رئيس مجلس الادارة
أحمد السيد النجار
رئيس التحرير
محمد عبد الهادي علام
فبعد شهر من التظاهرات التي عصفت به، والتي تم قمعها بقوة، فر بن علي إلى جدة برفقة زوجته ليلى الطرابلسي وابنتهما حليمة وابنهما محمد زين العابدين، تاركا السلطة. أما ابنتهما نسرين، فسافرت مع زوجها رجل الأعمال صخر الماطري إلى قطر، ثم إلى جزر سيشيل، حيث يقيمان منذ ديسمبر 2012. ومنذ انتقاله إلى السعودية، نادرا ما تتسرب معلومات عن الرئيس التونسي المخلوع. ويكتفي محاميه اللبناني، بإصدار بيانات صحافية للرد على تقارير تتناوله، في حين أن لا معلومات على الإطلاق، حول طريقة عيشه والموارد التي يستفيد منها لتغطية نفقاته. حيث لا يرغب بن علي في تقديم أي تفاصيل عن حياته الخاصة في جدة. في عام 2011، قدم بن علي، روايته عن فراره عبر محاميه، موضحا أنه كان ضحية مخطط وضعه المسئول عن أمنه الجنرال علي السرياطي، الذي قال له إن هناك تهديدات بإغتياله، ودفعه إلى المغادرة لنقل عائلته إلى مكان آمن، ثم منعه من العودة إلى البلاد. ويؤكد بن علي، بأنه لم يعط أبدا أوامر بإستخدام الرصاص الحي ضد المتظاهرين. وتفيد حصيلة رسمية بأن 338 شخصا قتلوا في قمع الثورة التي قامت ضد حكم بن علي. ومنذ ذلك الوقت، نُشرت صور قليلة جدا لبن علي، على حسابات لأولاده على موقع التواصل الاجتماعي. وقبل عام من ذلك، نشرت زوجته ليلى الطرابلسي كتابا بعنوان "حقيقتي"، ترفض فيه اتهامات الفساد والتوجه الدكتاتوري للنظام السابق. وللمرة الأولى منذ فرارهما، نشرت صورة لبن علي بشعره الأسود المصبوغ مبتسما إلى جانب زوجته وهي ترتدي الحجاب، لينفيا بذلك شائعات حول طلاقهما. أما بالنسبة إلى بقية أفراد عائلته، فتقيم غزوة ودرصاف وسيرين، بنات بن علي من زوجته الأولى نعيمة الكافي، في تونس. ودرصاف "مريضة" حسب زوجها رجل الأعمال سليم شيبوب، الذي عاد إلى تونس في 18نوفمبر2014 من دولة الإمارات العربية المتحدة، التي أقام فيها منذ مغادرته البلاد إبان الثورة. ومثل شيبوب فور عودته إلى تونس أمام القضاء، الذي أصدر في حقه مذكرة توقيف "بخصوص عقد استشاري مع المجموعة الصناعية الفرنسية الستوم"، وفق محاميه سمير السعيدي. وفي 12 يناير الحالي، أفرج عنه القضاء بشكل مؤقت لانتهاء الأجل القانوني الأقصى للتوقيف والمحدد بـ 14 شهرا. ويُلاحَق شيبوب في قضايا يتعلق أغلبها بإستغلال نفوذ وفساد مالي خلال فترة حكم بن علي. ويعيش شقيق ليلى الطرابلسي بلحسن طرابلسي في كندا. وهو رجل أعمال ثري ومتهم بأنه من بين الذين سيطروا على مقاليد البلاد اقتصاديا وبإستغلال النفوذ بشكل غير مشروع. وهو معرض للطرد من كندا، بعد أن رفض طلب اللجوء الذي قدمه العام الماضي. شهدت الساحة السياسية التونسية مؤخرا، جدلا من نوع خاص يتعلق بالرئيس الأسبق بن علي، يأتي ذلك غداة إعلان الناطق الرسمي باسم الحكومة التونسية خالد شوكات، الذي دعا إلى عودة بن علي، إلى تونس. وأثارت تصريحات