رئيس مجلس الادارة
أحمد السيد النجار
رئيس التحرير
محمد عبد الهادي علام
ما فعله أعداء مصر في الخارج لا يختلف كثيرا عما فعله ظرفاء الداخل، الذين أطلقوا ألف نكتة ونكتة على أعضاء البرلمان الجدد، فاختزلوا المجلس في عدد محدود من النواب المثيرين للجدل، الموجود مثلهم وأسوأ منهم في كل برلمانات العالم. الظرفاء تصيدوا الأخطاء المقصودة وغير المقصودة للنواب الذين يدخلون تجربة «سنة أولى برلمان»، وسخروا بطريقة مهينة من تصرفاتهم وتحركاتهم وكلماتهم، بل ومن ملابسهم، وحاسبوهم على أحاديثهم الجانبية التي نقلتها ميكروفونات المجلس المفتوحة على البحري، والتي لم تكن تختلف كثيرا في الجلسة الأولى - من حيث سذاجتها - عن الكاميرا التي نقلت طوبة زيمبابوي في مباراة 1993 الشهيرة! الظرفاء لاموا النواب الذين بحثوا عن شيء يأكلونه يوم الجلسة الأولى، ونسوا أن هؤلاء بشر، وأن الجلسة استمرت 17 ساعة متواصلة، وعندما جلس أعضاء لتناول الوجبات، صوروهم، وكأنهم مجرمون، بل وسخر البعض من نوعية الأكلات التي تناولوها! الظرفاء انتقدوا النواب، لأن الكاميرات التي كانت تتنزه داخل القاعة ضبطتهم متلبسين باللعب في المحمول أثناء الجلسة، سواء في تصفح «النت»، أو في «التشات»، أو في التقاط صور «السيلفي» لأنفسهم، وتجاهل هؤلاء الظرفاء أن مصريين كثيرين من «عبدة» المحمول باتوا الآن لا يتوانون عن استخدام هذا الجهاز اللعين في كل مكان وفي أي مناسبة، سواء أثناء اجتماعات العمل، أو في سرادقات العزاء، أو حتى في دور العبادة، بل وأثناء قيادة سياراتهم! الظرفاء سخروا من كل شيء في المجلس، من النواب القدامى و«المودرن»، ممن رفع علم مصر أثناء القسم، وممن أمسك مصحفا، ومن ارتدى جلبابا، ومن أخطأ في كلمة أو حرف، حتى النائبة الجميلة سخروا من جمالها! الظرفاء لم يعجبهم النواب لأنهم رفعوا أصواتهم واختلفوا وتشاجروا واحتدوا على بعضهم البعض، ونسوا أن برلمانات دول ديمقراطية عريقة تشهد ما هو أسوأ من ذلك، بل ويصل الأمر إلى خناقات بالأسلحة البيضاء واللكمات و«الشلاليت» و«الروسيات»! الظرفاء رفضوا أن تسيطر كتلة واحدة على المجلس، وقالوا «حزب وطني جديد»، وعندما اختلفت هذه الكتلة في معركة انتخاب وكيلي المجلس، قالوا «المجلس منقسم»، و«مش نافع»! الفاشلون في الانتخابات والمقاطعون لها تحالفوا صراحة مع أعداء الدولة، ومع الإعلام الخاص الباحث عن نسب المشاهدة و«الترافيك»، فاتفقوا على انتقاد البرلمان من قبل أن يبدأ، ثم هاجموه بسبب أسماء بعينها، ونسوا أن المجلس به أيضا شخصيات رائعة : سري صيام، بهاء أبو شقة، يوسف القعيد، أسامة الأزهري، آمنة نصير، سمير غطاس، بسنت فهمي، أنيسة حسونة، رانيا علواني، طارق الخولي، وغيرهم. ما حدث أن «حفلة» السخرية فضحت ريبتها، فقد تزامنت بشكل دقيق مع «هلوسة» الجماعة الإرهابية في الخارج، ومع نغمات التحريض على الفوضى في 25 يناير، ومع «زن» سياسيين وإعلاميين وحقوقيين على حكاية الإفراج عن «المعتقلين»، وسار على هواهم قطاع كبير من الناس، أو «قطيع»، ممن سخروا من البرلمان وعبروا عن إحباطهم منه، دون أن يدركوا أنهم هم أنفسهم الأولى بأن نسخر من سذاجتهم، بعد أن قدموا أكبر خدمة لخصوم مصر .. وبالمجان! الظرفاء والساخرون والمحبطون على طول الخط لم يوضحوا لنا ما هو المقصود بالضبط من تصرفاتهم هذه؟ يعني لو افترضنا أن البرلمان «عار» و«فاشل» و«كارثة» كما يقولون، ماذا عسانا أن نفعل؟ هل المطلوب إغلاق البرلمان بالضبة والمفتاح وإعدام النواب رميا بالرصاص؟ هل المطلوب استدعاء «الجماهير» لمحاصرة البرلمان ورشقه بالطوب والشماريخ؟! هل المطلوب التخلي عن فكرة وجود برلمان والاكتفاء بالتشريع من خلال برامج التوك شو المسائية؟ هل المطلوب انتظار حكم بحل البرلمان وترك الرئيس وحيدا في مواجهة عالم خارجي متربص لن يرحم بلدا خاليا من سلطة تشريعية؟ في صالح من هذه السخرية يا «جهابذة»؟ .. عدم المؤاخذة : في ذاكرتي الآن مقولة عبد السلام النابلسي لرفاقه في فيلم «شارع الحب» : «كل واحد مننا .. يضرب التاني قلم»!! لمزيد من مقالات هـانى عسل