رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

(السياسة الشرعيَّة وفقه الدولة ( 14
مبدأ سيادة القانون والدولة

إن ظهور نظرية السيادة حديثًا ولو نسبيًا لا يمنع أنها تدخل ضمن بنيان الدولة منذ ظهور المجتمعات البشرية الأولى، فهى ظاهرة قانونية ارتبطت ارتباطًا وثيقًا بقدرة السلطة على تدبير الشأن العام للدولة، واستقلال إرادتها، وإحكام السيطرة على مناطق وجودها وامتداد نفوذها. والتزام هذا المبدأ وتطبيقه سبيل الإصلاح وتحقيق مقصد العدل الذى أمر الله تعالى به فى قولِه:(قُلْ أَمَرَ رَبِّى بِالْقِسْطِ) [الأعراف:29]، بل أرشد الله الناس إلى أن الحكمة من تشريع القوانين وبيان الأحكام أن يقوم الناس بالقسط، قال تعالى: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) [الحديد:25].

وهى قيم عليا تمثل عماد تحقيق العدل فى المجتمع، ومن ثَمَّ يقضى ذلك بعدم الاقتصار على وجود القانون شكلا، وإنما يستوجب تفعيله فى الواقع من خلال تحقيق العدل والمساواة بين أفراد المجتمع وطبقاته المختلفة فى الاستحقاقات والتصرفات وتحمل المسئوليات، خاصة إذا تحققت الشروط والأسباب وانتفت الموانع.

وقد بيَّن النبى صلى الله عليه وسلم أن مخالفة مقتضى العدل سبب أصيل فى هلاك الأمم؛ فقد روت السيدة عائشة رضى الله عنها: أن قريشا أهمتهم المرأة المخزومية التى سرقت، فقالوا: من يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد، حب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (أتشفع فى حد من حدود الله) ثم قام فخطب، قال: (يا أيها الناس، إنما ضل من قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه، وإذا سرق الضعيف فيهم أقاموا عليه الحد، وأيم الله، لو أن فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم سرقت لقطع محمد يدها). وفى هذا الحديث تأصيل لتمكين السلطات المختصة من تطبيق القانون على المخالفين، ولا يحق لأحد أن يشفع أو يعترض على هذه الإجراءات إلا وفق الأطر الموضوعة لذلك، بل إنه يرشد الأمة إلى وجوب منع المعوقات، خاصة العائلية والطبقية أمام سيادة القانون.

وهذا أصل تضمنته وثيقة المدينة، حيث جاء فيها: «وأن المؤمنين والمتقين على من بغى منهم، أو ابتغى دسيعة ظلم – أي: أراد دَفْعا على سبيل الظلم - أو إثم أو عدوان أو فساد بين المؤمنين، وأن أيديهم عليهم جميعهم ولو كان ولد أحدهم». ولعل فى ذلك تأسيس لما توافقت عليه النظم الدستورية والقانونية من ضرورة النص على مبدأ سيادة القانون ووجوب العمل به، وفى هذا الإطار نشير إلى أن الدستور المصرى سنة 2013م قد أفرد الباب الرابع فى بيان هذا المبدأ، وقد جاء فى المادة [94] منه: «سيادة القانون أساس الحكم فى الدولة، وتخضع الدولة للقانون. واستقلال القضاء وحصانته وحيدته ضمانات أساسية لحماية الحقوق والحريات».

ولا تعارض مطلقًا بين مبدأ سيادة القانون وحاكمية الشرع الشريف فى نظام الدولة المصرية الحديثة؛ فإن مرجعية الدولة التشريعية فى قوانينها تلامس وجهًا صحيحًا للإسلام الحنيف، حيث الالتزام بمبادئ الشرع وثوابته، وفى ذات الوقت نستفيد من مساحة المتغير الواسعة جدًّا، والتى يباح فيها الاجتهاد وفق مقتضيات الناس والعصر، ومن ثَمَّ لا يجمد الناس على واقعهم، وإنما يلاحظون التطوُّر أسبابًا ومقاصد مع الاستفادة من التجارب الإنسانية وفق الأولويات والمقاصد.

ثم إن الأمر فى هذا الجانب يسير فى الواقع على مقتضى الحكمة؛ فهناك جهتان مخاطبتان بتشريع القانون بالأصالة، وهما: السلطة التشريعية، والمحكمة الدستورية، فالأولى من واجبها سن القوانين التى تكون مبادئ الشريعة الإسلامية العامة مستندة إليها ومرجعية أساسية لها، وليست مخالفة أو متعارضة مع نص قطعى منها.

والثانية: يجب عليها مراقبة هذه التشريعات والقوانين، وإبطالها فى حالة انحرافها عن النصوص الدستورية أو مخالفتها لها، فإذا قضت المحكمة الدستورية بمخالفة النص المطعون عليه من نصوص القوانين لمبادئ الشريعة الإسلامية، فمقتضى نص المادتين 48، 49 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979م أن يكون لقضاء هذه المحكمة فى الدعاوى الدستورية حجية مطلقة فى مواجهة الجميع وبالنسبة إلى الدولة بسلطاتها المختلفة، باعتباره قولا فصلا فى المسألة التى فصل فيها، وهى حجية تحول بذاتها دون المجادلة فيه أو إعادة طرحه من جديد لمراجعته.

ويمثل مبدأ سيادة القانون فى نظام الدولة الحديثة إحدى الركائز الأساسية فى بنائها، وأهم مبادئها المستقرة التى يقوم عليها نظام الحكم فيها، وهو قيمة عليا تتفق عليها جميع النظم الدستورية والتشريعية، وهو سبيل العدل والإصلاح والتنمية.


لمزيد من مقالات د شوقى علام

رابط دائم: