ولكن هناك أسماء اكبر من النسيان فمازال شعر المتنبى وابى العلاء وابى فراس وشوقى ونزار قبانى وصلاح عبدالصبور تتناقله الأجيال جيلا بعد جيل ومازالت روايات نجيب محفوظ ويوسف إدريس وفتحى غانم ويحيى حقى..ومازلنا نعيش مع كتابات أنيس منصور رغم مرور سنوات على رحيله..اختفى الوجه ورحلت الملامح وتوارى الجسد ولكن الفكر والإحساس والرؤى تحلق بنا وتعيش معنا..لم يكن انيس منصور كاتبا عاديا حتى تجتاحه عواصف النسيان كما فعلت مع غيره ولكنه كان حضورا طاغيا في كتاباته وحكاياته ونوادره وحتى مقالب انيس منصور كانت من سمات شخصيته..تشعبت تجربة انيس في الفكر والكتابة كان عاشقا للفلسفة ومحبا للفن والإبداع وان احتار بينهما لأن الفلسفة عقل يسيطر والفن وجدان ينطلق وما بين العقل والوجدان مضت رحلة انيس منصور وان اعطى للصحافة والكتابة اليومية الرصيد الأكبر من سنوات عمره..كنت اتعجب وانا أشاهد انيس منصور وهو يكتب عشرة أعمدة وأكثر في جلسة واحدة دون ان يتوقف.. وقد ساعدت انيس منصور في مشواره مع الكلمة قراءات كثيرة في كل شىء..في منتصف السبعينيات سافرت في رحلة طويلة إلى الهند وعندما كنت ازور بيت شاعرها العظيم طاغور وجدت مجموعة من الكتب عن رياضة اليوجا واخترت بعضا منها وقدمته هدية لأنيس منصور..وقد اهتم كثيرا بقصص تحضير الأرواح وكانت له حكايات طويلة في هذه القضايا شغل بها الناس زمنا طويلا..واذكر يوما ونحن تلاميذ في المدرسة ان احضرنا سلة وجلسنا في بيت واحد من زملائنا وأطفأنا الأنوار وبدأنا في تحضير روح والد هذا التلميذ وكانت المفاجأة ان سقط شباك الحجرة على رءوسنا ولم نعاود المحاولة مرة اخرى شغل انيس منصور الناس كثيرا وسوف يشغلهم رغم رحيله..عاش معهم في تحضير الأرواح وفى أسفاره الطويلة في بلاد العالم وفى الفلسفة الوجودية التى انتقلت اليه عدواها من فيلسوف فرنسا الشهير جان بول سارتر..كان أنيس منصور منظومة ثقافية وحضارية وفكرية غاية في التميز والثراء.