صوب وحدب مغلفة باتهامات لشخصيات لامعة ولاسيما على المستوى الوزارى، ومع أن الحكومة المستقيلة نفت الشائعات إلا أن التحليلات السياسية كانت تتجه لتعديل وزارى يشتمل على عدد من الحقائب الوزارية.
لذا جاءت استقالة حكومة محلب ومن ثم قبولها، مفاجأة للكثيرين من الناس، خاصة لما تتمتع به حكومة محلب من شعبية، بما يعنى أن تغيير الحكومة، جاء لأسباب قوية، قد يكون منها وقوع بعض أعضائها فى مستنقع الفساد، أو إخفاقه فى أداء عمله على الوجه المطلوب، وفى كل الأحوال بات من الضرورى الكشف عن أسباب خروج وزراء المهندس «محلب» من تشكيل حكومة المهندس شريف إسماعيل قبل أن تعاود الشائعات أدراجها مرة أخرى، ويصبح هذا الأمر كما العلكة فى أفواه العامة.
فى سبيلنا لمحاربة الفساد من اللازم توضيح بعض النقاط المتعلقة بهذه القضية التى ستظل تشغل الرأى العام سنوات طويلة، نظرا لخطورتها ولمساسها بحياة المواطن البسيط الذى صنع من الفضيلة ثوبا تدثر به يوما تلو الآخر، حتى تهلهل الثوب، وأصبح لزاما على الدولة أن تعينه على التمسك بفضيلته، من خلال محاربة الفساد و إعلاء قيمة الصالحين وبناء عليه لابد من :
أولا: الضرب بيد من حديد على كل فاسد، والمحليات حافلة بكل ألوان الفساد، فهناك مئات الآلاف من المخالفات التى تخرج للنهار كل يوم منذ سنوات كثيرة، ولم تتم محاكمة المتسبب فيها ولا حتى إزالتها، والأكثر غرابة تزايد حملات الإزالة لإشغالات الطريق التى تخرج يومياً من الأحياء المتفرقة على مستوى الجمهورية، لكن ما أن تنتهى الحملة حتى تعود مخالفة الإشغال بعد عدة دقائق على الأكثر فى مشاهد كوميدية حفظها الناس، بل تحول معظمها لفصول درامية حزينه، على ما آلت إليه المحليات، وفى بعضها يصطحب المسئول بعض وسائل الإعلام لتصوير أعمال الإزالة بهمة و نشاط منقطع النظير، و يتناسى أن الناس أصيبت بالملل من تكرار تلك المشاهد، وأن مخزون الصبر أوشك على النفاد.
ثانيا: إقرار مبدأ تطبيق القانون بكل حزم وشفافية على الكبير والصغير، فلا يعقل أن تخرج أنباء على استثناء «أبناء ضباط الشرطة والقضاة» من التحويلات الجامعية، تحت مبرر أن طبيعة عمل الآباء تحتم عليهم التنقل بين المحافظات، وغض الطرف عن أن حركة الشرطة قد تمت منذ فترة طويلة ، بما يعنى أن لا وجه للتحويل ، وأهملنا حق المطالبة بالحصول على نفس المميزات لكل من تغير محل إقامته لظروف العمل ، وهو ما لم يحدث! ليتذمر الناس بلا داعى.
كما بات من غير اللائق أن نشاهد سيارات تسير دون لوحات معدنية أو بلوحات مطموسة وعليها علامات تدل على وظيفة صاحبها، و عندما تمر أمام أحد الأكمنة المرورية بيسر وهدوء، و تسأل من فى الكمين لماذا مر هذا المخالف، يقول إنه مسئول كبير.
أو عندما يقدم شاب على الانتحار، لأنه رسب فى تقدير احدى الجهات السيادية رغم تفوقه، بسبب وظيفة والده «البسيط»، تماما مثلما رفض وزير العدل الأسبق دخول أحد المتفوقين للسلك القضائى «لأنه ابن الزبال»، وهو التصريح الذى كان سببا لخروجه من الوزارة، وهذا المبدأ المورث يرسخ الطبقية فى المجتمع، كما يؤسس لحقد مجتمعى غير مبرر على الإطلاق، فحتى اليوم هناك وظائف يتم توريثها للأبناء، وأضحى الأمر عرفا مسلما به فى المجتمع، رغم أن معظم المورثين لم يكن آباؤهم من أصحاب تلك الوظائف، بما يعنى أن الأمر دخيل على مجتمعنا، وبما يعنى أيضا أننا إذا واصلنا السير فى هذا الطريق فسينتهى بنا المطاف إلى نتائج مؤلمة!
ثالثا: متى يتم الرد على تصريحات المستشار هشام جنينة بشأن تقديمه بلاغات عديدة لجهات التحقيق، خاصة بقضايا فساد بحق جهات «معينة» بعشرات المليارات من الجنيهات، والرجل كرر مرارا المطالبة ببدء التحقيق فى تلك البلاغات و ما زلنا محلك سر!
رابعا: هل يمكن للرأى العام معرفة أين ذهب نحو 16مليون فدان من أراضى الدولة منذ عدة عقود وحتى الآن، بكل شفافية ووضوح؟ إذا كنا أحلنا مسئولا للمحاكمة لأنه اعطى بطريقة غير قانونية 2500 فدان لأحد رجال الأعمال بثمن بخس، فما بالنا بملايين الأفدنة من أراضى الدولة التى ذهبت لحفنة من المحظوظين بجنيهات قليلة، وقد استخدمت فى غير الغرض المخصص لها على مرأى ومسمع من الجميع، وقد حققوا أرباحا بالمليارت جراء هذه المعاملات على تلك الأراضى، دون «رقيب» أو «حسيب»، وهم الآن يتشدقون بالعفة و الطهارة!
الحاصل أن الفساد متجذر لدرجة يصعب تخيلها، لذا فإن القضاء عليه يحتاج لجهود مضنية وإرادة من فولاذ، ولقد ضرب الرئيس عبدالفتاح السيسى المثل، عندما قرر التبرع بنصف ثروته لمصر ، كما تنازل عن نصف أجره، ليضرب بذلك نموذجا فريدا فى الوطنية، وكان يأمل ونحن معه أن يعتبر الكثيرون ويعطون لمصر جزءا مما أخذوه منها، ولكنهم تجبروا، وأخذتهم العزة بالإثم، لقد حان وقت الحساب، وآن لشجرة الفساد أن تجتث من جذورها، كما آن للمستظلين بها أن يدفعوا الثمن.