رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

بناء العقل أولاً

ما بين صفر مريم ، واكتشاف حقول الغاز الطبيعى الجديدة التى يصل احتياطيها إلى 850 مليار متر مكعب. مسافة طويلة من التخبط والارتجال.

 

قامت الدنيا ولم تقعد، حتى بعد إعلان نتيجة التحقيقات فى قضية تبديل أوراق مريم التى حصلت على درجات متفوقة فى صفيها الأول والثانى الثانوى، لذا تفاجأ الرأى العام بحصولها على صفر فى الصف الثالث، وفتحت الفضائيات شاشاتها للتهليل حول هذه القضية متضامنين مع «مريم» دون انتظار نتيجة التحقيقات التى تمت بمعرفة «النيابة العامة».

وعندما جاءت الرياح بما تشتهى السفن، بدأ التشكيك فى آليات التحقيق وكذا نتيجته، وذلك عبر وسائل التواصل الاجتماعى التى أصبحت إحدى الوسائل المهمة لتبادل المعلومات، بخلاف بعض وسائل الإعلام التى تجيد فن الإثارة. ولأن النتيجة جاءت غير متوقعة، لعب البعض على وتر التشكيك، ولم تجد نفس الاهتمام بعرضها كاملة فى سياقها المضبوط. حتى وصل الحال لأن يقول أحدهم إن النظام لم يتغير، ومازالت المحاباة هى السمة الغالبة على أحوالنا حتى اليوم.فقلت فى رأيى إنه كان الأفضل للنظام فى ذات القياس ـ المحاباة ـ أن يثبت صدق إدعاء مريم، ليعم الفرح أسارير الناس، ويقال إن النظام قد تغير بنفس المنطق، فبهت المتحدث. ولكن فكرة قبول الحقيقة كما هى حتى ولو كانت صادمة أمر غير معتاد.

فى المقابل تأتى حالة التهليل المبالغ فيها بشأن اكتشاف حقول الغاز الطبيعى فى المياه الإقليمية المصرية بالبحر المتوسط فى غير موضعها السليم، حينما يتم الحديث عن تحقيق مكاسب فورية سوف يشعر بها المواطن سريعاً مثل تخفيض أسعار الغاز وما شابه، يكون الغرض اللعب على مشاعر البسطاء المتلهفة للإمساك بخيوط الأمل والضغط على الدولة للاستجابة، ثم يفاجأ المواطن بأنه سراب يتضح أن الغرض من التهليل مشبوه.

رغم التأكيد أن المردود الاقتصادى لهذا الاكتشاف عظيم، لاسيما فيما يتعلق بالموازنة العامة للدولة التى تنفق جزءا كبيرا منها على شراء الطاقة والتى يعتبر الغاز الطبيعى أهم عناصرها، وهو ما يتبعه تحويل هذا الإنفاق لبنود أخرى مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية، وخلافه. وهذا مؤداه إلى أن النفع سيعود على المواطن، ولكن كيف ومتى.. هذا هو السؤال؟

ولأن الحكومة مشغولة بإدارة شئون المصريين من مأكل وملبس.. الخ، وجد العازفون على أوتار المشاعر ضالتهم المنشودة فى التلاعب بمشاعر الناس، تارة تحت مسمى عرض الحقيقة، وأخرى نحو التشكيك فيها، وهكذا، لأن الغرض الرئيسى يهدف لإيجاد دائرة كبيرة من الضوء تخطف الأبصار وتحركها فى اتجاه محدد وفق أولوية مرسومة مسبقاً، ليس من الضرورى فيها مراعاة مصلحة الدولة، وقد يصدف أن تتطابق المصالح فى مرة أو اثنتين، فيتغنوا بالنزاهة.

إلى هنا أضحى من الضرورى أن تضع الحكومة ضمن أهدافها، استراتيجية لبناء العقول، تتكاتف فيها وزارات التربية والتعليم، والتعليم العالى، والثقافة، والرياضة، جنباً إلى جنب مع الأزهر والكنيسة، تهتم بالتنشئة الفكرية بداية من لحظة دخول الطفل إلى المدرسة وصولاً لنهاية المرحلة الجامعية، يكون ركنها الأصيل المتلقى.

فقد انشغلنا أو شغلنا سنوات كثيرة بالحديث حول تطوير المناهج، ثم تغييرها، وكذا تنمية مهارات المعلم، وعدد ساعات اليوم الدراسى، ومتشابهات كثيرات، وأهملنا عن عمد بناء العقول، فبات المسرح المدرسى مخزناً للكتب، وتم تخصيص غرفة الموسيقى إلى غرض آخر، كما أصبحت حصة المكتبة المدرسية، وقتا لإلقاء النكات والترفيه، هذا إن تم وضعها فى جدول الحصص من الأساس، ويجب ألا ننسى مجلات الحائط التى ماتت بالسكتة الأبدية التى كانت فى أيام دراستنا، أحد أمتع وسائل التعبير عن النفس، وقتها كان النشاط المدرسى جزءا أصيلا من العملية التعليمية!

ولا يختلف الحال كثيرا فى جامعاتنا، التى تخرج فى مسارحها كبار نجوم الفن فى العالم العربى، هل يعلم أحد ما هو النشاط المسرحى الجامعى فى العام المنقضى على سبيل المثال لا الحصر؟ ولم هذا الاهمال الصارخ، وهل تستطيع إحدى جامعاتنا التى خرجت جميعها من سباق أفضل 500 جامعة على مستوى العالم، أن تعلن خطتها الثقافية أو الأدبية للعام الدراسى المقبل.

أما مراكز الشباب نسيت أنها أقيمت للشباب، وتفرغت للرياضة، وأهملت كل الأنشطة الشبابية هى الأخرى من ثقافة وفن وكشافة، ومن تمتلك من المراكز مسرحا تحول بكل بساطة إلى خراب، دون أدنى إحساس بالمسئولية.

كما تركت الدولة الفن، فتحول إلى تجارة معنية بالمكسب والخسارة على حساب المضمون، ليكون نموذج البلطجى والحرامى هو القدوة للشباب فى الدراما السينمائية والتليفزيونية، ويختفى فى المقابل نموذج المثقف والمجتهد، وبين هؤلاء يجىء الحديث عن تجديد الخطاب الدينى كأمواج البحر شاهقة تارة ومنبسطة لا تشعر بوجودها تارة أخرى.

إن بناء العقل هو السبيل الأمثل لبناء المستقبل، هو الذى سيمكننا من مواجهة الإرهاب، وهو الوسيلة الأضمن لكشف المضللين والمنافقين والمزايدين، وإذا أردنا مجتمعاً قوياً مترابطاً، علينا العمل فوراً على عودة الأنشطة الثقافية والأدبية للمدارس والجامعات ولمراكز الشباب و قصور الثقافة، هذا إن أردنا جيلا يبنى، فهل يمكن أن يأخذ أحد الأحزاب السياسية التى ينشغل أغلبيتها بالوجود فى البرلمان أيا كان الثمن دون وجود حقيقى وملموس فى الشارع، بزمام المبادرة، أم يأخذها أحد الأندية ليكون نموذجاً فريداً، أم ننتظر الحكومة حتى تقوم بهذا الدور؟

[email protected]
لمزيد من مقالات عماد رحيم

رابط دائم: