استطاعت الأردن الافلات بإعجوبة من العاصفة السياسية التي اجتاحت دولا كثيرة في الشرق الأوسط منذ أواخر عام 2010، ونأت بنفسها بعيدا عن ثورات ما سمي "بالربيع العربي". غير أنه من الممكن أن تتحول العديد من التحديات التي تطفوا على السطح، إلى تهديدات خطيرة تعصف بإستقرار المملكة الهاشمية.
يواجه الملك عبد الله الثاني، مجموعة من التحديات الخارجية والداخلية المتزايدة. تتمحور أهم التحديات الخارجية في عدم الاستقرار في الآثار غير المباشرة للحرب في سوريا، والتي من بينها احتمالية التورط في اشتباكات عسكرية على المناطق الحدودية، وظهور التطرف السلفي، والتكلفة الباهظة للأعداد الكبيرة والمتزايدة للاجئين، والتدخل الممكن للحركات الإسلامية من الدول الإقليمية الأخرى داخل الأردن. بينما تشمل التحديات الداخلية لعدم الاستقرار، ارتفاع السخط الشعبي الناتج عن إجراءات تقشف اقتصادية، وإصلاحات سياسية غير كافية، إلى جانب التسامح الحكومي المتصور تجاه الفساد. وفي الوقت الذي تشكل فيه التهديدات الخارجية تحديات كبيرة للنظام، إلا أن الخطر الأكبر هو عندما تتبلور هذه التهديدات أوتزيد من حدة عدم الاستقرار الداخلي.
قد لا يكون قرار العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، بحل مجلس النواب الأردني السابع عشر، وقبول استقالة حكومة عبدالله النسور، وتعيين وزير الخارجية السابق هاني الملقي خلفا له، مفاجئا، في ظل ما تشهده البلاد من تغيرات وأزمات في الفترة الأخيرة. حيث أقرت حكومة النسور تعديلا دستوريا، يسمح برفع الحظرعن مزدوجي الجنسية من تولي المناصب العليا في البلاد، الأمر الذي مهد بشكل أو بأخر لتكليف الملقي، بتشكيل الحكومة الجديدة قبلها بأسابيع، وهو التعديل التشريعي الذي لاقى تجاذبات واسعة في الأوساط السياسية الأردنية. كما قدمت حكومة النسور، الذي يعتبر الأطول عمرا في رئاسة الحكومات الأردنية في عهد الملك عبد الله الثاني، قانون انتخاب جديد، أنهى أكثر من عشرين عاما من قانون ما يعرف بـ "الصوت الواحد"، الذي كان يلقى معارضة شعبية وسياسية واسعة.
بيد أن هذه التعديلات التشريعية، سبقها أزمات سياسية واقتصادية غير مسبوقة في الأردن، بدأت بإحتجاجات شعبية لا تتوقف على ارتفاع الأسعار وقلة فرص العمل، وجدت صدى كبيرا منذ 2011 تحديدا، بالتزامن مع ثوارت "الربيع العربي"، فشلت سياسات حكومة النسور، في ترويضها على مدار خمس سنوات، فيما سجل الدين الأردني رقما غير مسبوق بـ 35 مليار دولار، إضافة إلى عجز في الموازنة بلغ ملياري دولار سنويا. احتجاجات عام 2011، كانت أيضا شرارة مواجهة سياسية عنيفة بين الحكومة السابقة "وجماعة الإخوان"، التي تعد أهم القوى السياسية الفاعلة على الساحة الأردنية، وهي التي قادت الاحتجاجات في الشارع، فقد فرضت الحكومة على الجماعة وذراعها السياسية حزب "جبهة العمل الإسلامي"، عددا من القيود القانونية والإدارية، تخللها ترخيص جمعية جديدة منافسة تحمل ذات الاسم، وإغلاق جميع مقرات الجماعة الأم، ومنعها من مزاولة أي نشاطات لها. تلك المقدمات مهدت إلى رد فعل جيد برحيل حكومة النسور في الأوساط الأردنية كافة، لكنها كانت فرحة يشوبها قلق حيال ما هو قادم، في ظل تحفظات على رئيس الوزراء المكلف، هاني الملقي.
ويري مراقبون، أن السبب الرئيسي وراء قرار حل مجلس النواب، هو أن النظام الأردني، وجد نفسه في مأزق، خصوصا أن الإعلام لم يستطع التغطية على الاحتجاجات الأسبوعية التي تطالب علنا بسقوط النظام على بعد أمتار من القصر الملكي بالعاصمة. كما تسربت تحذيرات أمريكية، من احتمالية تعرض الأردن إلى "ربيع عربي"، قد يطيح بالنظام الملكي، في ظل مساعي الملك عبد الله الثاني الأخيرة لتوسيع صلاحياته، بعدما أقر مجلس النواب في أبريل الماضي، تعديلا دستوريا يحصر العديد من الصلاحيات السياسية والأمنية والقضائية بيد الملك، زاعما وجود تنسيق بين الجيش الأردني والإدارة الأمريكية. وألمح المراقبون أيضا، إلي أن التغيرات في تشكيلة الحكومة الجديدة ستكون شكلية، خصوصا أن رئيس الوزراء المكلف ليس "تكنوقراطيا"، كما أن النظام يرفض الإصلاحات أوالتغيير، ويصير بشكل أو بأخر على الاعتماد على الحرس القديم، نستطيع أن نقول إن القرارات الأخيرة، تخضع لمصطلح "البقاء السياسي".
إن ما شهده الأردن أخيرا، من حل الحكومة ومجلس النواب (الذي كانت مدته ستنقضي نهاية يناير المقبل)، وتعيين وزير الخارجية الأسبق هاني الملقي رئيس وزراء جديد، وهو ما يعني انتخابات نيابية مبكّرة تجري بناء على قانون الانتخاب الجديد، وهو قانون يُنتظر منه أن يؤدي إلى تمثيل أكثر ديمقراطية وتنوعا لمجموع الناخبين الأردنيين. قرار الحل المبكر للحكومة ولمجلس النواب والتوجه بالتالي لانتخابات نيابية جديدة، يعني أن الملك، قرر أن الحكومة السابقة قد استنفدت مهماتها، بعد أن نجحت إلي حد ما، في الحفاظ على التوازنات السياسية المحلية والخارجية الدقيقة، في وضع كان شائكاً للغاية. من جهة أخرى، فالقرار يعني أيضا، أن الوقت صار مناسبا لإجراء تغييرات ضمن المؤسستين التشريعية والتنفيذية، وهو قرار في الظروف المعقدة عربيا، لا يمكن أن يكون محليا محضا، لأن تبعاته لن تقتصر على الأردن.
ويأتي حل الحكومة بعد أيام قلائل من خطاب العاهل الأردني بمناسبة عيد الاستقلال الأردني، والذي أطلق فيه مجموعة من الرسائل السياسية المهمة، التي ركز فيها على مدينة القدس ورعاية الهاشميين للمسجد الأقصى، كما أكد على عروبة فلسطين وعلى مفهوم المواطنة، وقد قرأ الكثيرون هذا الخطاب، بإعتباره تهيئة للأردن للتموضع ضمن سيناريوهات التسوية الشاملة للملفات الإقليمية في المنطقة، وخصوصاً الفلسطينية منها.
بهذا المعنى، فإن التناغم الحقيقي بين القرارات التشريعية والتنفيذية المقبلة، وعطفها على الانسجام أكثر مع حركة العقلانية السياسية، التي نجد آثارها الإيجابية في تونس والمغرب وليبيا واليمن وبعض دول الخليج، يجب أن تجد صدى لها في تخفيف الاحتقان السياسي في الأردن، وإعطاء الفرصة للناخب الأردني للقرار بشأن من يريد تمثيله في المجلس النيابي الجديد.
لمزيد من مقالات ابراهيم النجار رابط دائم: