رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

تساؤلات الهوية العربية

في اطار الاعداد للدورة 14 لمؤتمر فكر التي ستعقد في شهر ديسمبر المقبل بالقاهرة تحت رعاية الرئيس عبدالفتاح السيسي، نظمت مؤسسة الفكر العربي وعلى مدى اكثر من 10 ايام ورشات تحضيرية بمقر الجامعة العربية لمناقشة الاوراق البحثية في مختلف المحاور التي سيتم طرحها في المؤتمر، وقد كان لي شرف المشاركة في احدى هذه الورشات التي حملت عنوان "اشكاليات الهوية العربية وتحدياتها".

موضوع الهوية وان كانت قد جفت الاقلام وهي تكتب عنه وتحلله الا انه يظل شائكا ومتداخلا ويحتاج الى رصد وتشريح ومناقشة، وهذا ما حاولنا فعله في هذه الورشة التي ترأسها على مدى يومين الدكتور سمير مرقص. وقد اقترحت من جانبى خلال مناقشات هذين اليومين اهمية ان يتم لدى تناول الموضوع البدء بتحديد مفهوم الهوية، فهل هي هوية إنسانية بمعناها الواسع والتي تقتضي الانفتاح على كل الإنتاجات الإنسانية باعتبارها منتوجا إنسانيا لا وطن له؟ أم هي هوية محددة سلفا ومقيدة بالخصوصيات الدينية والثقافية واللغوية وغيرها؟ وفي أي خانة يمكن ان نضع الهوية العربية؟ وللاجابة عن هذا السؤال لابد ان نمر بمكونات الهوية.

ماكس فيبر يقدم الهوية على اساس انها مجموع العوامل التي تمنح الإنسان، بصفته الفردية، والمجتمع بصفته مجموعة روابط، الشعور بالوجود والانتماء والمصير المشترك على اعتبار ان هذا الشعور يضمن استمرارية الجماعة، ويحمي كيانها، وحينما يختفي هذا الشعور تبدأ الجماعة في مواجهة مصير التفكك. وفي الحالة العربية يبقى السؤال هل مكونات الهوية تتلخص في الانتماء الى عقيدة واحدة يؤمن بها أفراد المجتمع، وتاريخ مشترك، ولغة واحدة وثقافة تجمع تحتها علوم وفنون وآداب بالاضافة الى المشترك من العادات والأعراف؟ ام هي تشكل صيرورة وبناء متواصل ومتجدد يبحث عن عناصر جديدة واندماج مع خصوصية كل مرحلة؟

وهنا سأقول اننا كعرب لسنا على ديانة واحدة ولا على مذهب واحد، فمنا مسلمون ومنا مسيحيون، ومنا سنة وشيعة ومذاهب اخرى مختلفة.. وحتى داخل الدين الواحد والمذهب الواحد فليس هناك هوية دينية موحدة بل هناك اختلاف، فاذا كان هناك سماح بتعدد الزوجات في السعودية، فالامر مقيد في المغرب وممنوع في تونس. اما بخصوص اللغة والعرق فمنا ايضا عرب ومنا امازيغ ومنا اكراد.. ولنا تاريخ وحضارة وثقافة نسبيا مختلفة. والخلاصة اننا كأمة عربية لا نمتلك فعلا هوية كلية، بل مجموع هويات خاصة وجزئية، فهناك على سبيل المثال هوية خليجية عامة وهناك هوية عمانية خاصة، وهوية اماراتية لها خصوصيتها ايضا، وهناك هوية مغربية متعددة ومعترف باختلافها وتنوعها، وهناك هوية مصرية.. الى غير ذلك.

اذا كانت الهوية هي التميز فهوية العالم العربي هي في تنوع روافدها لتصب بالنهاية في ذات المصب، وقوتنا كعرب هي في الاعتراف بتعدد هوياتنا والقدرة على الانصهار داخل هذا التنوع والاعتراف بالحق في الاختلاف واننا جميعا كالفسيفساء نكون فيها جميعا جزءا من كل داخل نسيج وطني واحد وعربي متكامل، فالاكيد ان الهوية العربية الجامعة تعتبر مزيجا من كم كبير من الهويات الجزئيات.

واذا تجاوزنا نقطة الكلية والجزئية في الهوية العربية، فتبقى واحدة من اشكالياتها تحديد صلاحياتها التاريخية، هل هي تعني العودة إلى الماضي لجلب حلول للحاضر، وما يعنيه من عودة الى الخطابات الماضوية التي تزيد من حدة التطرف وتعمق مظاهر التشرذم والانقسام في الوقت الذي تتجه فيه الهويات الغربية نحو المستقبل للتفكير حول الجامع والمشترك في اطار تحقيق دولة التنمية البشرية حيث الرهان على كرامة الانسان المواطن، ام هناك إمكانات لتشكيل عناصر جديدة للهوية العربية حتى تكون هوية منفتحة ومتطورة ومواكبة لتحولات العصر ومتطلباته في أفق تشكيل الفرد الواعي بمصيره والمعتز بانتمائه.

واذا ما نظرنا الى المخاطر التي تهدد امننا واستقرارنا اليوم من تطرف وارهاب وحروب طائفية وايديولوجية فهذا يستدعي النبش في تكوين هويتنا ومسارها عبر التاريخ والبحث عن الاختلالات التي ساهمت في تشكيل وعي مغلوط، فهل تم اختطاف الإسلام من قبل جماعات إرهابية من الخوارج إلى الحشاشين إلى القاعدة والداعشيين/الإرهابيين الجدد؟ ام ان تأثير بعض الكتب والمرجعيات التي شكلت وتشكل فكر الجماعات الارهابية، والتي لاتزال تمثل صلب التعليم الديني المتطرف الذي يشرب ويتشبع منه الكثير من الشباب العربي الغاضب او الحاقد او الجاهل والذي وجدت فيه داعش عنصرا جاهزا للاستقطاب والحشد، من قبيل "إحياء علوم الدين“ لابو حامد الغزالي، و"معالم في الطريق" لسيد قطب، و"الجهاد في الاسلام" لابي الاعلى المودودي، هو الذي اوصلنا الى ما وصلنا إليه اليوم؟

كلها اسئلة مؤرقة وتستحق فتح نقاشات عميقة نواجه فيها ذاتنا العربية ونحاول ايجاد اجوبة وحلول، فنحن وصلنا الى محطة فارقة حيث نحتاج الى الكثير من الصراحة والاكثر من المراجعات التي تبدأ بتشكيل وتحديد عناصر جديدة جامعة للهوية العربية، وضرورة مراجعة المراجع الدينية التي لانزال نستند عليها في منظوماتنا التعليمية، مع مراعاة تجديد الخطاب الديني والاهم تجديد الفكر العربي بصفة عامة. ولابد من فتح قوس جريء حول تعدد الهويات داخل الدول العربية والعمل على جعل هذا التنوع عامل اثراء وليس سببا للتهميش والاقصاء الذى يولد بالنهاية ظواهر اجتماعية شاذة باتت تشكل عبئا على الاوطان وخطرا على الانسان.


لمزيد من مقالات وفاء صندى

رابط دائم: