تقول الحكايات والأساطير القديمة إن كل إنسان له حظ ونصيب من اسمه.. وكذا كل الكائنات والجماد والشركات التي تحمل أسماء.. والاسم في مجال الشركات ودنيا المال والأعمال هو مفتاح المشروع وعنوانه وخير سفير عن مقصده وغرضه ومحتواه وهدفه.. فما بالنا إذا كان اسم الشركة المعنية هو
وصف لحالها, هذا هو بيت القصيد في موضوع هذا العدد, فوثيقة هذا الأسبوع عبارة عن حافظة تضم مجموعة من الإعلانات عن شركة سعيدة للطيران وشعار الشركة وظرف يطلق عليهFirstDayCover أو الظرف الذي تصدرة هيئة البريد بمناسبة أي حدث هام أو أي افتتاح ويسجل عليه بيانات هذا الحدث وتاريخه والطابع الخاص به فهل نالت شركة سعيدة حظا من اسمها؟ أم لم يكن الاسم علي مسمي ؟
والوثيقة الأولي في الحافظة هي إعلان في مجلة عام1591 بعنوان إجازات وهو عبارة عن عرض أسعار لرحلات خارجية الي أوروبا وبالتحديد ثلاث دول هي اليونان وإيطاليا والمانيا ودولتان عربيتان هما ليبيا وتونس تقوم بها شركة سعيدة وهو الاسم المختصر للخطوط المصرية للطيران الدولي التي اختارت في هذا العام ثمان وجهات أو مقاصد هي أثينا وروما وميلان وميونخ وفرانكفورت وبني غازي وطرابلس وتونس وبإسعار خيالية أقلها أثينا برحلتين في الأسبوع أيام الإثنين والجمعة ب12, جنيها وروما ثلاثة رحلات أيام الإثنين والأربعاء والجمعة ب14, جنيها أي ضعف أثينا وميلان رحلة واحدة يوم الأربعاء ب74, جنيها وميونيخ وفرانكفورت يوم الأربعاء والرحلة الأولي ب45 جنيها و06 قرشا( ياسلام علي الدقة) والثانية ب16, جنيها وبني غازي يوم الخميس ب81, جنيها ونصف وطرابلس في نفس اليوم ب03 جنية ونصف, وكذلك تونس يوم الخميس ب83 جنيها ونصف, والطريف أنه علي الرغم من رخص أسعار السفر في هذا الوقت الذي كان الطيران فيه مازال أعجوبة قد تدفع الكثيرين للتجربة إلا أن شركة سعيدة قدمت تخفيضا قدرة02 في المائة علي تذاكر الذهاب والإياب من أجل تنشيط حركة السفر الخارجي مما يعطي مؤشرا علي ضعف الإقبال علي السفر بالطائرة ربما للخوف من هذا الاختراع العجيب وتفضيل الكثيرين السفر بالبحر أو ربما لإحجام الناس عن السفر للخارج وتفضيلهم السياحة الداخلية حيث إن مصر كانت مشهورة بشواطئها الجميلة مثل الإسكندرية ورأس البر التي كانت تجذب الباشوات والأمراء وعلية القوم ولعدم الحاجة للسفر الي الخارج للتسوق باعتبار أن مصر كانت قطعة من أوروبا وكانت الأزياء الحديثة والموضة تظهر في مصر قبل أن تصل أوروبا.. وفي كل الأحوال كانت شركة سعيدة تقوم بالكثير من الحملات الإعلانية في الجرائد والمجلات في مصر وتتبني العديد من الشعارات الدعائية مثل إذا تعطلت أعمالك.. فسافر أنت شخصيا لإنهائها بسرعة وكذلك شعار مثل: كانت رحلتنا حلما) والكثير من هذه الشعارات المحفزة كما اعتمدت أيضا الشركة في دعاياتها علي عرض الحقائق الخاصة بالرحلات مثل مدة الرحلة( القاهرة- روما6 ساعات) و نوع الطائرة(4 محركات طراز سافويا ماركيتي) بالإضافة الي تشجيع المسافرين عن طريق إغرائهم بالوزن الكبير للأمتعة( لكل مسافر أن ينقل أمتعة وزنها04 كيلو).. وهذه الوثيقة تكشف الفارق الضخم بين حال شركات الطيران زمان وحالها الآن, فالأسعار تضاعفت مئات المرات والأمتعة المسموح بها تقلصت الي النصف بينما وقت السفر لم يختلف كثيرا رغم حداثة أساطيل الطيران التي ملأت الفضاء.
أما الورقة الثانية فهي لوجو أو شعار الشركة وهو مستدير وعبارة عن طائر يحمل علم مصر الأخضر الملكي بالنجوم الثلاثة البيضاء وعليه اسم الشركة باللغة الفرنسيةServicesAeriensInternationauxDEgypte-S.A.I.D.E
أما الوثيقة الثالثة فهو الظرف أو الإصدار البريدي لأول يوم وعليه رسم للطائرة وشعارها ومكتوب عليه الرحلة الأولي للطائرات المصرية سعيدة وأول رحلة لطائرات الشركة كانت الي روما بتاريخ32 أغسطس8391
ومن هذه الوثائق نتبين أن الحكومة المصرية أيام الملكية كانت تشجع وجود شركات طيران خاصة لكي تكون هناك منافسة مع الشركة الوطنية ولكي لا يتم احتكار السوق من قبل شركة واحدة حتي أن المصادر التاريخية تحكي أن شركة سعيدة حينما تعثرت مدت لها الحكومة يد المساعدة وأعانتها بمبالغ مالية ورفعت الجمارك عن المعدات والآلات التي يتم إستيرادها للشركة.
بقي أن أقول أن آقول أن شركة سعيدة كانت من أولي شركات الطيران الخاصة في مصر أنشإت بعد مصر للطيران بـ15 سنة, أنشأها رجل أعمال مصري بالتعاون مع رجل أعمال إيطالي كان يعمل في شركة فيات للسيارات الإيطالية.
وبدأت عملها في1947 م ولم تستمر سوي5 سنوات حيث ضمتها( مصر للطيران) إليها في ديسمبر1952 وكان أسطول هذه الشركة صناعة إيطالية, وأول رحلاتها الداخلية إلي الإسكندرية, وخارجيا إلي أثينا وروما
وكانت نسبة مشاركة المصريين في رأس المال55%, والإيطاليين بنسبة45% ولم تكن مشاركتهم في صورة أموال سائلة بل كانت في شكل طائرات وآلات ومعدات للورشوقد شارك بنك مصر في الشركة بمبلغ052 الف جنيه مصري تزايدت إلي004 الف جنيه, وقد بدأت الشركة أعمالها باستخدام الطائرات الإيطالية بالإضافة إلي أربع طائرات من مخلفات الجيش الأمريكي وبالتالي لم تكن حديثة بما يكفي فتعرضت لبعض المشاكل الخاصة بالصيانة والإصلاح ومع تكرار هذه المشاكل تحولت شركة سعيدة الي شركة خاسرة, فطلبت العون من الحكومة المصرية, وبالفعل قرر مجلس النواب المصري منح الشركة إعانة مالية تتعدي المائة الف, ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي الطائرات ويستمر مؤشر الخسائر للشركة حتي تنتهي بعد خمس سنوات ويتم ضمها الي شركة مصر للطيران في ديسمبر2591.. لتنتهي بذلك حكاية شركة سعيدة التي لم تكن اسم علي مسمي وإن كان الاسم لم يكن مقصودا بل صدفة جاءت نتيجة إستخدام الحروف الأولي للإسم باللغة الفرنسية والله علي مصر وطائراتها وشركاتها وحكاياتها زمان.
رابط دائم: