أشياء كثيرة ستتغير فى المنطقة بعد رفع العقوبات عن إيران، سياسيا، وعسكريا، واقتصاديا.
سياسيا، ستخرج إيران تدريجيا من عزلتها، وتبدأ دول العالم، فى التقرب إليها لإقامة علاقات طبيعية معها، بعد أن زال خطر التهديدات بعقوبات أمريكية مع “المتعاملين” مع طهران، وسيعنى ذلك تحولا كاملا فى عملية التوازن الجيوسياسى فى منطقة الشرق الأوسط، وبخاصة فى سوريا والعراق واليمن.
ستقدم إيران نفسها الآن للعالم، أو هى بدأت بالفعل فى ذلك، فى صورة الدولة المسالمة المطيعة لواشنطن وحلفائها، والتى يمكن أن تكون شريكا يعتمد عليه فى الحرب ضد الإرهاب، وهو ما يهدد بتغيير جذرى فى تعريف الإرهاب وفقا للطرح الإيرانى الجديد، ليشمل ذلك طوائف معينة، ويستثنى طائفة أو طوائف أخري، وهو ما عبر عنه وزير الخارجية الإيرانى محمد جواد ظريف صراحة فى مقال نشره مؤخرا فى صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية عندما تحدث بلسان الدولة التى تحارب الإرهاب.
ستترسخ على الأرجح لدى الغرب، بعد التقارب مع إيران، فكرة أن الإرهاب فى منطقة الشرق الأوسط ممول من دولة أو مجموعة دول بعينها، وسينطبق ذلك على أوضاع الدول الثلاث السابقة ذكرها، ففى العراق، ستحظى الحكومة الحالية بمزيد من الدعم والثقة فى قتالها ضد تنظيم داعش وغيره، وفى اليمن ستحظى ميليشيات الحوثيين بمزيد من الدعم والقوة، وربما الدعاية أيضا بهدف تغيير الصورة لدى الغرب، وفى سوريا، سيساعد رفع العقوبات عن إيران فى تقديم دعم سياسى ومعنوى كبير إلى حزب الله فى لبنان، وسينعكس ذلك على تطورات الحرب فى سوريا، طبعا فى صالح الرئيس بشار الأسد.
ويؤكد هذا ما ذكره وزير الخارجية الأمريكية جون كيرى من أن بدء تنفيذ الاتفاق النووى مع إيران سيسهل التعامل مع الأزمات الأخرى فى منطقة الشرق الأوسط، بما فى ذلك الأزمة السورية.
ولأن “أول القصيدة كفر”، فقد نقلت وسائل الإعلام العالمية عن اللواء محمد على جعفرى القائد العام لقوات الحرس الثورى الإيرانى قوله إن الحرس الثورى “أعد قرابة 200 ألف شاب مسلح فى اليمن والعراق وسوريا، وأيضا فى أفغانستان وباكستان، لمواجهة الإرهاب”، على حد قوله، وهو ما يعنى أن التحركات الإيرانية فى هذه الدول لم تعد سرا.
وتمهيدا لعصر جديد تعمل فيه إيران «وكيلا معتمدا» للسياسات الأمريكية فى المنطقة، ولتنفيذ مؤامرات وخطط أخري، استهل الرئيس الأمريكى باراك أوباما «يوم التنفيذ»، وهو المصطلح الذى أطلقته طهران على يوم رفع العقوبات، بإصدار عفو رئاسى عن ثلاثة إيرانيين اتهموا بخرق العقوبات، بينما اتخذت السلطات الأمريكية قرارا آخر بإسقاط الاتهامات أو تخفيف أحكام السجن الصادرة بحق خمسة آخرين فى إطار اتفاق تم التفاوض بشأنه سرا وأدى إلى الإفراج عن أربعة أمريكيين فى إيران.
وعسكريا، سيسمح رفع العقوبات لطهران باستيراد أسلحة وتجهيزات تكنولوجية متطورة تزيد من قدراتها العسكرية، وتقوى فرص سعيها للهيمنة على مياه الخليج العربى وبحر العرب، بل وتوسيع أكثر للوجود فى البحرين والكويت وشرق السعودية، وهو ما يعنى استعداد إيران أكثر فى الفترة المقبلة لـ«التحرش» بدول المنطقة وإثارة المشكلات والصراعات أكثر من أى وقت مضي.
أما اقتصاديا، وهو الشق الأهم، فسيؤدى رفع العقوبات إلى طفرة هائلة فى قطاع البنوك الإيرانى الذى ستهبط عليه فى الحال «ثروة» تقدر بـ30 مليار دولار، وقيل إنها 50 مليار دولار، وهو المبلغ الذى سيتم الإفراج عنه من إجمالى 100 مليار دولار، قيمة الأصول الإيرانية المجمدة طوال فترة العقوبات التى امتدت عقدا أو أكثر، وهو ما دفع الرئيس الإيرانى حسن روحانى إلى مخاطبة شعبه صبيحة رفع العقوبات بقوله إن بلاده تبدأ الآن «صفحة ذهبية من تاريخها».
صندوق النقد الدولى يتوقع تحقيق إيران نسبة نمو فى ناتجها المحلى الإجمالى يصل إلى 5% فى العام الحالي، وقد يصل النمو إلى 8% إذا نجح الاقتصاد الإيرانى فى اجتذاب استثمارات أجنبية تصل إلى 50 مليار دولار، وهو رقم مستهدف يسهل الوصول إليه فى ظل الهرولة التى تبديها شركات عالمية فى شتى القطاعات على إطلاق أنشطة ضخمة فى إيران بعد انفتاح «مغارة على بابا» أمامها برفع العقوبات.
وسيكون البترول الإيرانى أكثر المستفيدين من رفع العقوبات، على الرغم من تراجع أسعار الخام عالميا هذه الأيام إلى ما دون الثلاثين دولارا للبرميل، فرفع العقوبات يعنى إزالة القيود عن صادرات إيران البترولية التى هبطت بمقدار النصف فى السنوات الأخيرة لتصل إلى مليون برميل يوميا فقط، حيث ستزيد إيران صادراتها بصورة رهيبة مع رفع العقوبات بمقدار نصف مليون برميل يوميا، من خلال مخزونات البترول المعدة للتصدير فى الموانيء المحلية، على أن تصل الصادرات بعد عام واحد من الآن إلى 2٫5 مليون برميل يوميا، وربما إلى أربعة ملايين برميل يوميا حسب توقعات بعض الخبراء، وهو ما يعنى زيادة المعروض عالميا، وبالتالى إلحاق مزيد من الأضرار باقتصاديات الدول الخليجية المتأثرة أصلا بتراجع الأسعار العالمية، وما حدث فى يوم الأحد الأسود فى البورصات الخليجية والعربية، والمصرية بطبيعة الحال، يؤكد صحة هذه المخاوف مما هو قادم.
ولا يقف الأمر عند حد البنوك والاستثمارات والبترول فحسب، بل إن قطاعا ذهبيا آخر فى طريقه للازدهار، وهو قطاع الغاز الطبيعي، إذ أن إيران تملك ثانى أكبر احتياطى للغاز فى العالم بعد روسيا، ورفع العقوبات يعنى ضخ كميات كبيرة من هذا الغاز أيضا إلى الأسواق العالمية، وهو ما يعنى بالضرورة تضرر منافسين خليجيين أبرزهم قطر، خاصة وأن إيران تتميز عن جيرانها الخليجيين بالقرب الجغرافى إلى أسواق استيراد الغاز فى آسيا مثل اليابان والصين وكوريا الجنوبية.
.. رفع العقوبات عن إيران بداية لعهد جديد فى المنطقة مملوء بالأوضاع الصعبة والمشكلات والأزمات، و«المؤامرات» التى ستخرج من السر إلى العلن!
رابط دائم: