شاهدنا جميعاً ما فعله بعض الفرنسيين حينما حاولوا حرق المصحف الشريف, تعبيراً عن غضبهم من بعض المسلمين بعد فاجعتهم الأخيرة، التى أدت إلى مصرع 130 شخصا، وأدمت قلوبنا جميعا، بذريعة حرية الرأى المشبوهة، و هذا تناقض فاضح مع الحرية التى ينادى بها الغرب، وبين هذه النوعية من الانتهاكات، التى تتسم بالتعميم، وهو ما يزيد الأمر احتقانا.
لا خلاف حول بشاعة الجريمة التي أزهقت أرواح أبرياء، لا ناقة لهم و لا جمل فيما يدور حولهم، لكن ما ذنب القرآن الكريم فيما حدث، وإيذاء مشاعر مئات الملايين من المسلمين؟
إن القرآن الكريم هو كتاب المسلمين المقدس، والذى أنزله الله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وقال فيه «إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون». محمد الذى قال من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاماً . فى رواية أخرى من أذى ذميا فقد أذانى، فقد ساوى بين أذيته و أذية الذمى «الكتابى»، اليهودى و المسيحى، وشدد على ذلك، و هو ما يبرئ الإسلام كدين من تصرفات فئة ضالة من أبنائه.
ما يعنى أن من يقتل كتابياً فهو خصم النبى لأنه خالف سنته، الذى عفا عن أهل مكة، التى خرج منها لحماية أرواح المسلمين، وعاد إليها وخلفه آلاف ممن دخلوا فى الدين الجديد، ولم يفكر لحظة فى الانتقام منهم، فقد قال لهم حين دخلها اذهبوا فأنتم الطلقاء.
هذا جوهر الرسالة المحمدية التى تدعو للرحمة والتسامح، وكان «القرآن الكريم» منهجه الذى يتبعه المسلمون الحق المؤمنون بأن الاسلام يكفر من يفجر نفسه (المنتحر) أومن يقتل نفساً بغير حق.
لذلك ما يفعله المتطرفون المنتمون زوراً و بهتاناً للإسلام ، يستحق الإدانة، فكل من يضر بحياة الأبرياء آثم ومآله النار، كما أكد القرآن الكريم. هذا الكتاب المقدس الذى أساء إليه وإلينا أحدهم بمحاولة حرقه، دون أن يحرك بقيتهم ساكن إلا من رحم ربى، فقد صدر تصريح مقتضب دعا إلى عدم حرق المصحف احتراماً لمشاعر المسلمين، مغلفاً بأن حرية التعبير تتيح ذلك الفعل العنصرى، وما يملكه هو الرجاء فقط ! و قد كنا نتمنى أن تكون هناك تصرفات أقوى، لقطع الطريق على كل من تسول له نفسه الإقدام على هذه الأفعال الصادمة.
ولا أريد تكرار مشاهد من الحملات الصليبية التى فعلت الكثير من الموبقات، حيث قتلت الأطفال والنساء والشيوخ واعتدت على المساجد وحرقت الأخضر واليابس، ومع ذلك يظل الإنجيل مقدسا عند المسلمين.
الإسرائيليون لم يتوقفوا أبداً عن تدنيس المسجد الأقصى، أحد أهم الرموز الدينية عند مسلمي ومسيحيي العالم، وينتهكون المحرمات، وسط صمت دولي مريب، وتحد غير مبرر وغير مقبول، فهم المعتدون والفلسطينيون هم المعتدى عليهم وعلى أرضهم ، ورغم ذلك لا نجد مسلما حقا تطاوعه نفسه على حرق التوراة.
إن إسلام الفرد لا يكتمل إلا بالإيمان بالأديان السماوية، باليهودية وسيدنا موسى عليه السلام، وبالمسيحية وسيدنا عيسى عليه السلام. و مع أن الكثير من المسلمين يختلفون مع الإسرائيليين، لاسيما مع ما يفعلونه من جرائم تنهى عنها الشرائع السماوية والأعراف الدولية، لكن الغالبية العظمى تحترم اليهودية وتجلها، لأنها إحدى الديانات السماوية.وأقصى أفعال المسلمين تتمثل في حرق العلم الإسرائيلى، باعتباره الرمز الذي يمثل الدولة المنتهكة، وحتى ذلك يأتي مع شدة الأفعال المستفزة لمشاعر المسلمين، ولم يفكر أو يحرض أحد على الاقتراب من التوراة الرمز الدينى المقدس.
هكذا الإسلام الذى قدم للعالم فى أوج حضارته ابن سينا أبوالطب فى العالم وابن كثير وابن رشد والفارابى، وغيرهم ممن وضعوا بذور التقدم الحضارى الذى نعيش ثماره اليوم، وعلماء المسلمين يملأون كافة بقاع الأرض، منهم من حصل على جوائز دولية كثيرة فى فروع العلم المتنوعة، وينيرون بعلمهم الحضارة الإنسانية، لكن من يتم تسليط الضوء عليهم هم أصحاب النماذج السيئة لتأكيد الوهم الشائع أن الإسلام دين عنف ويجب مقاومته.
إلى الغرب النرجسى، بعضكم ساهم في صناعة تنظيم القاعدة لتحاربوا به الاتحاد السوفيتى، وعندما تفكك، تم استخدام هذا التنظيم كفزاعة للعالم، وجنيتم من وراء ذلك أرباحاً لا حصر لها سياسية أحياناً وأحايين أخرى مالية جراء بيع السلاح، واليوم تعيدون الكرة مع داعش، وثقوا أن جرائمها التى بدأت تمتد إليكم لن تتوقف، لأنها تشبه الأخطبوط.
اليوم يصيبنا اللوم بسبب تقصير المسلمين فى توضيح مفهوم الإسلام السليم و الصحيح، حيث شغلنا معظمنا بيوميات الحياة و تفاصيلها الرفيعة من عينة الاختلافات الفقهية وتركنا أنفسنا لمن يشوه صورة الإسلام . تكرار محاولة حرق «القرآن الكريم» دون رد دبلوماسى دولى يمنع تكرار تلك المحاولات مرة أخرى تحت غطاء قانونى من الأمم المتحدة، يعنى وهن الإنسانية إلى درجة مخيفة، وإن لم تكن المنظمات الإقليمية والدولية هى من تحمى هذه النوعية من الكتب المقدسة «القرآن الكريم» فمن يحميها إذن؟!