شوكات، تعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، و"تويتر"، تراوحت بين التنديد والسخرية، لأن موقفه في السابق كان مناهضا تماما لهذه التصريحات. حيث قال، "الرئيس بن علي فرج الله كربه، ورد غربته، أنا أحب ألا يستمر بقاؤه في المملكة العربية السعودية"، في الوقت الذي رد عليه رئيس الحكومة التونسية الحبيب الصيد، قائلا، إن "حديث شوكات، بشأن عودة بن علي، يهمه هو شخصيا، ولا يلزم الحكومة". التزم بن علي، منذ هروبه إلى السعودية الصمت، حيث رفض الحديث أو الإدلاء بأي تصريح إعلامي، ليفاجأ التونسيون به في رمضان، من خلال برنامج "ألو جدة" على قناة "التاسعة" الخاصة. حيث عاد الرئيس التونسي الأسبق بن علي، لتونس عبر شاشة سكايب، وكانت إدارة القناة، قد روجت قبل انطلاق شهر رمضان الكريم، لما وصفته "بالسبق الصحفي"، الذي ظفرت به مع المخلوع ليتضح في النهاية أن المسألة لا تتعدى كونها "كاميرا خفية". وأثار برنامج "ألو جدة" الذي يقدمه الوجه الإعلامي التونسي المعروف مكي هلال، منذ حلقته الأولى جدلا واسعا في الساحة الإعلامية والسياسية التونسية، كما لقي نسب مشاهدة كبيرة. وتقوم فكرة البرنامج على دعوة وجوه إعلامية وسياسية تونسية مشهورة، لبرنامج إخباري وإيهامهم بأن القناة تحصلت على سبق صحفي، ليظهر بعدها بن علي عبر سكايب، ويحاور الضيوف صوتا وصورة، حيث برع المقلد وسيم الحريصي، في تقليد صوت المخلوع لتنطلي الخدعة على الضيوف وتنطلق المواجهة بينهم. يبدو أن الحضور الطويل والقوي للرئيس السابق، في ذاكرة التونسيين خلف بلا شك رواسب في الكثير، لا يمكن تجاوزها بسهولة، ولا يمكن نسيانها في ظرف سنوات، والمفاجئ في هذه الكاميرا الخفية، أنها جمعت طيفا واسعا من القيادات السياسية ومن رجال الإعلام والمثقفين والصحفيين وبعض نشطاء حقوق الانسان، والتيارات السياسية اليسارية التي عرفت بمعاداتها لبن علي، على الأقل بعد سقوط نظامه. فضلا عن أن العديد من الأصوات تعلو بين الفينة والأخرى في تونس، ولا تتوانى ولا تكل من المطالبة علنا بعودة بن علي، بل فيهم من أحي ذكرى مولده السنة الماضية، وفيهم من أسس جمعية علنية تطالب بعودته، ولم يعد مستهجنا كما في السنوات السابقة، أن نجد سياسيين في برامج تلفزيونية وإذاعية يطالبون بعودته، وآخرون لا يرون مانعا في ذلك، كما طالب البعض أن يشمله أيضا مشروع المصالحة الوطنية كغيره من مو طني البلاد. بن علي لازال منه الكثير في العقل الجمعي، ولا زالت آثار ندوبه الغائرة في نفوس التونسيين. اللافت للنظر هنا، أن هذا الظهورالمصطنع لبن علي، كانت له تداعيات خطيرة في الأوساط الصحفية والاعلامية والسياسية في تونس، حيث أحدثت بلبلة كبرى على شبكات التواصل الاجتماعي، بعد أن وقع مجموعة من الإعلاميين والسياسيين في الفخ. فضلا عن اتهام البرنامج وإدارة قناة "التاسعة" بتلميع صورة الرئيس الأسبق، ومحاولة إعادته للمشهد الإعلامي في تونس وتصويره كضحية.لمزيد من مقالات ابراهيم النجار