كتبت فى مقال سابق عن سيناريوهات الاتفاق الليبى بعد ان وضع المبعوث الاممى برناردينو ليون بين يدى طرفى النزاع الليبى، مجلس النواب والمؤتمر الوطنى، المسودة الاخيرة للاتفاق كرزما نهائية لا تقبل المناقشة او التعديل، وتم تحديد جولة جديدة مابعد عيد الاضحى التزم فيها المؤتمر بتقديم لائحة الاسماء المرشحة للتشكيل الحكومى، وبقى السؤال هل سيحضر المؤتمر فى جولة ما بعد العيد موافقا على نص الاتفاق وحاملا لقائمة المرشحين، ام سيماطل ويحاول كسب المزيد من الوقت؟.
الحقيقة اننى لم اكن متفائلة، فمن تابع جولات الحوار على مدى السنة يسهل عليه ان يتوقع ان المؤتمر لن يفى بالتزاماته وان يعود الى الصخيرات كما ذهب، دون موافقة واضحة على رزمة الاتفاق ودون لائحة مرشحين.. وهذا ماحدث. فقد استأنفت جولات الحوار يوم الاثنين الماضى بعد زيارة الاطراف الليبية الى نيويورك، حيث كانت كل الاجتماعات مع القوى الغربية تضغط من اجل نفس الهدف: الدفع فى طريق استكمال الحوار والتوقيع على اتفاق بصيغته النهائية وتشكيل حكومة توافق وطني.
بدأت المفاجأة مع قرار مجلس النواب تمديد ولاية المجلس والتى ستنتهى يوم 21 اكتوبر الحالي، حتى انتخاب مجلس تشريعى جديد، وجاء هذا القرار بعد مسلسل التسويف والتماطل الذى اظهره المؤتمر طوال جولات الحوار وقرار رئيسه الاخير بتعليق الجلسات الرسمية الى ما بعد 20 اكتوبر، مما يعنى جر المحادثات الى مابعد انتهاء ولاية مجلس النواب حيث يدخل البلد مرحلة فراغ دستورى تتعقد فيه الامور والمفاوضات اكثر، بالاضافة الى ما خرج به مفتى المؤتمر من فتوى من سبع نقاط مفادها تحريم التوقيع ومعارضة ما تم الاتفاق عليه. وأمام كل هذه المعطيات لم يبق امام المجلس الا اتخاذ قرار احترازى يحمى به نفسه ويحمى شرعيته.
كان من الطبيعى ان يرفض المؤتمر هذا التمديد بحجة ان الاعلان الدستورى ينص على ان مجلس النواب لا يمكن ان يمد ولايته الا باستفتاء شعبي، وفى المقابل، واستمرارا لمسلسل التسويف، اخرج المؤتمر ورقة اخرى وهى طلب تعديلات اضافية على اتفاق اعتبر نهائيا وغير قابل لاى مراجعة.
ووسط هذه الاجواء المضطربة ظهر تيار من داخل المؤتمر يدعم الحوار ويريد ان يمضى به قدما. فإذا كانت هناك، من جهة، كتلة صغيرة متعنتة تصر على تعديل الاتفاق، فهناك فى المقابل كتلة اخرى مشكلة من 65 عضوا انسحبت من جلسة المؤتمر الاخيرة، وهى ممن يعول عليها لاستكمال الاتفاق والتوقيع عليه واقتراح اسماء للتشكيل الحكومي.
وبالتالي، فمع انقسام المؤتمر على نفسه وتعنت كتلته الممثلة للحوار فى الصخيرات، فمن المتوقع ان يتم اختيار الاسماء المرشحة للتشكيل الحكومى من الـ 65 عضوا المنسحبين، وسوف تكون هذه ترشيحات على ثلاثة مستويات: مجموعة ترشيحات لرئاسة الوزراء (مع العلم أنه معروف ان رئاسة الوزراء لن تؤول الى المؤتمر فى كل الحالات)، ومجموعة ترشيحات لنائبى رئيس الوزراء، ومجموعة ترشيحات للوزارتين السياديتين.
ومن خلال الاطلاع على لائحة الاسماء المقترحة، التى تم الحصول عليها من داخل الحوار، فيبدو انها تنقسم الى فئتين: فئة من هذه الاسماء، هم اعضاء فى جماعة الاخوان، والفئة الاخرى اعضاء فى الجماعة الليبية المقاتلة، وأن هاتين الفئتين لم تعطيا فرصة للتيارات الليبرالية داخل المؤتمر من اجل طرح وترشيح اسماء مدنية وليبرالية.
مما يطرح مجموعة من الاسئلة، فبعد ان صرح ليون فى مؤتمر صحفى فجر يوم الخميس الماضى بأنه سيتم تشكيل حكومة ليبية دون تعديل (اتفاق الصخيرات) فهل يمكن ان يحمله المؤتمر مسئولية خروجه من الحوار او عدم التوصل الى حل نهائي، او فشل الاتفاق؟ وفى حال استمرار تعنت كتلة المؤتمر المتشددة، هل سيتم اللجوء الى الكتلة المنسحبة منه، وهنا هل سيقع ليون فى فخ الاختيار بين من هم اعضاء فى جماعة الاخوان او من هم اعضاء فى القاعدة؟ واذا لم يكن هذا وذاك، فما هو البديل؟.
لاشك ان الحوار الليبى دخل مراحله الحاسمة، فبرناردينو ليون يريد ان يصل به الى مرفئه الاخير ويريد اعلان اتمام مهمته بإجماع الاطراف الليبية على الاتفاق والتوقيع عليه مع تشكيل حكومة، وهذا ما يصعب تحقيقه على الارض، فالاتفاق يستحيل فى المعطيات الحالية ان يكون بالاجماع، فهناك طرف لن يوقع وسيتم تجاوزه واستبداله بتيار من داخله، وهذا التيار مشكوك فى نواياه وخلفيته وان اعتبره البعض اكثر اعتدالا.
الصورة ضبابية، والاسئلة بخصوص مستقبل ليبيا كثيرة وتتناسل منها اسئلة لا حدود لها، وإن حاولت مسودة الاتفاق النهائية ان ترد على بعضها لكنها كلها اجابات نظرية بينما الواقع سيكون بالتأكيد اكثر صعوبة وتعقيدا. ففرضا انه تم التوقيع على الاتفاق وتم تشكيل حكومة، فهل فجر ليبيا سينحاز للتيار المنسحب من المؤتمر ام تيار ابو سهمين المتشدد؟ وأين سيكون مقر الحكومة، هل طرابلس ام مدينة اخرى؟ واذا كانت طرابلس فمن سيحميها فى ظل عدم وجود جيش نظامي؟ واذا كانت خارج طرابلس ففى اى مدينة ستكون، ومن سيقوم بالاشراف على نزاهة وخصوصية المؤسسات الاقتصادية والرقابية ذات السيادة ومنها البنك المركزى وهيئة الاستثمار والشركة الوطنية للنفط وغيرها؟.
هذا دونا عن اسئلة الجيش والشرطة وسحب اسلحة الميليشيات، فمن سيتولى هذه العملية ولمن سيقدم هذا السلاح؟.
الاستفهامات التى تسائل نضوج الاتفاق الليبى متشابكة، والاجوبة لاتزال عسيرة.