مصر كلها لا حديث لها الآن إلا عن الانتخابات البرلمانية ومجلس النواب وحكايات المرشحين وبرامجهم الانتخابية وصورهم الشخصية, هل يتم اختيار هذا المرشح الذي كان الي عام مضي إسلاميا يرتدي الجلباب ويمسك المسبحة ويتخفي الآن في بذلة أنيقة وقصة شعر حديثة وعطر فواح ؟
أم هذا الليبرالي المودرن الذي يسعي الي اللحاق بركب الأمم ويرفع شعار الدين لله والوطن للجميع ؟ أم يتم اختيار أحد رجال الأعمال علي اعتبار أنه يمكن تطبيق تجربتهم لرفع الاقتصاد المصري ؟ أم أنه لا مفر من اللجوء الي أحد البرلمانيين رجال النظام السابق( الفلول) علي اعتبار أن أهل مكة أدري بشعابها هذا هو حديث الساعة في مصر هذه الأيام.. والحق يقال يبدو أن هذا الحديث مكرر منذ اختراع مجلس النواب في عهد الخديو إسماعيل, فالوثيقة التي أعرضها اليوم هي عبارة عن صورة نشرت في إحدي الجرائد الفرنسية ذائعة الصيت هيLeMondeIllustr في نوفمبر1866 وهي رسم بالفحم أقل ما يمكن أن يوصف به أنه رائع لاستعراض مراسم الاحتفال بافتتاح مجلس شوري النواب في مصر بحضور الخديو إسماعيل, وتقول الجريدة أن مراسلها السيد أم. برينية وصل الي القاهرة يوم إقامة حفل سياسي كبير( عرس سياسي كما نقول هذه الأيام) بمناسبة قيام الوالي المصري بوضع أقدامه علي أول طريق التقدم بافتتاح أول برلمان مصري يوم25 نوفمبر1866 في الساعة الثانية ظهرا في نفس القلعة التي مازالت آثار دماء من ذبحوا فيها عالقة عليها.. وقد شهد فخامته( الخديو) استعراضا كبيرا للقوات العسكرية المصرية بمناسبة هذا الحدث الضخم في صحراء العباسية وكان الخديو يتقلد نوط الشرف ويرافقه الكولونيل ميريل وبعض الضباط من البعثة الفرنسية وقد شارك في العرض العسكري طلبة المدارس الحربية بملابسهم المميزة والطربوش وبعض الفرق الأخري بملابس مختلفة وهم يركبون الجمال والأحصنة ويحملون الأسلحة المختلفة, ويكمل المراسل وصفه فيقول وفي الآفق يتواجد حريم البيت الخديوي لمشاهدة العرض بالقرب من قصر الخديو كما توجد خيام منصوبة للمتفرجين والحاضرين من علية القوم والمواطنين العاديين الذين حضروا من كل انحاء المحروسة, بالإضافة الي خيام المعسكرات العسكرية كما تظهر في اللوحة بعض مقابر الخليفة والمنارات الإسلامية.. بإختصار هي لوحة تعبر عن مشهد عظيم وبداية الحراك السياسي في مصر.
وجدير بالذكر أن البداية الأولي لتطور الحياة النيابية في مصركانت مع إنشاء المجلس العالي, الذي أسسه محمد علي في نوفمبر1824, وكان يتكون مـن نظار الدواوين ورؤساء المصالح واثنين من الأعيان من كل مديرية. ثم أنشأ مجلس المشورة عام1829 وكان يتكون من مائة وستة وخمسين عضوا.ثم صدر مرسوم بتشكيل مجلس شوري النواب من الخديو إسماعيل في22 أكتوبر1866, وكان عدد أعضائه57 عضوا, ينتخبون بالتصويت لثلاث سنوات, إضافة إلي رئيس المجلس الذي كان يعين بأمر من الخديو بهدف المفاوضة في المشروعات و شئون القطر الداخلية, وكانت الكلمة الأخيرة للخديو.وقد عقدت أولي جلساته يوم الأحد25 نوفمبر1866 بالقلعة وقد حضر الخديو إسماعيل حفل افتتاح المجلس يرافقه شريف باشا ونظار آخرون وتليت خطبة العرش والتي جاء فيها: كثيرا ما كان يخطر ببالي إيجاد مجلس شوري النواب لأن من القضايا المسلمة التي لا ينكر نفعها ومزاياها أن يكون الأمر شوري بين الراعي والرعية كما هو مرعي في أكثر الجهات. ويكفينا كون الشارع حث بقوله تعالي وشاورهم في الأمر, وبقوله تعالي وأمرهم شوري بينهم, فلذلك استنسبت افتتاح هذا المجلس...
وكان المجلس ينعقد كل سنة لمدة شهرين, وقد انعقد المجلس في تسعة أدوار انعقاد علي مدي ثلاث هيئات نيابية, وذلك في الفترة من25 من نوفمبر1866 وحتي6 من يوليو.1879 وفي9 سبتمبر1881, اندلعت الثورة العرابية, وكان من بين مطالبها تشكيل مجلس للنواب. وبالفعل أجريت الانتخابات طبقا لأحكام لائحة المجلس الصادرة في سنة1866, وقد افتتح المجلس الجديد الذي سمي مجلس النواب المصري في26 ديسمبر عام1881, وقدمت الحكومة مشروع القانون الأساسي, وصدر الأمر العالي به في7 فبراير1882, وجعل هذا القانون الوزارة مسئولة أمام المجلس النيابي المنتخب من الشعب, والذي كانت له أيضا سلطة التشريع, وحق سؤال الوزراء واستجوابهم. وأصبحت مدة مجلس النواب المصري خمس سنوات, ودور الانعقاد ثلاثة أشهر.وهكذا أرسيت قواعد الممارسة الديمقراطية البرلمانية في مصر علي نحو تدريجي, إلا أن ذلك لم يدم طويلا, حيث قامت بريطانيا باحتلال مصر عام1882, وألغت القانون الأساسي, وصدر في عام1883 ما سمي بالقانون النظامي, والذي تضمن تكوين البرلمان المصري من مجلسين هما: مجلس شوري القوانين والجمعية العمومية. في يوليو1913 تم إلغاء مجلس شوري القوانين والجمعية العمومية, وتم إنشاء الجمعية التشريعية التي تكونت من83 عضوا: منهم66 عضوا منتخبا, و17 عضوا معينا.. ونص القانون النظامي الصادر في أول يوليو1913 علي أن تكون مدة الجمعية التشريعية ست سنوات.
عقب انتهاء الحرب العالمية الأولي اندلعت الثورة المصرية في عام1919 مطالبة بالحرية والاستقلال لمصر, وإقامة حياة نيابية وديمقراطية كاملة. وقد أخذ دستور19 أبريل1923 بالنظام النيابي البرلماني القائم علي أساس الفصل والتعاون بين السلطات.. ونظمت العلاقة بين السلطتين.. التشريعية والتنفيذية.. علي أساس مبدأ الرقابة والتوازن, كما أخذ دستور1923 بنظام المجلسين, وهما: مجلس الشيوخ ومجلس النواب. كما أخذ بمبدأ المساواة في الاختصاص بين المجلسين كأصل عام, مع بعض الاستثناءاتوالله علي مصر ومجلس نوابها وحكاياتها زمان.
رابط دائم: