رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

حكومة تونس الجديدة .. الخطوة الأخيرة قبل الطوفان

لا تزال دعوة الرئيس الباجي قائد السبسي، إلى تأليف حكومة وحدة وطنية، تثيرجدلا شعبيا ونخبويا واسعا. ففي الوقت الذي يشدد فيه مؤيدو الفكرة على ضرورتها، من أجل الحد من التوتر وإنعاش الاقتصاد، ترى أحزاب المعارضة والاتحاد العام للشغل ومؤسسات أخرى، وجوب توفر برنامج واضح يضمن نجاح هذه المبادرة، ويقي البلاد شر الخلافات والانشقاقات والمحاصصات الحزبية. فهل يمكن أن يفضي الحوار الوطني الحالي إلى توافق بشأن حكومة الوحدة الوطنية وشخصية رئيسها؟.

لا حديث في الشارع التونسي وفي وسائل الاعلام، وفي أروقة الأحزاب، منذ الظهور التلفزيوني الأخير للسبسي على شاشة القناة الوطنية الأولى، إلا عن حكومة وحدة وطنية بين مندد "بالتجاوز" الدستوري الذي ارتكبه الرئيس، وبين مرحب أو رافض.

وعلي الرغم من اختلاف ردود الفعل، فإن الدعم والتأييد الكامل ورد من الحزبين الكبيرين "نداء تونس"، "وحركة النهضة"، وبدا حزبا آفاق تونس والاتحاد الوطني الحر، المكملان للائتلاف الحكومي، مترددين وغير متحمسين لمبادرة الرئيس.

حيث أكد زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي، أن حركته " تثمن مبادرة تشكيل حكومة وحدة وطنية، وتعتبرها امتدادا لخيار التوافق الوطني ومنسجمة مع المنهجية التشاركية مع مختلف الأطراف السياسية والاجتماعية ". ودعت الحركة، إلى " إدارة حوار حول المبادرة لبلورة تفاصيلها بما يساهم في الحفاظ على الاستقرار السياسي والاجتماعي الذي يجنب بلادنا الانتظار، ويسمح بالتفرغ لمواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها ".

في حين يري القيادي في حزب الاتحاد الوطني الحر توفيق الجملي، أن حزبه يساند مبادرة رئيس الجمهورية، إذا ما توفرت فيها الشروط اللازمة لإنقاذ البلاد، المتمثلة أساسا في إشراك كل الأطراف السياسية. وفي المقابل، اعتبر الوزير والقيادي في حزب آفاق تونس يس إبراهيم، أن حزبه " تفاجأ بالمبادرة "، مستدركاً بالقول هي مبادرة هامة للمرحلة المقبلة.

أما إذا تحولت الحكومة إلى تحالف بين النداء والنهضة، بحجم الوزن السياسي الموجود في البرلمان، فإن آفاق تونس، غير معني بحكومة الوحدة الوطنية. وأكد الناطق الرسمي باسم الحزب الجمهوري عصام الشابي، أن حزبه " مستعد للحوار وإبداء رأيه في حكومة الوحدة الوطنية، التي دعا رئيس الجمهورية إلى تشكيلها "، في إشارة إلى قبوله الدخول في الائتلاف الحاكم. مضيفا، أن الحزب الجمهوري، يعمل على إخراج البلاد من الوضع الصعب الذي تعيشه، مشددا في الوقت نفسه، على ضرورة التوافق الواسع حول هذه الحكومة، من أجل رؤية موحدة لضمان نجاحها.

غير أن الناطق الرسمي باسم اتحاد الشغل، - أكبر نقابة عمالية في تونس - سامي الطاهري، يقول إنه " لم يتم التشاور معنا حول المبادرة التي يجب أن يمهد لها ". مؤكدا، أن الاتحاد " يساند المبادرات التي تولد من رحم المشاورات، لا أن تفرض فرضا "، مشيرا إلى أن مبادرة السبسي، " قسّمت التونسيين إلى قسمين، وخلقت بالتالي أزمة في الحكومة ". ومن ثم فإن اتحاد الشغل، لن يشارك في حكومة وحدة وطنية.

بينما اعتبر القيادي في الجبهة الشعبية (ائتلاف من أحزاب قومية وشيوعية) عمار عمروسية، أن الدعوة إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية، " اعتراف بالفشل "، مشددا على أنها، لن تأتي بالجديد لفائدة تونس، وليست سوى خلط جديد للأوراق. واصفا الوضع في تونس بالصعب، وبالتالي لا بد من حكومة حقيقية لها رؤية واضحة وبرنامج تسير على دربه، وتعمل على تنفيذه. وساند حزب التيار الديمقراطي، رأي القيادي في الجبهة الشعبية، واعتبر الحزب في بيانه، أن المبادرة " تتضمن إقرارا بفشل الائتلاف الحاكم في إدارة هذه المرحلة، وبفشل الخيارات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والدبلوماسية، رغم الأغلبية المريحة التي تحظى بها الحكومة، وتمريرها لكل القوانين التي قدمتها، على الرغم من لا دستورية بعضها، والشبهات التي تحوم حول البعض الآخر. واعتبر أن المرحلة الراهنة، لا تقتضي حكومة وحدة وطنية، بقدر ما تقتضي برامج تنمية عملية وإصلاحات اقتصادية جذرية، وإرادة سياسية صادقة لمقاومة الفساد والتصدي للتهريب، واسترجاع الأموال المنهوبة، وإرساء عدالة حقيقية لتجاوز الأزمة الاقتصادية، والحد من حالة الاحتقان الاجتماعي.

بغض النظر عن ردود الأفعال وهذا الجدل الذي يبدو أنه سيطول، فإن طرح هذه المبادرة في هذا الوقت والترحيب الذي لقيته من أغلب الأحزاب والفاعلين السياسيين، يعكس قلقا حقيقيا في الطبقة السياسية، وإقرارا بحالة الانحباس التي تعيشها البلاد والتي بلغت مداها بعد الحديث المتواتر عن إفلاس بنكين عموميين، وتعطٌل الاستثمارات وانهيار الدينار. ولكن هل ستكون حكومة الوحدة الوطنية هي الحل السحري الذي سينقذ تونس من الانهيار؟

إن المواطن التونسي اليوم، يعاني من احباط حقيقي ويأس من الطبقة السياسية الحالية، وإذا إستمرت هذه الحالة فإن سيناريوهات مرعبة تلوح في الأفق، فلا شيء يمكن أن يخرب الدول ويحولها إلى حطام أكثر من غياب الأمل، والحكومة الجديدة مسئوليتها الأساسية هي إنعاش الأمل، ولن تنجح في هذا ما لم تكف الأحزاب السياسية والنواب عن المزايدة والابتزاز، ومالم يصطفوا جميعا وراء الحكومة، أما إذا ما استمر الحال على ماهو عليه، فلن تستطيع أي حكومة، على انقاذ تونس، فالحكومة الجديدة هي الخطوة الأخيرة قبل الطوفان...


لمزيد من مقالات ابراهيم النجار

رابط دائم: