يا مصر حكاياتك جميلة ومثيرة ولذيذة ولا تنتهي, ومن يحب بلاده سيجد في حكاياتها كل المتعة والتشويق, والحقيقة أن التاريخ والحظ لا يضنان علينا بالحكايات, ففي كل ورقة قديمة سر وقصة, وسحر الأوراق والوثائق القديمة لا يكمن فقط في رائحتها المعتقة ولا ملمسها الناعم وخشونة الأحبار المدون بها الوثائق, ولكن فيما تقدمه من معلومات تكشف الكثير من الأسرار وتميط اللثام عن الغموض الذي أحاط ببلاد تبني نهضتها وتحاول أن تلحق بركب الحضارة بل أنها تفوقت في بعض الحالات وكثير من المجالات لتتقدم علي نظرائها من دول العالم.
ووثيقة هذا الأسبوع هي وثيقة رسمية حكومية من النوع النادر تحكي عن الأسرار التي صاحبت مد خطوط التليفون في بر مصر المحروسة مكتوبة باللغة الفرنسية وهي لغة المصالح الحكومية ومصحوبة بترجمة للغة العربية وهي صادرة من إدارة القلم العربي برياسة مجلس النظار( مجلس الوزراء) بتاريخ92 يونيو5981 وموجهة الي نظارة الأشغال العمومية تقول:
بالجلسة المنعقدة يوم الثلاثاء52 يونيو صار الإطلاع علي المذكرة المقدمة من سعادتكم بتاريخ61 يونيو المرقوم بشأن طلب شركة التليفون بمصر الترخيص لها بإقامة خط تليفون بين المنصورة وكل من نواحي نبروه وشاوه والغرق وبحر طناح وأبعاديتي سلمون وميت علي بمديرية الدقهلية وإقامة خطوط أخري في أملاك البرنس طوسون باشا بناحية نبروه, وفي نظير ذلك تتعهد الشركة بدفع جعل( إيجار) سنوي للحكومة قدره02 قرشا عن كل ميل إنجليزي من سلك التليفون, وقد رأت نظارة الأشغال عدم المانع من إجابة هذا الطلب بشرط أن الرخصة المعطاة في03 يناير3881 عن مدينة المنصورة الي مدة غير محدودة تحور( يتم تغييرها) بحسب الشروط الجديدة التي تضمنها قرار المجلس الرقيم02 أكتوبر1981 الذي تقرر فيه أن تكون مدة الرخصة خمس سنين فقط يجوز للشركة تجديدها لمدة خمس سنين أخري بشروط الخمس سنين الأولي, وبعد المداولة رخص المجلس لشركة التليفون بمصر بإقامة الخطوط المتقدم ذكرها علي حسب الكيفية التي أبدتها نظارة الأشغال في مذكرتها المحكي عنها وبناء عليه لزم تحريره لسعادتكم لإجراء مقتضي هذا القرار أفندم وقد ذيلت الوثيقة بإمضاء مصطفي فهمي باشا ناظر الحربية نائبا عن رئيس مجلس النظار.
ومن هذه الوثيقة نتبين أن مد خطوط التليفون في مصر في النصف الأخير من القرن التاسع عشر كان يتم من خلال شركة تليفون خاصة كانت تقوم بمد الخطوط والكابلات بين المدن, وكان لابد لها من الحصول علي ترخيص من الحكومة للقيام بهذا العمل باعتباره عملا غاية في الأهمية, وأنه في هذه السنوات كانت خطوط التليفون محدودة ومقتصرة علي المدن الكبري وكانت هناك تسعيرة لمد هذه الخطوط قدرت بعشرين قرشا مصريا لكل ميل إنجليزي, وقد انتهزت الحكومة فرصة الطلب الذي تقدمت به الشركة لتوسيع خدماتها وزيادة خطوطها في مدينة المنصورة والبلاد المحيطة بها فغيرت وعدلت من بعض الاشتراطات لتجعل الموافقة وعقد مد خطوط التليفون مشروطا بخمس سنوات قابلة للتجديد.
وعن تاريخ دخول التليفون مصر يقول مهندس حسام محمد كامل في مدونته صحافة عربية بنكهة عصرية أن تاريخ الاتصالات الحديثة في مصر بدأ عام4581 حيث تم لأول مرة ربط مدينة القاهرة بالإسكندرية من خلال نظام التلغراف وذلك بسبب مرور كابل التلغراف الرئيسي في البحر الاحمر, ثم امتدت الخدمة التلغرافية لتشمل مدينة السويس في عام6581, وقد بدأ الموضوع بطلب تقدم به اثنان من الإنجليز للباب العالي بمد خط للتلغراف وتمرير كابل من اسطنبول إلي الأسكندرية وهو الذي تمدد ليشمل القاهرة ثم السويس, وقد اعتبر هذا الكابل أول ارتباط بين مصر وأوروبا وإسطنبول, وبحلول عام0781 وصل عدد خطوط التلغراف في مصر إلي66 خطا منها61 خطا تصل إلي السودان. في عام1881 تولت شركة إديسون بل الأمريكية إنشاء أول خط تليفوني بين القاهرة والإسكندرية كما تم تركيب سنترال يدوي طراز الماجنيتو ظل يخدم القاهرة حتي عام6291
في عام3881 حدث تطور في نوع جديد من البطاريات وكانت مقدمة من قبل شركة التلغراف وهذه البطارية تدعيLeclanch وتم اختراعها في عام6881 واستخدمت عام4881 بشكل موسع في أنظمة التلغراف في مصر وسوريا, سمح لكل من وكالة رويترز ووكالة الانباء الفرنسية لإرسال برقيات لهما من الاسكندرية الي القاهرة مجانا. في عام5881أستطاع الجيش الإنجليزي استعادة السيطرة علي خطوط التلغراف و التليفون التي تم الاستيلاء عليها في صعيد مصر وفي السنوات اللاحقة تم زيادة عدد خطوط التليفون لخدمة مناطق أكثر. من الجدير بالذكر أن أول خدمة تلغراف في مصر تعود ملكيتها إلي هيئة السكك الحديدية في مصر كما كانت الخطوط الرئيسية المعروفة بخطوط الترانك مملوكة للدولة و كانت تؤجر لشركة التليفونات مقابل07% من دخل الشركة. في عام8191, اشترت الحكومة جميع خطوط الهاتف والتلغراف, باستثناء عدد قليل من المكاتب الصغيرة, وإدارة مستقلة منفصلة عن البرق والهاتف و هو ما يؤرخ لإنشاء مصلحة التلغرافات والتليفونات المصرية. ونتيجة لتطور صناعة الاتصالات و لزيادة الطلب عليها فقد زادت الاستثمارات الحكومية من087 ألف جنيه مصري عام8291 لتصبح ملوني جنيه عام0391. ثم أقامت شركة ماركوني محطتي إرسال واستقبال لاسلكي للاتصالات الدولية, و في عام2391 فقد تم ربط القاهرة و الإسكندرية لأول مرة عن طريق الكابلات الأرضية فكانت من نتيجة هذه المشاريع أن تم تقليل زمن تأخر المكالمات إلي ما يقرب من خمس دقائق وتوالي التطور حتي وصلنا الي عصر التليفون المحمول بكل تقنياته وتطوره.. والله علي مصر زمان
رابط دائم: