رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

حتى يستعيد الجنيه قيمته!

بعد أن تدنت قيمة الجنيه لدرجة مخيفة لم تحدث من قبل، بات الحديث عن الأسباب أمراً لا مفر منه، فمنذ القرارات التى اتخذها محافظ البنك المركزى

الخاصة بضبط سعر صرف الدولار فى أوائل فبراير الماضي، المتعلقة بتحديد حد أقصى للإيداع الدولارى اليومى بـ 10 آلاف دولار و بإجمال شهرى بـ 50 ألف دولار، و قيمة الجنيه فى تدن حتى اليوم، بل واشتعل نشاط السوق السوداء بشكل غير مسبوق حتى قدر البعض مجمل تعاملاته بما يفوق حجم الاحتياطى الدولارى الذى انخفض بمبلغ 1.7 مليار دولار خلال سبتمبر الماضي. وبلغ إجمالى التراجع فى الاحتياطى الأجنبى لدى البنك المركزى نحو 3.7 مليار دولار خلال الربع الأول من العام المالي.

وتم إرجاع الأمر لعدة أسباب يأتى على رأسها سداد مصر لسندات دولية بضمان الولايات المتحدة الأمريكية بقيمة 1.25 مليار دولار تم إصدارها عام 2005، وسداد قسط نادى باريس السنوي، ورد الوديعة القطرية.

لقد كانت القرارت التى أصدرها هشام رامز تهدف إلى السيطرة على حجم الواردات، ولكن جاءت الرياح بما لا تشتهى السفن، فالأعراف البنكية المعمول بها فى العالم تلتزم بتلقى الودائع، ولكن تميزت مصر على وجه الخصوص بوضع حد أقصى لإيداع العملة الصعبة التى تعانى صعوبة شديدة فى توفيرها من أجل تضييق الخناق على المستوردين لترشيد الاستيراد غير المجدي، و مع ذلك وجد الكثيرون منهم حلولاً بديلة وفرت لهم كل ما يحتاجونه من العملة الصعبة.

أولها، أرسل المستوردون خطابات للمصدرين فى الخارج لإيجاد حلول لعملية الاستيراد، وقامت الشركات المصدرة بفتح فروع لها بمصر ومنها شركات صينية، وذلك لإتمام عملية التعاقد والحصول على الدولار «يداً بيد» من داخل مصر، ثم يتم إرسال البضائع فى المواعيد المتفق عليها دون المرور بإجراءات القطاع المصرفى، ويكفى أن نعرف أن حجم الواردات من الصين فقط قارب على الـ 9 مليارت دولار فى مقابل 1.7 مليار صادرات حتى سبتمبر المنقضى وهو رقم مفزع !

ثانيها، التعاقد مع الشركات المصرية المصدرة التى تمتلك وفرة دولارية فى حسابات بالخارج لتقوم بتحويل قيمة عملية الاستيراد المتفق عليها لحساب الشركة الأجنبية، على أن يتم تحويل المبلغ بالجنيه المصرى فى حساب هذه الشركة بسعر الدولار فى السوق السوداء.

ثالثهما، فتح مكاتب صرافة فى دول الخليج لجمع الدولار من المصريين وشرائه بسعر السوق السوداء داخل مصر وقت الشراء، وتحويل المبلغ بالجنيه للأهل والأقارب، والمتابع لحجم تحويلات المصريين بالخارج سيجد تناقصا ملحوظا فى الشهور الأخيرة عن مثيلتها فى العام الماضي!

أيضاً كان قرار خفض قيمة الجنيه مقابل الدولار الذى اتخذه البنك المركزى منذ فترة غير موفق رغم نبل الغاية التى كانت تأمل فى تقليل الفارق بين سعر الدولار فى البنوك، وسعره فى السوق الموازية الذى ستظل موجودة وسنظل نحاربها طالما استمرت طريقة التعامل معها بنفس الشكل الحاصل الآن.

ما سبق يؤكد فشل قرارات البنك المركزى بعمل سقف للإيداع الدولاري، لأن الأيام أثبتت لجوء المستوردين لحيل لا يحاسب عليها القانون وسعت الفجوة بشكل مرعب بين سعر الدولار فى السوق الرسمية والموازية، والحاصل أن الأسعار فى ازدياد مضطرب يوماً بعد يوم، وقدرة المواطن على الوفاء بالتزاماته قاربت على النفاذ ، فنحن دولة مستهلكة، تعانى من أوضاع بيروقراطية أغلقت مئات المصانع، وذهب العاملون بها إلى الشارع، وبالتالى قل الإنتاج ومن ثم قل التصدير، وفى هذا السياق رصد تقرير الهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات تراجع الصادرات 8 أشهر الأولى من العام الحالى بنحو 18.7 % لتصل قيمتها إلى 12.5 مليار دولار مقابل 15.4 مليار دولار خلال نفس الفترة من العام الماضي.

ومن العجيب أننا دولة تمتلك ثلث آثار العالم ولم تعمل على جذب السائحين سوى بالتصريحات! والأكثر غرابة أن المواطن فى انتظار تحقيق التصريحات البراقة التى أطلقتها وزراء المجموعة الاقتصادية عقب مؤتمر شرم الشيخ الخاصة بتوقيع مذكرات تفاهم، وتوقع قدوم تدفقات نقدية، واستثمارات أجنبية بعشرات المليارت من الدولارات بخلاف فرص العمل الواعدة، ولكن كيف تأتى تلك الاستثمارات ولم يخرج قانون الاستثمار الجديد الذى يوضح آلية دخول الأموال الأجنبية الخاصة بالاستثمار وخروجها، وكذا الأرباح حتى الآن؟!

وأخيراً اذا أردنا أن يستعيد الجنيه كرامته وهيبته، فعلى البنك المركزى العدول عن القرارت المتعلقة بعمل سقف للإيداع الدولارى والسماح بالايداع دون وضع حد أقصي، بعد أن ثبت تحايل المستوردين على تلك القرارات على وجه السرعة، شريطة إحكام الرقابة على الواردات من خلال مطالبة المستورد بتقديم ما يوضح مصدر تمويل ما يقوم باستيراده عند وصولها الموانيء المصرية، فاذا تأكدت الجهات المعنية من سلامة التمويل الذى تم بالكامل من خلال النظام المصرفى فلا ضرر ولا ضرار، وإذا لم يستطع إثبات مصدر تمويل المنتج الذى تم استيراده تكون هناك شبهة الحصول على تلك الأموال من مصادر غير معلومة، مثل السوق السوداء التى يجرمها القانون، أو يصل الشك لوجود شبهة غسيل أموال، وهنا لابد لكل الجهات المسئولة من بنك مركزى وسلطات الرقابة المالية من إحكام السيطرة التامة على كل عناصر دائرة الاستيراد، بدءا من فتح سقف الإيداع الدولاري، وصولاً للتأكد أن هذا الإيداع قد ذهب للغرض المخصص له، والتعامل معها بحزم و شفافية.

من هنا يمكن للدولة ترشيد الاستيراد، وكذا التحكم فى سعر صرف الجنيه مقابل الدولار، كما يمكن بهذه الطريقة القضاء على السوق السوداء التى ستختنق بشكل تدريجى إلى أن تزول.

[email protected]
لمزيد من مقالات عماد رحيم

رابط دائم: