رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

حروب تحت الأرض

ثمة حقيقة لا مراء فيها ولاجدال، وذلك وفقا للوثائق الإسرائيلية المختلفة، تكرست على الصعيد الإسرائيلي وهي أن إسرائيل، منيت عمليا بهزيمة على يد "حزب الله"، لن تنسى على مدى الأجيال الإسرائيلية.

ولهذه الحقيقة في الميزان العسكري الإستراتيجي الإسرائيلي، علاقة مباشرة بمفاهيم "إسرائيل العظمى" و"الجيش الذي لا يقهر" وكذلك بـ" العقيدة والنظريات العسكرية" و"التفوق المطلق" و"قدرة الردع" و" كي أوحرق الوعي" لديهم. إذ سعت إسرائيل، منذ النكبة عام 1948، إلى إنتاج رواية خاصة بها حول كل حرب، بهدف التأثير في وعي الإسرائيليين أنفسهم، واحتلال الوعي العربي والفلسطيني على نحو خاص، فضلا عن احتلال الوعي العالمي.
فقد سعت تلك الدولة، على مدى العقود الماضية إلى الترويج لرواية خاصة متميزة تصورها كصاحبة جيش صغير وذكي وقوي لا يقهر، ويحقق الانتصارات السريعة الساحقة على مجموع الدول والجيوش العربية.

بيد أن "حزب الله"، وفقا لكافة المعطيات الإسرائيلية وغيرها، في قلب كل الحسابات والتقديرات الإستراتيجية، نجح في تحويل الانتصارات الإسرائيلية السريعة المذهلة، إلى هزيمة حرقت الوعي والمفاهيم العسكرية الإسرائيلية. ومن ثم انقلبت كل الحسابات الإسرائيلية رأسا على عقب, وانسحقت تقديراتهم العسكرية, وتهاوت المفاهيم والنظريات الحربية بقوة مذهلة, وتحول المشهد الإسرائيلي من حالة النشوة والثقة المطلقة بالنفس، والاعتقاد الراسخ بالانتصار السريع الساحق، إلى حالة اليأس والإحباط والإحساس بالهزيمة.

فأكثر من نصف الإسرائيليين يخشون على مستقبل الدولة، وأكثر من الثلثين يتوقعون هجوما عسكريا مفاجئا, و70% فقدوا ثقتهم بالقيادة و37% يفضلون الهجرة إلى خارج إسرائيل"،"

وكذلك كان من أبرز تداعيات الحرب على الجبهة الداخلية الإسرائيلية، ما يتعلق بالقادة الكبار التاريخيين في إسرائيل. فإسرائيل إذن التي تهدمت صورتها وروايتها الردعية في هذه المواجهة، لا يمكنها وفق عقيدتها العسكرية ومنهجيتها الحربية، أن تقبل مثل هذه الهزيمة, ذلك أن استقرار ومستقبل إسرائيل، رهن عمليا حسب أدبياتها بتفوقها وقدراتها الرادعة.

كما أن تلك المؤسسة العسكرية الحربية المغرورة لا يمكنها أن تهدأ لسنوات عديدة, فلجأت إلى تصعيد الحرب ضد سوريا ولبنان مرة أخرى, وهذه التصعيدات في غاية الجدية والخطورة ولا تقتصر أهدافها فقط على التغطية على المجازر المقترفة والقادمة ضد الشعب الفلسطيني، وإنما تستهدف أيضا استرداد الرواية الردعية الإسرائيلية، وذلك إما عبر جولة حربية أخرى ضد "حزب الله"، والتقديرات العسكرية الإسرائيلية تعتبر المسألة مسألة وقت فقط, وإما عبر حرب إقليمية، ربما تشمل "حزب الله" وسوريا معا، أوعبر حرب إستراتيجية أخطر تستهدف طهران العمود الفقري لهذا المحور, وربما عبر حرب إسرائيلية شاملة على غزة.

فإسرائيل لا يمكنها في الحسابات الإستراتيجية أن تهدأ، ما دام هناك الشعب العربي الفلسطيني المنتفض والمقاومة المتبلورة المتعاظمة، وما دامت هناك قدرات عسكرية عربية أخذت تشكل تهديدا إستراتيجيا للدولة العبرية. وكما هو واضح من خلال المؤشرات الإسرائيلية والأمريكية، فإن خطة إعادة صياغة وترتيب الحالة الفلسطينية والإقليمية، تستدعي حربا شاملة على الفلسطينيين وهي تحت التنفيذ منذ انطلقت حملات "السور الواقي"، ثم "الخطة الصارمة"، فـ"أمطار الصيف"، فـ"غيوم الخريف.

غير أن السؤال الأهم في هذا الصدد، ماذا عن حجم الجيش الإسرائيلي في مرحلة المتغيرات الكبرى في منطقة الشرق الأوسط؟. بعد مضي عشرين عاما لم يطرأ خلالها أي جديد على الصعيد الاستراتيجي، علي حد قول الجنرال "اميرام نوركين", المسؤول عن التخطيط في الجيش الإسرائيلي، يبدو أن "الربيع العربي"، بعثر التهديدات وقسمها، وأن "حزب الله"، ما زال يشكل التهديد الأكبر, لكن إسرائيل لا تستبعد سيناريو الهجوم على عدة جبهات, على الرغم من تعاونها مع بعض الأجهزة العربية، ومن الهدوء على محاور "داعش، غير أن هذه الفرضية ليست الأرجح، نظرا لانقسام أعداء إسرائيل، وإن المنطقة تبقى رغم ذلك, شديدة الاشتعال.

فإذا ما اندلعت الحرب في غزة، فمن المتوقع أن يدخل "حزب الله" على الخط، فحسب مراقبين فإن "حزب الله" وحماس، يعملان على نقل النزاع إلى داخل الأراضي الإسرائيلية، من خلال اجتياح خاطف ومركز وذي مدلول رمزي, يحطم معنويات الأهالي. "الحرب المقبلة قد تدور تحت الأرض" في غزة حيث يسود الصمت, صمت الذين يحفرون الأنفاق، فضلا عن أن التسلح وتعزيز القدرات جار على قدم وساق لدى كل الفرقاء، إلا أن إسرائيل تبقى الأقوى على الصعيد التكنولوجي ولكن هذا غير كاف.


لمزيد من مقالات ابراهيم النجار

رابط دائم: