رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

لحظة خالدة فى تاريخ الوطن

جزء من الثانية، تلك المساحة الضئيلة من الوقت، هو ما استغرقه تفكير الشهيد «محمد أيمن شويقة»، ليأخذ قراره منفرداً وهو فى كامل قواه العقلية، مضحياً بحياته، أغلى ما خلق الله فى الكون، فداء لزملائه و لوطنه.

شاب فى كامل لياقته الصحية والذهنية، يبلغ من العمر 21 عاماً، أمامه المستقبل فاتحاً ذراعيه بعرض الوطن، بالأمانى والأحلام والطموح والأمل، شأن كل جيله الذى يحلم بكل متع الحياة، يترك المستقبل بكل نعمه، ومتعه، مفضلاً الموت حفاظاً على أرواح كتيبته.

فى المقابل نشاهد شبابا متهورا تحت مسمى «أولتراس»، جل اهتمامه السيطرة على فريقه بأى طريقة أياً كان الثمن، لا يعنيه الوطن، ولا يضره الصدام مع الدولة، مهما كانت الخسائر، أراد منع إقامة مباراة فريقه، لا صوت يعلو فوق صوته، ولا مصلحة تهم غير مصلحته، شباب ممتلئون بالنشاط والحيوية، أعماهم التعصب، و تلاعب بهم الإعلام، مرة يخطب ودهم بشكل مستفز، وأخرى، يهددهم ويكيل لهم الإتهامات من كل صوب وحدب، حتى أمسوا كتلة حرجة ومؤثرة فى القرار الرياضى، وهم على اختلاف نشأتهم أو تعليمهم، لا يرقى أحدهم ليوضع فى مقارنة مع «شويقة». هؤلاء وغيرهم هللوا للخلوق «ابو تريكة» لرفضه تقاضى 50 ألف يورو مقابل اشتراكه فى مباراة نجوم العالم، وهو مبلغ يسهل تعويضه فى أى وقت و لم يكترثوا لبطولة «شويقة» الذى ضحى بما لن يعوض!

هل العيب فيهم، أم فى الفضائيات التى تحولت لمنابر يعتليها المذيعون متدثرين بثوب الخبراء والفقهاء، يتحكمون فى الشاشة التى يملكها أحد رجال المال، و أصبحنا لا نعرف هل يتحدث هذا « الخبير» بلسان حاله، أم بلسان مالك منبره، تفرغوا للهمز و اللمز، و للتنابز فيما بينهم حتى خيل لنا أن كلا منهم يمتلك أسرار الآخر الذى يهدد بكشفها اذا لم يتراجع، ونرى تصاعداً محفوفا بالثقة اللامتناهية، ووعيد من الطرف الآخر بعدم التراجع ثقة فى موقفه، ثم تراجعاً غير مبرر أو مفهوم لكلا الطرفين، دون أن نعلم السبب، بعد أن تم شد انتباهنا بكل الوسائل، ليظل المشاهد، أسير حلقة مفرغة جوفاء، يتحكم فيها أباطرة توحشوا، حتى أصبحوا ذوى سطوة، لم تشهدها مصر على مر تاريخها، وبات مشاهدة المسئ وسماع المؤذى أمراً عادياً، يرفعون من يحبون إلى عنان السماء ، ويقذفون بمن يقف فى طريقهم إلى جانب الطريق، حتى لا يعوق مصلحتهم، حاولوا أن يوهموا الناس أنهم قريبون من الرئيس، حتى تزداد سطوتهم، ويشكلوا الرأى العام كيفما يريدون، ولكن قريبا سينكشف وهمهم، وتزال الغشاوة عن أعين الناس، وتظهر حقيقتهم.

إعلامنا نجومه لامعون متكررون، وفى قليل من الأحيان على استحياء مختلفون، نافعون، عندما قامت ثورة يناير ونجحت لعنوا مبارك، وعندما أخذ البراءة عادوا ليمجدوه ويلعنوا يناير، بفجاجة غريبة، معتمدين على أن ذاكرة المشاهدين كذاكرة الذبابة، نسوا أو تناسوا أن اليوتيوب حافل بفضائحهم، عامر بكوارثهم.

هذا الإعلام كان سبباً رئيسياً فى تأجيج روابط الأولتراس، وفى شحنها بكل عناصر الصدام ليكونوا كتلة لهب متوهجة جاهزة على التحرك فى أى وقت، فهو مع الشئ اليوم، و نقيضه غداً حسب المصلحة. هذا الإعلام نقل خبر استشهاد «شويقة» على عجل، إلا من رحم ربى، واستعرض قصته، وأوضح للعامة بطولته، كأنهم خائفون من عرضه كنموذج يحتذى به الشباب، ونحن فى أشد الحاجة إلى الإقتداء به.

«شويقة» لم يكن يشاهد هذا الإعلام، كان مشغولاً بالزود عن مصر، حاملاً سلاحه فى يد، وكفنه فى يده الأخرى، ولم يخطط لمجد زائل أو شهرة زائفة أو بطولة مصطنعة، ولم يكن يريد «شو إعلامى»، مثل بعض المسئولين الذين تركوا مكاتبهم متجهين لمرءوسيهم مصاحبين الكاميرات، مخاطبينهم بتعال شديد وبحدة مستهجنة، معلنين توقيع العقاب قبل أن يتأكدوا من توفير الإمكانات اللازمة لأداء عملهم على الوجه المطلوب، وهو أمر تكرر كثيرا فى الآونة الأخيرة ووجد ترحيباً شديداً من الإعلام الذى هلل لهذا الشو ونسى أهم مبادئه التى تطالبه بالحيدة فى العرض، هذا باعتبار أن المسئول مصرى، ومرءوسيه من دولة معادية! يجب توبيخهم وتعريتهم أمام أهلهم وذويهم .

أقف كثيراً متأملاً ذلك المشهد النادر والمبهر فى آن واحد، حينما ينطلق «محمد أيمن شويقة» بأقصى سرعته محتضناً أحد الإرهابيين المتحوط بحزام ناسف، مبتعداً به بكامل طاقته مفتدياً زملاءه بروحه، إنها بطولة فريدة لمصرى وطنى مخلص، ضرب أروع المثل فى التضحية والفداء من أجل ملايين منهم الشريف، والفاسد، منهم المستهتر والمجتهد.

رحل الشهيد، ولكن لن ترحل بطولته، ستظل خالدة أبد الدهر، رغم أنف الأباطرة، الذين يسوق أغلبهم قيما بالية ونماذج باهتة، من أجل المحافظة على تغييب العقل، عملا بمثل « الزن على الآذان أشد من السحر»، فقريبا سينقلب سحركم عليكم، حينما تزال من فوق وجوهكم الأقنعة.

رحل بعد أن سطر بدمه أحد أهم سطور التاريخ المعاصر، و بتنا فى أشد الحاجة لإلقاء الضوء على بطولته لتكون قدوة لجيل فرض عليه الإعلام أن يكون البلطجى، و الثورجى، و المزايد، و المتآمر هم القدوة.
[email protected]
لمزيد من مقالات عماد رحيم

رابط دائم: