رئيس مجلس الادارة
أحمد السيد النجار
رئيس التحرير
محمد عبد الهادي علام
هي سيدة مصرية بسيطة حرمها الله نعمة البصر ووهبها نعمة البصيرة، وهم حفنة من التافهين الإمعات الذين حرمهم الله نعمة الإحساس والكرامة. ما فعلته الحاجة زينب غير مفهوم وغير مبرر بالنسبة لجوقة العملاء والخونة والسذج ومنتجي "الكوميكسات" الجالسين على النت للاستظراف على الوطن وشرفائه سعيا وراء الحصول على مزيد من "اللايك" و"الشير" والوجوه الضاحكة، وممن يسوؤهم مبدأ أن يكون المواطن البسيط وقادته يدا واحدة، فكيف لمنعدمي التربية والوطنية والنخوة أن يتفهموا - ولا بعد مليون سنة - مبدأ سيدة مصرية تتقبل فقدان البصر بقلب راضية، ولكنها ليست مستعدة لتقبل مجرد الحديث عن فقدان الوطن أو احتياجه "للي ما يسواش". كيف لـ"البهوات الصغار" أن يتعاملوا مع الإعلان التليفزيوني المذاع لها حاليا بجدية واحترام ونحن نعيش زمن إعلانات الفيلات والشاليهات الفارهة و"جيل" تثبيت الشعر و"ملابس القعدة المعتبرة" والملايين المهدرة على نجوم الفن لتجميل صورة شركات تربح المليارات من دم المصريين الحي ولم نسمع يوما عن أن أيا منها تبرع بمليم واحد للشعب الذي تعيش على "قفاه"؟ ما فعلته الحاجة زينب هو الفطرة والمنطق، وهو طبيعة المصريين، أما ما فعله الساخرون منها فهو الدناءة المعتادة منهم، وقد كرروها من قبل مع المشاركين في حملات جمع التبرعات باسم "تحيا مصر" و"صبح على مصر"، وغير ذلك من المشروعات التي نراها رأي العين، والتي تمس المواطن الغلبان بحق، ولكنها الوقاحة والجهل وعمى البصر وقلة التربية والمال الحرام الذي لا خير فيه ولا بركة. قالوا إن الحاجة زينب عاشت أيام حرب 48 وثورة يوليو وعيد الجلاء وحرب 56 وهزيمة 67 وانتصار 73، ولم تتبرع، ولكنها تبرعت الآن، واعتبروا ما يقولونه نكتة تستحق الضحك والتشيير، ولكنهم نسوا أن الحاجة زينب رأت في أيامنا السوداء هذه التي نتجرعها منذ خمس سنوات ما لم تره في حياتها من قبل، فكان أولى لهم أن "ينكسفوا" على دمهم وعلى أيامهم، قبل أن يطلقوا النكات عليها وعلى "عوز" بلد ينهبه أبناؤه. هؤلاء مبدأهم أن المصريين يجب ألا يتبرعوا لبلدهم، بحجة أن مصر لم تمنحهم شيئا، وليس لها أي فضل عليهم، وكراهيتها "واجب"، وشفط دمها "فرض"، وسرقتها حلال، والتبرع لمشروعاتها "حرام". هؤلاء يؤمنون بأن العلاقة بين الدولة المصرية وأبنائها يجب أن تظل علاقة جامدة بين دولة تدفع وتدبر وتحاول وتجتهد وتصيب وتخطيء، وبين مواطن يأكل ويعترض ويشكو من أسعار اللحوم والليمون والبامية، ويعيش "ببلاش"، رغم أن الواحد منهم لا ينتج في عام كامل ولا ثمن رغيف عيش! لو عاش هؤلاء عصر أم كلثوم وعبد الحليم وهما يجوبان العالم دعما للمجهود الحربي لسخروا منهما أيضا، ولوصفوهما بأنهما "دقة قديمة"، أما جمع التبرعات لمرشحي الانتخابات الأمريكية فهو على قلبهم "زي العسل" بالطبع، ومساهمات تمويل المنظمات الخيرية والمجتمع المدني في الدول الأجنبية، تحضر وشياكة. يقولون إن "حلق" الحاجة زينب لن يحل مشكلات مصر الاقتصادية، وهذا صحيح نظريا، ولكن المؤكد أنه دليل على أن مصر لن تموت أبدا، وعلى أن حرب "الكوميكس" الشعواء ضد الحاجة و"حلقها" و"إعلانها" ما هي إلا جزء من حرب شاملة هدفها باختصار ضرب مبدأ تبرع المواطن لمشروعات الغلابة التي تنفذها الدولة، بعد أن بدأت نتائجها تظهر على الأرض بصورة "مفحمة" لهم! يا حاجة زينب .. د. طه حسين قالها : "الحمد لله الذي خلقني أعمى كي لا أرى وجوهكم"! لمزيد من مقالات هـانى عسل