رئيس مجلس الادارة
أحمد السيد النجار
رئيس التحرير
محمد عبد الهادي علام
وأن الإحتفال بالمناسبات الدينية كالمولد النبوي الشريف وشهر رمضان الكريم كان لا يكتمل إلا بإدخال السرور علي قلب الفقراء . ووثيقة هذا الأسبوع هي مذكرة مكونة من ورقتين مرفوعة من محمد السيد شاهين محافظ القاهرة ونائب رئيس لجنة الاحتفالات العامة بمدينة القاهرة الى حضرة صاحب العزة مصطفى رشيد بك بتاريخ ٢٤ فبراير ١٩٤٣ يقول فيها « بعد التحية ... يسرنى أن أرفع لسيادتكم المذكرة الخاصة بتخصيص مبلغ ١٥٠ جنيها مصرى للترفيه عن الفقراء بمناسبة المولد النبوى الشريف بأمل التكرم بالموافقة للتمكن من إجراء اللازم نحو صرفها « أما المذكرة الملحقة بالوثيقة فتقول « بمناسبة قرب مولد النبى الشريف وضرورة الترفيه عن الفقراء والمساكين الذين أصبحوا فى حالة من البؤس تجعلنا نعمل على أن ندفع عنهم المآسى بالإحسان اليهم والأخذ بأيديهم ومعاونتهم برعاية مصالحهم ، ولا شك أن الظروف الحاضرة تجعل اللجنة تنتهز أي مناسبة كريمة لتعمل على تخفيف ويلات هذه الأزمة وظروف حدتها ، ولما كانت الحالة المالية للجنة الاحتفالات العامة بمدينة القاهرة تمكنها من إسداء هذه المعاونة ، إذ إن فى صندوقها بعد تسديد جميع التزاماتها التى دفعتها بمناسبة عيد ميلاد حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم حوالي تسعة آلاف جنيه مصرى . لذلك يقترح حضرة صاحب السعادة محمد السيد شاهين باشا محافظ القاهرة ونائب رئيس اللجنة تخصيص مبلغ ١٥٠ جنيها مصريا للترفيه عن الفقراء لتصرف فى هذه المناسبة الكريمة ». ومن هذه الوثيقة نتبين أن الحكومة المصرية في العهد الملكي كانت معنية ومهتمة بالفقراء وكيفية إسعادهم في كل المناسبات والإحتفالات الملكية بدليل إهتمام لجنة تنظيم الاحتفالات بمدينة القاهرة بإشراك الفقراء في الإحتفال بالمولد النبوي من خلال وضع بند مصروفات خاص بهم أثناء تحديد أوجة الصرف فى هذه الاحتفالات ، وهذه اللجنة تضم فى عضويتها عدداً من كبار الباشاوات والملاحظ أن المحافظ وهو أعلى سلطة تنفيذية فى المدينة هو النائب وليس الرئيس مما يعطى انطباعاً عن جدية هذه اللجنة ونزاهتها وشفافية العمل فيها ، أما الطريقة التى سيتم بها توزيع المبلغ للترفيه عن الفقراء فلم توضحه الوثيقة وإن كان يعتقد أنه ستتم إقامة الولائم لإطعام الناس وتوزيع الحلوى … ولكن المضحك والمبكي في نفس الوقت في هذه الوثيقة أنه في الوقت الذي دفعت فيه اللجنة عن طيب خاطر ٩ الاف جنيه للإحتفال بذكري ميلاد الملك فاروق وهو مبلغ ضخم بمقاييس هذا الزمان يتم تخصيص ١٥٠ جنيه فقط للترفيه عن الفقراء علي كثرة عددهم ، ولا أعرف في الحقيقة هل هذا من باب الإشتراك الرمزي من جانب لجنة الإحتفالات بجانب مساهمات من هيئات ووزارات أخري أم أن هذا هو نهاية المطاف ؟ وإن كنت أعتقد أنها مشاركة رمزية ليشعر الجميع بمعاناة الفقراء . أما في رمضان فقد كان الإهتمام بالفقراء والمساكين يتزايد وفي عصر الأسرة العلوية لم يكن الأمر يختلف كثيراً عن الحاضر بإستثناء أنه كان من المتعارف عليه أن الباشا أو الخديو أوالملك كان كثيراً ما يحضر الإحتفالات الدينية وخاصة الرمضانية وسط عامة الشعب وفقرائه أو ينيب عنه من يراه من الأسرة المالكة ، كما كان يوجه خطاباً إلي الشعب عبر الراديو في أول أيام رمضان يهنئهم فيها بقدوم الشهر الكريم ويشعرهم فيه أنه متواصل معهم ويشعر بمشاعرهم كما فعل الملك فاروق أكثر من مرة حتى إن المقاهى كانت تمتلئ بروادها لسماع هذه الخطب التى غالباً ما كانت تصطبغ بصبغة دينية ، كما كان الملك فاروق يأمر بمنع بيع المشروبات الكحولية والروحية ومنع تناول الطعام في المحلات العامة وكان يؤكد ضرورة قيام أصحاب المحلات المجهزة بأجهزة الراديو بإذاعة القرآن الكريم كما كانت القصور الملكية تستخدم مكبرات الصوت لإذاعة القرآن الكريم طوال أيام شهر رمضان وكانت تقيم السرادقات في الميادين الكبيرة والمتنزهات لتلاوة القرآن الكريم والتواشيح الدينية وخاصة فى ميدان قصر عابدين وقد عرفت مصر ظاهرة المآدب أو الموائد الرمضانية التى انتشرت فى عهد الملك فاروق ولكنها كانت مآدب ملكية تقام لإطعام الفقراء والمساكين والموظفين وعابرى السبيل وأى فرد من أفراد الشعب ، وكانت تتسع للمئات من الأشخاص فكانت دائماً ممدودة وعامرة ومفتوحة للجميع بداية من رجال الدولة وحتى عامة الناس والفقراء، وكان الغرض منها كما يقول بعض المؤرخين يتراوح ما بين بروتوكول سياسي وعمل خيرى ..وكانت تلك الموائد لا تنقطع طيلة الشهر الكريم فتارة هى للفقراء مثل تلك التى حضرها الملك مع مجموعة من الموظفين والبسطاء عام 1950 والتقطت له عدة صور فيها وهو يحتسى شراب قمر الدين قبل بدء الإفطار ... وقد ظلت الموائد الملكية مستمرة حتى قيام الثورة وسقوط الملكية ليحل محلها موائد الرحمن والموائد الرمضانية البسيطة التى تملأ شوارع وحوارى مصر المحروسة .. والله علي مصر وحكاياتها الرمضانية زمان والآن .