من جديد تعود المغرب، إلى القارة السمراء، بأجندة اقتصادية واضحة وأكثر قوة عن ذي قبل. لا أحد ينكر أن المملكة انتهجت سياسة دبلوماسية محددة تجاه البلدان الإفريقية، إذ استطاعت أن تحقق اختراقا اقتصاديا وسياسيا في الكثير منها. فقد أنهت المغرب القطيعة مع الحاضنة الإفريقية، بعد مرور أكثر من 32 عاما، من انسحابها من منظمة الوحدة الإفريقية، من خلال الرسالة التي بعث بها الملك المغربي محمد السادس إلى القمة الـ 27 للاتحاد الإفريقي المنعقدة هذه الأيام بالعاصمة الرواندية كيجالي، المتضمنة طلبا رسميا بالعودة إلى أحضانه.
وقال العاهل المغربي في رسالته، التي نقلتها وكالة الإنباء المحلية، إنه " لا يمكن للمغرب أن يظل خارج أسرته المؤسسية، ولا بد له من استعادة مكانه الطبيعي والشرعي داخل الاتحاد الإفريقي، بحيث يمكنه، بفضل تحركه من الداخل، أن يساهم في جعله منظمة أكثر قوة، تعتز بمصداقيتها، بعد تخلصها من مخلفات الزمن البائد ".
وجاء هذا القرار، بحسب نص الرسالة، بعد " تفكير عميق "، وهو قرار يراد منه، على حد قول الملك، " علاج الجسم المريض من الداخل بنجاعة أكبر من علاجه من الخارج "، مشيرا إلى أن زمن الأيديولوجيات قد ولى إلي غير رجعة، وصارت شعوبنا في حاجة للعمل الملموس، فالجغرافيا لا يمكن تغييرها، كما لا يمكن التنصل من ثقل التاريخ. غير أن السؤال الذي يفرض نفسه وبقوة في هذا الصدد، لماذا الأن؟ّ ما هي أهداف المغرب من وراء عودته إلى أحضان الاتحاد الإفريقي نستطيع أن نقول، ثمة جملة من الأهداف الحقيقية والمبتغاه من وراء هذة العودة وهذا القرار، ربما يأتي في مقدمتها، الهدف "الجيو- استراتيجي"، حيث تشكل إفريقيا عمقا استراتيجيا للمغرب، فرغم انسحاب المغرب من منظمة الوحدة الإفريقية، إلا أنه حاول الحفاظ على حضوره الاقتصادي والديني والثقافي في القارة الإفريقية. فضلا عن الوعي الجمعي المغربي، والذي أدرك منذ الوهلة الأولي، بأن سياسة المقعد الشاغر وانسحابه من منظمة الوحدة الإفريقية آنذاك، كان له خسارة سياسية كبيرة جدا، لأنه ترك المجال لخصومه ليمسوا بقضية الصحراء، هذه القضية التي أضحت تشكل الهدف الأساسي لانضمامه للاتحاد.
كما أن الهدف السياسي من القرار واضح أيضا، ومرتبط بالتناغم مع الإيديولوجية المغربية الجديدة فيما يخص قضية الصحراء، فالمغرب، قبل إعلانه عن هذا القرار
مهد له بنشاط دبلوماسي مكثف خلال الأربع سنوات الأخيرة، سواء بتكثيف علاقاته الاقتصادية والعسكرية والأمنية والدينية، مع دول القارة. ومن ثم جاء هذا القرار نتيجة طبيعية ومحصلة لهذا النشاط الدبلوماسي المغربي خلال السنوات الأخيرة، وكذلك استجابة لدعوات دول إفريقية مختلفة كانت دائما تدعو المغرب إلى العودة إلى الحظيرة الإفريقية على المستوى المؤسسي.
وكانت المملكة المغربية، قد خرجت من منظمة الوحدة الأفريقية، عام 1984، وكان لها أسبابها الوجيهة حينها وهي، " إن فرض أمر واقع لا أخلاقي، والانقلاب على الشرعية الدولية، دفع المملكة المغربية، تفاديا للتجزئة والانقسام، إلى اتخاذ قرار مؤلم، يتمثل في الانسحاب من أسرته الإفريقية ". ويبدو أن أسباب الانسحاب لازالت قائمة، إلا أن هذا لم يثن المغرب من العودة مجددا إلى أحضان المؤسسة الإفريقية. هناك الكثير من المتغيرات التي وقعت سواء على مستوى تدبير قضية الصحراء أوعلى مستوى المستجدات المرتبطة بهذا الملف، كما أن هناك طرح لمشروع الحكم الذاتي وهذا المشروع يوازي ما بين خياري الوحدة والاستقلال. إضافة إلى أن المغرب بحاجة إلى أن يرافع بشأن هذه القضية بنفسه، لطرح جميع هذه المستجدات ولتجاوز احتكار الرؤية الأحادية التي أصبحت مهيمنة داخل الاتحاد الإفريقي.
لمزيد من مقالات ابراهيم النجار رابط دائم: