رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

حكايات من اوراق قديمة
أفراح الأنجال تحولت الي أعياد في عهد إسماعيل

أمـــــل الـجــيـــــار
هل يمكن أن يقع الكاتب أو المؤرخ في عشق شخصية تاريخية من زمن مضي ؟ وهل يمكن أن يصل به الإعجاب أن يتمني لو أنه إلتقاه وعاش في زمانه ، وحضر إحتفالاته وشاهد إنجازاته ،

وحزن لإنكساراته ؟ هذا بالفعل ما حدث لي فقد وقعت منذ إحترفت الكتابة في التاريخ في عشق أكثر شخصية جدلية مثيرة حكمت مصر هو “ أبو السباع “ أو الخديو إسماعيل ( ١٨٦٣ - ١٨٧٩ ) ، ذلك الخديو الذي إما أن تحبه وتحترمه بإعتباره صاحب فكر تنويري أو أن تكرهه بسبب الديون التي كبل بها البلاد وكانت سبباً في الإحتلال البريطاني ، وبسبب هذا التناقض تتبعت سيرة الرجل وكانت كل صوره وأخباره وقصاصات الصحف واللوحات التي ترجع لعهده تنبض بالحياة ، وتحكي تفاصيل كثيرة عن عصر ملئ بالأناقة والشياكة ، حتي بات حُلمي ليل نهار أن أركب آلة الزمن وأعود عشرات السنوات الي الوراء لألتقيه وأحاوره وأسأله عن سر قوته ؟ ومن أين إستمد أفكاره التنويرية ؟ وقد أترك له العنان ليحكي لي عن أحلامه الواسعة لمصر ، وحكاياته المثيرة ومشروعاته الكثيرة ، قد يشعر بالثقة تجاهي فيحدثني عن نفسه وحياته وأفراحه الشخصية وبالتحديد عن “ أفراح الأنجال “ أولادة تلك الأفراح التي جعلت المحروسة تعيش في أعياد لمدة أربعون يوماً وهو موضوع حكاياتي اليوم …والوثيقة التي أعرضها هي لوحة رائعة الجمال كانت منشورة في جريدة فرنسية هي L`illustration بتاريخ ١٥ فبراير ١٨٧٣ تحت عنوان “ أعياد القاهرة “ وهي لوحة بالفحم لحفلة راقصة أقامها الخديو إسماعيل في سراي الجزيرة بمناسبة أفراح أولاده رسمها السيد دارجو الذي كان ضمن المدعوين ، واللوحة تنطق كل تفاصيلها بأناقة هذا العصر بدءاً من القاعة التي يتواجد بها المدعوين والتي تشي بالفخامة حيث تتدلي من سقفها ثريات ذهبية ضخمة غاية في الروعة ، الي الستائر الموشاه بخيوط الذهب والفضة والأعمدة الضخمة الأنيقة ذات الديكورات الخديوية الجميلة ، ويجلس الخديو ليكون في مواجهة كل ضيوفه وكلما مر أمامه ضيف إنحني إحتراماً فيرد له الخديو التحية بإشارة من رأسه أو يده، أما المدعوين الأجانب والمصريين فحدث ولا حرج فهم من كل الأطياف ولكن السمة الأساسية للجميع هي “ الأناقة “ فمنهم من يرتدي الملابس الأفرنجية وبعضهم بملابس أولاد البلد “ العمة والجبة والقفطان “ وأغلب الظن أنهم من كبار العلماء والقضاة والبعض الأخر بالطرابيش بالإضافة الي كبار رجال الجيش بزيهم العسكري وسيوفهم المدلاه وسفراء الدول بقبعاتهم العالية ، ولكن الشئ الواضح أن الكل في حالة سعادة وإنسجام ، وفي المشهد النساء الأوروبيات بملابسهن الجميلة يقفن مع الرجال بدون يشمك ويحملن المراوح ويرتدين القلائد الذهبية وقد تبارت كل واحدة منهم في عرض جمالها، وفي وسط المدعوين يتواجد الخدم بملابسهم الفضفاضة يقدمون المشروبات ويقومون علي خدمة الجميع .. ببساطة هذة اللوحة تنقل حالة من الفرح والتنوير والبذخ والجمال .

وعن أفراح الأنجال يقول الياس الأيوبي في كتابه “ تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل “ أن تلك الأعياد أقيمت إبتداء من ١٥ يناير ١٨٧٣ ودامت أربعين يوماً كاملة إحتفالً بزواج أربعة من أولاد إسماعيل هم توفيق وحسين وحسن وفاطمة وقد أقيمت الإحتفالات فى المنطقة الواقعة بين ثلاثة قصور هم القصر العالي مقر إقامة الوالدة باشا أم الخديو و سراى الجزيرة مقر حفلات إسماعيل المفضل وسراي القبة مقر ولى العهد الأمير توفيق ، وقد زُينت الشوارع بالنجف والفوانيس علي مسافة آلاف الكيلومترات ووضع في نهايتها أقواس النصر المرصعة بالشموع فسطعت الأضواء وقلبت ليل المحروسة الى نهار ، وفي يوم ١٥ يناير بدأ خروج الهدايا المهداة من الوالدة باشا من القصر العالي الي العرائس وكان ( شوار ) الأميرة أمينة هانم زوجة ولى العهد أول ما خرج من ذلك النوع فسير به الى قصر القبة تخفره صفوف الفرسان بزى عربى بديع تتقدمه جوقة موسيقية من أمهر العازفين وكانت الهدايا موضوعة فى أسبتة مكشوفة فوق عربات مكسوة بالقصب على مخدات من القطيفة المزركشة بالذهب والماس يغطيها شاش فاخر يمسك بأطرافه أربعة عساكر فى كل عربة ويتبعهم ضباط بملابسهم الرسمية والسيوف مشهرة فى أيديهم. وكانت تلك الهدايا عبارة عن مجوهرات سنية وقلائد ماس ساطعة من البرلنتى وأقمشة مطرزة باللؤلؤ وزمرد وملابس بيضاء مطرز عليها إسم الأميرة باللالئ والحجارة الكريمة وآنية متنوعة من الفضة الخالصة ، وكان بين الهدايا المقدمة من اسماعيل الي أبنائه سرير من الفضة يشبه الذى أهداه الى الامبراطورة الفرنسية أوجينى مُحلى بماء الذهب وعواميده الضخمة مرصعة بالماس والياقوت الأحمر النادر والزمرد والفيروز، وقد إجتاز الموكب شوارع العاصمة بين سياج من العساكر الحاملين السلاح ، ولم يختلف شوار باقي الأميرات عن ذلك ، وفي اليوم السادس عشر أحيي في العباسية السباق الأوحد وكان معظم ( الجوكية) من السود لابسين لباساً من الحرير الأحمر ومُد فيه مقصف فاقت أصنافه في التنوع واللذه المقاصف الخديوية في ذلك الحين ، أما في اليوم السابع عشر فقد أقيم مرقص فخم في سراي الجزيرة -وهو الذي أعرضه اليوم - دُعي اليه ما بين أربعة الاف أوخمسة آلاف من الأجانب وأعيان البلاد فنورت الطريق من عابدين الي كوبري قصر النيل بفوانيس من الورق الملون ، .

وفي ظهر الثالث والعشرين من يناير خرجت العروس الأميرة أمينة هانم زوجة ولي العهد بصحبة الوالدة باشا من سراي الحلمية وتوجهت بإحتفال عظيم الي قصر القبة يتقدمها موكب مهيب من الخيالة والفرسان بزيهم الملون في إحتفالات أسطورية ووراءهم عربات التشريفة وبجانبهم الخدم والأغوات لتبدأ إحتفالات أخري داخل القصور لإستقبال الضيوف والمهنئين من النساء وتقديم الهدايا .

وفي النهاية وبعد كل ما عرضته قررت أنه لا داع للمخاطرة وركوب آلة الزمن ، فقد يقع خطأ ما وتسقط المركبة الزمنية داخل جناح العبيد والجواري وينتهي بي المطاف بين صفوف الخدم الذي يخدمون في هذه الإحتفالات ، وفي هذه الحالة لن أستطيع لقاء الخديو ، وقد أمضي بقية حياتي في مطبخ القصر بين القدور والأواني ، فقررت الإكتفاء بلقاءه علي صفحات الوثائق والكتب والمراجع وكفي الله المؤمنين شر القتال ،، والله .. الله علي مصر وإحتفالاتها وأعيادها زمان .

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق