، وهو ما لم يحدث من قبل في أي بلد، لا إبان الأزمة المالية في اليونان، ولا في أحداث انقلاب تركيا، ولا في عمليات الإرهاب في باريس، ولا في نيويورك، ولا في مدريد، ولا في لندن، بل والمفاجأة، أن هذا لم يحدث في فترات انهيار السياحة عندنا بسبب الإرهاب في الثمانينيات والتسعينيات، فقد ذهب مصريون إلى شرم وغيرها، ولكن لم تكن أخلاقنا قد وصلت إلى ما آلت إليه في مرحلة ما بعد يناير المجيد!

ما فعلناه في شرم الشيخ هو أننا فتحنا محل المجوهرات لزبائن محال البقالة والقهاوي البلدي، وارتكبنا جريمة بموافقتهم على قوانينهم، فهاجموا البوفيهات، ونزلوا البحر بالجلاليب، واخترقوا خصوصية من تبقى من الأجانب، ثم ارتكبنا جريمة أخرى بالتعاطف مع تصرفات هؤلاء بدعوى أنهم «غلابة من حقهم ينبسطوا».

ما حدث في شرم ليس مشكلة دولة ولا حكومة، ولكنها قضية مشتركة مقسومة على اثنين : سائحون محليون ذوو سلوكيات فوضوية، في شرم وفي منازلهم وفي كل عيشتهم، وأصحاب فنادق وشركات سياحة تقاعسوا عن تطبيق القانون على زبائنهم الجدد.

ما حدث في شرم، ولشرم، تكرر من قبل، مع أشياء كثيرة في بلدنا بدأت جميلة، وانتهت قبيحة عشوائية للسبب نفسه، سوء الأخلاق أولا، والتقاعس عن فرض الأخلاق والنظام بالقانون ثانيا.

انظروا كيف كان مترو الأنفاق عند افتتاحه، وماذا فعلنا به الآن، وكيف قصرنا في حمايته، وكيف تطاولنا على كل من حاول تطبيق القانون به؟

كيف كانت «وسط البلد» بعد تنظيفها وتطهيرها أيام محلب؟ وكيف يسوء حالها الآن تدريجيا؟

كيف كان ميناء القاهرة البري في الترجمان عند إنشائه، وكيف تحول الآن إلى خرابة تحاصرها الشاحنات والقاذورات والخردة والحمير من كل جانب، وكيف شارك في خرابه كل من الأهالي مع المحافظة؟

كيف كان الطريق الدائري عند افتتاحه، وكيف أصبح الآن بفعل البناء المخالف للقانون على جانبي الطريق؟

والله إننا نخدع أنفسنا .. فقد جربنا تغيير النظام من قبل، ولم نتقدم، وجربنا تغيير الرئيس، ولم نتقدم، وجربنا تغيير الحكومات والوزراء، وأيضا لم نتقدم، ولكننا لم نجرب ولو مرة تغيير أنفسنا!

لمزيد من مقالات هـانى عسل

رابط دائم: