رئيس مجلس الادارة
أحمد السيد النجار
رئيس التحرير
محمد عبد الهادي علام
تحول «القبح» إلى «ثقافة» و«فكر» و«أسلوب حياة» لدى المصريين. أكوام القمامة في كل مكان، مشاهد قصاقيص الورق وأعقاب السجائر الملقاة على الأرض أصبحت مشاهد من «الزمن الجميل» في شوارعنا، بل وأمام بيوتنا، قياسا بما نشاهده الآن من مقالب نفايات في طرقاتنا وأمام منازلنا ومحلاتنا ومدارسنا، بل وأمام منشآتنا الكبرى، التي كانت ذات يوم تجد من يهتم بها على حساب الأحياء الفقيرة أو الشعبية، ولكنها الآن أصبحت مرتعا للقمامة والقطط والكلاب وتحت حصار الباعة الجائلين والمتسولين، شأنها شأن باقي أنحاء «المحروسة»! لم يعد لدينا «زمالك» ولا «مصر الجديدة» و«لا مهندسين» كما كان الحال عليه قبل عقد من الآن تقريبا، وزاد الأمر سوءا وبشاعة - بطبيعة الحال - بعد السقوط المدوي للأخلاق والنظام والقانون في مرحلة ما بعد 25 يناير 2011. كل شيء أصبح ينطق بالقبح والفجاجة، قمامة ومخالفات ومخلفات بناء وتعديات وقطع أشجار، والأسوأ من ذلك أن معظم محاولات التجميل والتشجير والرصف للطرقات عادة ما باتت تتسم هي ذاتها بغياب الذوق، وسيادة القبح في كل شيء، في التخطيط والتنفيذ والتشطيب، فتكون النتيجة مزيدا من القبح، رغم أن المحافظ ورئيس الحي والسادة المهندسين والمقاولين والكناسين يكونون مقتنعين تمام الاقتناع بأنهم بذلوا كل ما لديهم من جهد، وكأنهم انتهوا من بناء «الهرم الأكبر»! إيليا أبو ماضي يقول في «فلسفة الحياة» : «كن جميلا ترى الوجود جميلا»، لذا فمن المنطقي أنك لو كنت قبيحا، ومحاصرا بالقبح، سترى كل من حولك قبيحا، وستتصرف أيضا بقبح ووقاحة! كلاكسات السيارات المزعجة وسارينات سيارات الشرطة والإسعاف وشتائم وبذاءات الصبية والشبان على النواصي وصيحات الباعة الجائلين المنكرة قبح سمعي، ومع ذلك، اعتدنا عليها، تماما مثلما نصفق ونرقص على أغنيات بعض مطربينا المحبوبين الذين أصيبت أصواتهم هي الأخرى بـ«التنشز»! والقبح في الإعلام أيضا صار من شروط النجاح للأسف الشديد، وبرامج التوك شو» المسائية لا تقدم إلا كل ما هو قبيح وعار في مجتمعنا، وهو تشويه متعمد لا تقوم به أي وسيلة إعلامية في أي بلد في العالم، ويكفي أن «الضيف المجنون» أو «الموتور» صار هو الضيف المفضل والمحبب لدى أصحاب هذه الفضائيات والبرامج، أما الضيف العاقل المتزن فليس له مكان، لأنه «مش ها يأكلهم عيش»، ولكن الصنف الأول هو المطلوب، وهو الذي تدفع له الأموال مقابل تشريف سيادته للقناة الفضائية، لا يهم ما يقوله، ولكن المهم «الولعة» و«الكلام الحراق»، وعرض السلبيات وتضخيمها والحديث عن الثورة والإحباط والغضب والسلبيات وتوافه الأمور، ويا حبذا لو كان من محترفي التهجم على المسئولين والحكومة، وسم أبدان الوزراء والمحافظين بلواذع الكلم، على رأي فؤاد المهندس في مسرحيته الشهيرة وهو يتحدث عن شخصية وكيل الوزارة «بسيوني أبو الليف»! ويمتد القبح ليصل إلى الثقافة والفكر، فلم يعد لدينا فقط «فقر الفكر وفكر الفقر» الذي تحدث عنه د. يوسف إدريس، وإنما أصبح لدينا قبح الفتاوى، وقبح الأفكار، وقبح الحريات، وقبح الفن، وقبح الأدب وقبح الحوار، فتاوى من زمن فات، وأفلام بلطجة ودعارة ورقص بالمطاوي، وبرامج مبتذلة، وتضخيم قضايا تافهة، وتسفيه قضايا كبرى، وتحويل كل عمل جيد إلى مصدر للسخرية والاستظراف، وحوارات أشبه بصراع الديوك على الهواء مباشرة تنتهي في المحاكم، وبذاءات وسب وتطاول وتحريض صريح على العنف وتشجيع علني للفوضى والإرهاب عبر مواقع التواصل الاجتماعي تحت شعار «الرأي والرأي الآخر»! ولأن القبح أصبح سلوكا جمعيا، فلم يعد غريبا أن نرى صراعات مفتعلة وصدامات مدبرة وأزمات ومكائد تدار بليل، ومن بين ذلك الأزمات الأخيرة التي أشعلتها جبهات وأسماء بعينها في نقابات مهنية اشتهرت بفشلها في حساب أعضائها المتجاوزين في حق المهنة والمجتمع لعقود طويلة، ولكنها، مع ذلك، انتفضت ولطمت الخدود وشقت الجيوب عندما تعرض منتمون إليها لتجاوزات، لتجد نفسها تطالب الآخرين بما لم تفعله هي، وتطالب بتطبيق قانون وأحكام «على المزاج» .. وإلا «مش لاعبين»!! وما تفعله هذه النقابات لم يختلف كثيرا في رداءته عن إضراب سائقي التاكسي الأبيض، والذي أراه تجاوز مرحلة القبح!! .. إرحمونا.. فالقبح يخنقنا!! لمزيد من مقالات هـانى عسل