رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

قبل أن «يغرق» المواطن

فى ظل ظروف اقتصادية صعبة، استدعت تقليل الاحتياطى الدولارى بشكل واضح، أعلن البنك المركزى تخفيض سعر الجنيه مقابل الدولار مرتين فى يومين

فى حادثة غير مسبوقة، حتى خُيل للبعض أن الجنيه «يغرق» ورغم تعقيب الكثيرين على قرارت محافظ البنك المركزى المستقيل، بأنها كانت سبباً رئيسياً فيما وصل إليه الجنيه من تدن، إلا أن الواقع كان أشد إيلاماً، بعد أن ارتفعت أسعار معظم السلع، مع توقع حدوث موجة ارتفاع أخرى، لذلك لم تكن استقالة هشام رامز مفاجأة بقدر ما كانت أمنية، يرى البعض أن تحقيقها قد ينقذ الجنيه من الغرق.

وبعد أيام قليلة «غرقت» الإسكندرية بعد أن اجتاحتها أمطار غزيرة أصابتها بالشلل التام، كما استشهد بسببها عدد من المواطنين، بخلاف الخسائر الفادحة التى لحقت بالمئات، تمثلت فى تلف سيارات وأثاث وخلافه، وقبل أن ينتهى اليوم تقدم محافظها بإستقالته وسط سخط شعبى سكندرى عارم جاء نتيجة إهمال جسيم أدى إلى تراكم المياه حتى غطت بعض السيارات بالكامل، وبالرغم من أن التقرير الذى رفعه رئيس الوزراء لرئيس الجمهورية، يقول فيه إن الأمطار استمرت من الـ 9 صباحا و لمدة تسع ساعات متصلة، بلغت كمية المياه خلال الثلث الأول منها 3.2 مليون متر مكعب، وهذا الرقم يفوق المعتاد فى مثل هذا التوقيت ب 6 أضعاف ما كان يحدث على مدى اليوم بالكامل، بما يفهم منه، إن حالة الشلل التى أصيبت بها الإسكندرية كانت لظروف بيئية غير طبيعية!

إلا أن المؤكد أن شبكة الصرف كانت مهترئة تماما، والدليل استمرار حالة تراكم المياه لليوم التالى، وهو ما يعنى أن هناك فشلا اداريا واضحا أدى إلى ما وصلت إليه عروس البحر المتوسط، التى تحولت إلى عجوز عمدا بفعل فساد المحليات الذى صال وجال بضمير منعدم أدى إلى تخاذل الأحياء عن القيام بدورها وخروج مبررات واهية حتى تمر الكارثة.

وما بين غرق «الجنيه» وغرق «الإسكندرية» ينظر المواطن إلى حاله المرتبك، فالصورة التى يراها أصبحت مغلفة بالضباب، فدخله بات لايكفيه، فى ظل التزايد المستمر للأسعار، لاسيما بعد انخفاض القوة الشرائية للجنيه، بالإضافة إلى اضمحلال الخدمات المقدمة له، ويوما بعد الآخر أمسى الغرق فى دوامة المشكلات التى يواجهها كابوس يراه فى ليلة وواقعا يجاهد للهرب منه فى نهاره.

لذا لابد للحكومة أن تعمل على محورين على التوازى من أجل تصحيح الأوضاع، الأول، دعم الجنيه فى مواجهة الدولار، وذلك من خلال إصدار شهادات بنكية تبدأ بألف جنيه بمعدل فائدة يصل لــ 15%، مدة الشهادة لا تقل عن سبع سنوات، لا يستطيع صاحبها استرداد قيمتها إلا بعد مضى مدتها بالكامل، وتوجيه قيمة هذه الشهادات إلى المشروعات القومية مثل صناعة الغزل والنسيج التى كانت تشتهر بها مصر منذ عدة عقود، مع تولى زمام الأمور منذ مرحلة بذرة القطن، مروراً بالأقمشة، وصولاً لمرحلة الملابس فى شكلها النهائى، خاصة أن مصر تمتلك بنية تحتية ضخمة فى هذا المجال.

تلك الفكرة، حال تطبيقها ستضرب عدة عصافير بحجر واحد، أولها، التخلص من المخزون الدولارى لدى الناس وتحويله إلى الجنيه الذى سيجذبهم لحوزته وإيداعه فى البنوك لإرتفاع فائدته بشكل مغرى، وثانيها، تعزيز تلك الصناعة و نتشالها من حالة «الغرق» وثالثها فى حالة اتقان التنفيذ، الاستغناء التام عن استيراد الملابس والذى يكلفنا مليارات الجنيهات سنويا، ولأن العائد المتوقع منها لن يكون سريعا، إقترحت أن تكون فترة الشهادة سبع سنوات، وهى فترة كافية لأسترداد قيمة التمويل بالاضافة إلى تحقيق أرباح مذهلة إذا صدقت النوايا، وهذا الأمر يستلزم بعض الإجراءات جزء منها خاص بالبنك المركزى الذى سمح للبنوك فى الفترة السابقة بإعطاء تسهيلات غير طبيعية فى إصدار كروت الائتمان للناس بضمانات وهمية نظرا لما تحققه من عائد يصل لـ 25 % سنويا مما أدى لتحقيقها لأرباح كبيرة دون استثمار نافع لمصر، وجزء آخر خاص بوزراء المجموعة الاقتصادية المعنيين بتعظيم فرص الاستثمار، أما الأمر الأخير والأهم فهو الاستفادة من المخزون النقدى لدى البنوك الذى تجاوز الـ 1700 مليار جنيه، كما سيمكننا من الاستغناء عن أساطين المال، بعد أن أعطتهم البلد كل التسهيلات ، ضنوا عليها ببعض التبرعات وصندوق «تحيا مصر» شاهد حى عليهم.

المحور الثانى، تقديم خدمات جيدة للمواطن، كيف؟ أشياء كثيرة لا تحتاج إلى ميزانية لتنفيذها، مثلا، ما الضير فى تركيب كاميرات إلكترونية فى الميادين والتقاطعات المرورية لتنظيم حركة المرور، ومن يخالف، ترسل إلى هاتفه المحمول صورة المخالفة إن أمكن مصحوبة بوقت حدوثها ومكانها بالإضافة إلى قيمة المخالفة وأماكن دفعها و كذا توضيح أن دفعها فى عدد محدود من الأيام قد يوفر عليه نسبة كبيرة من قيمتها، لاسيما أن عدد خطوط المحمول أصبح كبيرا، ولا أعتقد أن هناك مالك سيارة لا يمتلك هاتفا محمولا، تنفيذ هذه الفكرة يحتاج تقنيات حديثة يسهل اقتناؤها، بالاضافة إلى صدور القوانين اللازمة لتنفيذها، وفى المقابل ستحقق الشفافية المطلقة فى التعامل مع المواطن، كما ستردع المخالفين الذين يهربون من تنفيذ القانون بالفساد، وهكذا سيحترم قائدو السيارات إشارات المرور، بعدما أمن بعضهم العقوبة فاستباح التجاوز، حتى بات التكدس المرورى منهجا معتادا نشاهده كل يوم.

وآخيرا، لابد أن تعرف الحكومة أن قدرة المواطن خارت بعد أن وهنت بسبب معاناته اليومية والضغوط المتزايدة، وعليها أن تعى أن الحلول ممكنة، ولكن تحتاج إلى من يستطيعون تنفيذها.

[email protected]
لمزيد من مقالات عماد رحيم

رابط دائم: