رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

اختراق سيادة الدول .. من بوابة مجلس الأمن

هـانى عسل
حسنا فعلت الدبلوماسية المصرية بالامتناع عن التصويت على قرار مجلس الأمن الدولى بنشر قوة من 228 فردا من الشرطة التابعة للأمم المتحدة فى بوروندي، تحت شعار «مراقبة انتهاكات حقوق الإنسان» فى هذه الدولة الواقع فى شرق أفريقيا، والتى تعد أيضا من بين دول حوض النيل.

للمرة الثانية على التوالى تقف دبلوماسية مصر حائلا دون السقوط فى فخاخ قرارات دولية مريبة المراد منها فى أغلب الأحوال تكوين «سابقة» تتبع فى حالات مشابهة.

كانت المرة الأولى عندما تناقلت وسائل الإعلام العالمية خبرا يقول إن مصر «عرقلت» صدور قرار من مجلس الأمن يدين محاولة الانقلاب العسكرى الفاشلة فى تركيا، وكان التناول الإعلامى غير الموضوعى لهذا الموقف المصرى مبنيا على أساس أن مصر لها موقفا «ما» من محاولة الانقلاب الفاشلة فى تركيا، وأنها رفضت تحديدا جملة فى نص القرار الذى أعدته الولايات المتحدة تقول إن المجلس «يدعم الحكومة التركية المنتخبة ديمقراطيا».

ولم تعط وسائل الإعلام العالمية الاهتمام نفسه للتوضيح الرسمى الصادر عن وزارة الخارجية المصرية فى حينه، والذى وصف الموقف المصرى بأنه لا يمثل أى عرقلة لقرار يدين الانقلاب الفاشل، ولكنه رفض لتحميل الأمور أكثر مما ينبغي، وتحفظ على استخدام مجلس الأمن عبارات لا تدخل ضمن اختصاصاته، إذ إن المجلس ليس الجهة التى تمنح صفة «الديمقراطية» أو «المنتخبة» للحكومات المختلفة، ولذلك كان الاعتراض على صيغة القرار، وبناء على ذلك تم التوافق على ألا يصدر القرار دون هذه العبارة «المريبة».

أما المرة الثانية فكانت منذ أيام قليلة، وفيها وقع مجلس الأمن الدولى بالفعل فى الخطأ نفسه من الناحية العملية، حيث اتخذ قرارا - يراد به على الأرجح أن يكون سابقة أيضا - يقضى بنشر قوات شرطة دولية من 228 فردا فى بوروندى بحجة وجود عنف وقتلى وانتهاكات لحقوق الإنسان فى هذا البلد.

وكان من الطبيعى أن تمتنع مصر عن التصويت على قرار معيب كهذا، وامتنعت معها دول أخرى هى الصين وأنجولا وفنزويلا، علما بأن الأخيرة هى الرئيس الحالى لحركة عدم الانحياز، فى حين تبنت القرار 11 دولة.

كما تسبب القرار فى اندلاع احتجاجات ضخمة فى العاصمة البوروندية بوجمبورا، نظرا لأن القرار معناه بكل بساطة تدخل أجنبى فى شئون البلاد، ودون الحصول على موافقة حكومة الدولة المعنية بموجب القوانين الدولية المعمول بها، وكان المتظاهرون فى بوجمبورا على حق عندما وصفوا قرار مجلس الأمن بأنه انتهاك لسيادة بوروندى على أراضيها، وكان من الطبيعى أيضا أن ترفض الحكومة البوروندية رسميا هذا القرار، حيث قال المتحدث باسم الحكومة فى بيان إن قوات الأمن فى بلاده «مسيطرة» على الوضع فى الداخل، وقادرة على ضمان أمن المواطنين، وليس كما تزعم التقارير المعلوماتية المضللة التى دفعت مجلس الأمن إلى اتخاذ هذا القرار الغريب.

وأكد المتحدث أن حكومة بوروندى ترفض من كل الوجوه هذا القرار الذى يتعلق بنشر أى قوة على أراضيها، وأضاف أن القرار اتخذ دون التشاور مع سلطات بوروندى بالفعل.

ويبدو أن بيان حكومة بوروندى نفسه أثار احتجاج المنظمة الدولية التى تبحث عن وسيلة لتبرير قرارها، ولتنفيذه على أرض الواقع، ققد أعلن المتحدث باسم بان كى مون الأمين العام للأمم المتحدة أنه يتعين على مجلس الأمن الدولى الرد على هذا الكلام جراء.

ولم يكن هذا هو الصدام الوحيد الذى يحدث بين بوروندى وجهات خارجية، حيث سبق لبوروندى أن رفضت فى ديسمبر الماضى نشر خمسة آلاف فرد من قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي، واصفة النشر بأنه «غزو»، ثم وافقت فى النهاية على نشر 200 فرد من قوات الاتحاد الأفريقى بعد شهور من المفاوضات.

وعلى الرغم من أن بوروندى تعانى بالفعل العنف السياسى منذ فوز الرئيس بيير نكورونزيزا بفترة رئاسة ثالثة فى انتخابات يوليو 2015، فإن ما تشهده بوروندى لا يستدعى - كما هو واضح - كل هذه الضجة والأزمات التى افتعلها مجلس الأمن.

والمتابع العادى ليس فى حاجة للحصول على تفسيرات للموقف المصرى بشأن هذا القرار، فقد تسبب القرار بالفعل فى أزمة عنيفة، ووضع مجلس الأمن فى مواجهة مع القانون الدولى الذى يحدد مهام حفظ السلام فى إطار عدم فرضه على أطراف اى نزاع، وفى مواجهة أيضا مع إحدى الدول الأعضاء فى الأمم المتحدة.

وفى تصريحات نقلتها وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية، قال السفير عمرو أبو العطا مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة إن مصر قلقة بالفعل من الوضع فى بوروندي، وحريصة على صيانة وحدة أعضاء المجلس فى التعامل مع هذا الملف الهام، ولكنه شدد فى الوقت نفسه على أهمية أخذ موقف بوروندى فى الاعتبار بما يضمن تعاونها فى تنفيذه، موضحا أن مصر اقترحت صياغات توفيقية للقرار تأخذ فى الاعتبار أهمية التشاور مع حكومة بوروندي، إلا أن بعض الدول الأعضاء بالمجلس اعترضت عليها وأصرت على إخراج القرار بشكله الحالى الذى يسمح بنشر القوات الشرطية دون التشاور مع حكومة بوروندي.

فهل يكون قرار مجلس الأمن الدولى بشأن بوروندى هو الزلة الثانية والأخيرة؟ أم أن زلات أخرى ستعقبه، بما يفتح الحديث مجددا عن ضرورة التعجيل بموضوع إصلاح المجلس؟

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق